النظام السوري يعزز عزلته

2022.12.05 | 06:30 دمشق

بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

نفت مصادر في دمشق أن تكون زيارة وزير الخارجية العُماني، بدر بن حمد البوسعيدي، إليها مؤخراً قد تضمنت أي محادثات تتعلق بمصير الصحافي الأميركي أوستن تايس، المفقود في سوريا منذ آب 2012.

وحسبما قالت صحيفة «الوطن» شبه الرسمية، قبل أسبوع، فإن الأخبار التي تسرّبت عن وساطة عمانية في هذا الشأن خاطئة. وإن دمشق سبق أن أكدت أنها لا تملك أي معلومات عن الصحافي «المذكور» الذي «تدّعي» الولايات المتحدة أنه فُقد في سوريا. وإن أي تواصل رسمي مع الجانب الحكومي الأميركي سيكون «علنياً ومؤسساً على قاعدة احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». وقد نفت المصادر الدبلوماسية نفسها ما «أذيع قبل فترة» عن مفاوضات يقوم بها اللواء عباس إبراهيم، مدير الأمن العام اللبناني، حول تايس.

كان من الوارد أن يصدّق القارئ المصادر السورية لولا أن ضابط الأمن البارز، المقرّب من حزب الله، صرّح مراراً أن جولاته بين واشنطن ودمشق تتعلق بالكشف عن مصير المفقودين الأميركيين، بمن فيهم تايس. وعلى هذا الأساس دعته مستشارية الأمن القومي الأميركي، والتقى بكبار مسؤولي البيت الأبيض والخارجية والمخابرات، كما بوالدَي تايس المصرَّين على تحريره. كما قال إبراهيم إن المحادثات توقفت عند نقطة طلب «الحكومة السورية» من الأميركان «انسحاب القوات الأميركية من الرقة واستئناف العلاقات الديبلوماسية الأميركية مع سوريا ورفع بعض العقوبات». ولا شك أنه ثمن باهظ لقاء الإفراج عن صحافي، أو «المساعدة» في معرفة مصيره كما يفضّل النظام القول عن مثل هذه الصفقات.

في سياق موازٍ نشر المرصد الاستراتيجي، منذ أيام، ورقة عن انتكاسات خطط التطبيع الأردنية مع دمشق تناول فيها المقدمات التي دفعت الملك عبد الله الثاني، في أيار 2019، إلى تعيين اللواء أحمد حسني حاتوقاي مديراً للمخابرات العامة الأردنية في «ثورة بيضاء» تهدف إلى إصلاح هذا الجهاز المترهل. مثل زميله اللبناني برز اسم حاتوقاي في جهود وساطة إقليمية. كما أنه ظهر، خلافاً لتقاليد سابقيه، في مؤتمر صحافي قبل عام ونيّف، تحدث فيه عن قضايا محلية كملف الإصلاحات الداخلية. وعندما انتقل إلى خارج الحدود دعا إلى أن «نكون واقعيين» في الشأن السوري، لأن «كل ما يهمنا هو الأردن ومصالحه». وهو البلد الذي لم يتدخل «في الشأن الداخلي لسوريا كونها دولة جوار ودولة حدودية»، لكنه يحتاج إلى معالجة ملفات اللاجئين السوريين على أرضه، والمتطرفين على حدوده، وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إليه، وقضية المياه. ولذلك فإن «علاقتنا مع دمشق أخذت دفعة للأمام» انطلاقاً من «التعاطي مع الواقع الموجود».

قبل ذلك بأشهر كانت زيارة الملك عبد الله للولايات المتحدة الأميركية، ولقاؤه رئيسها جو بايدن، فرصة لطرح العاهل الأردني أفكاره عن «فريق عمل»، يضم روسيا والنظام وإسرائيل ودول أخرى، يهدف إلى الاتفاق على خريطة للحل في سوريا تضمن «استعادة سيادتها ووحدتها».

وفي هذا الإطار التقى حاتوقاي باللواء حسام لوقا، نظيره على رأس جهاز المخابرات العامة السوري، وباللواء كفاح ملحم رئيس المخابرات العسكرية، وباللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني. وزار عدد من ضباط المخابرات العسكرية عمّان لبحث ملفات المصالحة، وسبل عودة دمشق إلى الإنتربول والجامعة العربية، وتوّج ذلك باتصال تلقاه الملك من بشار الأسد لأول مرة بعد عشر سنوات.

أشهر قليلة مضت على المكالمة عندما أعلن الجيش الأردني عن مقتل ضابط وإصابة ثلاثة أفراد من قواته في اشتباك مع المهرّبين على الحدود السورية، الذين خلّفوا وراءهم كميات كبيرة من المخدرات، بعد ثلاثة أيام من إعلان الجمارك الأردنية ضبط نحو2,7 مليون حبة داخل شاحنتين. وأكّد رئيس دائرة المخدرات الأردني أن «مصانع الكبتاغون موجودة في مناطق سيطرة الفرقة الرابعة وتحت حمايتها». وأعلنت السلطات الأردنية عن «زيادة دراماتيكية» في محاولات تهريب المخدرات من سوريا، مما دفعها إلى تطبيق قواعد اشتباك أكثر صرامة. وفي زيارة قام بها الملك للمنطقة العسكرية على الحدود طلب من قواته استخدام «العين الحمراء» في التعامل مع المهربين. وأعرب، في مناسبة لاحقة، عن قلق بلاده من تصعيد محتمل على حدودها مع سوريا بعد أن سحبت روسيا عدداً من نقاطها هناك وملأتها قوات موالية لإيران. في حين أن الأردن كانت تراهن على إعادة دمج النظام مع المحيط العربي والتصدي للنفوذ الإيراني.

أما في موضوع تحسن علاقات أنقرة مع دمشق فقد قال كاتب مقال سياسي في العدد نفسه من صحيفة «الوطن» الموالية إن «الدولة السورية» ليست مستعجلة، وإنها تشترط لذلك انسحاب جيش تركيا من الشمال وتوقفها عن دعم «الجماعات الإرهابية»، وهو ما يعني الثورية بالمعايير المعتمدة في دمشق. وأكّد المحلل أن الحديث المتزايد عن تغير طبيعة اللقاءات من أجهزة المخابرات إلى احتمال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالأسد لا جدوى منه دون تحقق هذين الشرطين. مشيراً إلى أن «البعض» يرمي تصريحات هنا وهناك عن نجاح وساطته في الملف، متجاهلاً أنه «لا يستطيع عدو ولا صديق ليّ الذراع السورية»، في إحالة واضحة على روسيا وضغوطها لإحراز تقدم في هذه العلاقات.

عام 2011، يوم كان القلق بخصوص احتمالات استمرار الثورة أو تراجعها لا يغادر صدور المحتجين؛ قيل على نطاق واسع إن الحراك، الذي يفتقر إلى القيادة، يقوى وينتشر بفعل «رعاية» النظام نفسه. فكلما أوشكت منطقة على الخمول ارتكب فيها مجزرة أشعلتها مجدداً، وحين يعلو صوت الهدنة يصبّ عليه الأسد خطاباً مستفزاً يدفع الجذريين إلى الواجهة.

إنه نظام تعوزه المرونة، ويرى أن بقاءه مرهون بنموذج وحيد هو ما كان عليه قبل الثورة. وهو ما لن يعود أبداً، لا داخلياً ولا خارجياً. ولهذا لا خوف من محاولات إعادة تدويره، فهو كفيل بإحباطها.

كلمات مفتاحية