icon
التغطية الحية

"الموت للعمود".. حزب الله الذي قصف كل جزء في مرصد الحدود مع إسرائيل

2023.10.31 | 16:06 دمشق

آخر تحديث: 31.10.2023 | 19:59 دمشق

عمود
استهداف حزب الله لعمود رصد إسرائيلي
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لم يسقط عمود الاستطلاع الإسرائيلي الذي يستهدفه حزب الله منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حتى تحول شعار "الموت لإسرائيل أو الموت لأميركا" الذي ترفعه طهران منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، إلى "الموت للعمود" الذي يعيق وصول الحرس الثوري وتوابعه إلى باحات المسجد الأقصى المبارك.

كانت "طوفان الأقصى" مفاجأة لجميع الأطراف بما فيهم حلفاء حركة "حماس" إيران وذراعها العسكرية في لبنان "حزب الله"، وأحدثت فيما يبدو صدمة لما يسمى "محور المقاومة والممانعة" والذي يضم أيضاً النظام السوري.

"حرب الندم"

في عام 1982 أسس الحرس الثوري الإيراني "حزب الله" في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و 1990 لأهداف منها تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، إلى أرجاء المنطقة وقتال القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان في عام 1982، وسمح الحزب بانضمام المسلمين الشيعة اللبنانيين فقط إليه، ومع الوقت تحولت الجماعة من فصيل في الظل لقتال إسرائيل، إلى قوة مدججة بالسلاح تسيطر على لبنان بشكل فعلي متجاوزة الجيش اللبناني بمراحل.

في تموز عام 2006، تسلل عناصر إلى الحدود وخطف جنديين وقتل آخرين، فاشتعلت الحرب مستمرة لخمسة أسابيع، ما أدى إلى مقتل 1200 لبناني معظمهم من المدنيين وتدمير أجزاء واسعة من البلاد، في مقابل 158 إسرائيلياً معظمهم من الجنود.

وبعد الحرب المدمرة التي قادتها "إسرائيل" على لبنان، شدد حسن نصر الله بما يشبه "الندم" على أنه ما كان ليُقدم على تنفيذ عملية الأسر لو كان يتوقع حصول رد إسرائيلي بهذه القسوة.

وبعد الثورة السورية تدخل حزب الله عسكرياً لدعم النظام السوري بدءاً من العام 2012، وارتكب مجازر في العديد من المناطق خصوصاً في القصير ومضايا والزبداني وأصبح له نقاط عسكرية ثابتة في العديد من المحافظات السورية.

ويتباهى حزب الله بحيازته لأسلحة تشمل صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة، وتقول إنها تستطيع قصف جميع أرجاء إسرائيل. وقال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في عام 2021 إن "الجماعة لديها 100 ألف مقاتل".

مناوشات بوتيرة ثابتة

أيد حزب الله العملية في بداياتها وبدأت قواته بمناوشات مع "إسرائيل" ما زالت على وتيرة واحدة تقريباً، معتمدة أسس "قواعد الاشتباك" بين الحزب وتل أبيب.

بدوره، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "إذا دخل حزب الله الحرب فسيؤدي ذلك إلى دمار لا يمكن تخيله للحزب ولبنان"، وفي جولة له على الحدود مع لبنان، أضاف: "لست متأكداً بعد من نية حزب الله بشأن دخول الحرب".

وفي إطار ذلك، حذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من أن "الولايات المتحدة لن تتردد في التحرك عسكرياً ضد أي منظمة أو بلد يسعى إلى توسيع النزاع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحماس".

ويبدو أن "حزب الله" قد خيّب آمالاً عريضة لدى كثير من الفلسطينيين الذين أرادوا من الحزب الدخول في حرب مع إسرائيل لتخفيف القصف عن غزة، وتشتيت جيش الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من جبهة.

لكن الواقع أن للحزب حساباته المحلية والإقليمية والدولية المرتبطة بإيران بشكل مباشر، وليس بما يتصل بواقع المقاومة في فلسطين.

ويأتي ذلك بعد سنوات من تمكن إيران من تمرير شحنات أسلحة وصواريخ نوعية إلى حزب الله عبر الأراضي السورية نفدت من القصف الإسرائيلي قبل وصولها إلى مخابئها في ضاحية بيروت ومدن الجنوب اللبناني.

والحقيقة أن "حزب الله" أقوى عسكرياً من حركة "حماس" وذراعها العسكرية الممثلة بكتائب القسام، فهي تحكم دولة غير محاصرة، فيها مقدرات ومواد أولية للتصنيع وإن صنفت كدولة فاشلة اقتصادياً وسياسياً، فقد تكون هذه فرصة أكبر للتمدد وتوسيع النفوذ والتحكم بها طولاً وعرضاً.

وهذه القوة بمنزلة فرصة استثنائية لتطبيق قاعدة "وحدة الساحات" التي تتحدث عنها إيران منذ عقود سابقة، في خضم مشروعها لتحرير القدس من الاحتلال، إلا أن ما يجري على الأرض يتحدث عن عكس ذلك، إنما تطبيق مباشر لقواعد اشتباك مدروسة ولا تغير من أي شيء من ميزان المعركة، بل قد تساعد في اطمئنان الاحتلال أن الجبهة الشمالية مستقرة ولن تتجاوز الخطوط العريضة لمقتل جندي من هنا أو قرية من هناك، استهداف مخزن أسلحة من هنا وضرب عمود استطلاع من هناك.

دعوة مفتوحة للانخراط في الحرب

كانت دعوة محمد الضيف قائد كتائب القسام لحزب الله للدخول في المعركة مباشرة وواضحة، حيث قال في كلمة الإعلان عن العملية "أدعو المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق وسوريا واليمن إلى الالتحام مع مقاومة فلسطين".

والحقيقة أن كتائب القسام بقيت وحيدة في الميدان إلى جانب الضحايا المدنيين بقطاع غزة، والتي تواصل إسرائيل قصفهم ليلاً ونهاراً متسببة بمقتل أكثر من 8525 شخصاً وإصابة عشرات الآلاف.

وقتلت إسرائيل لحزب الله 47 عنصراً، ومع ذلك لم يخرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن صمته المستمر منذ 7 أكتوبر.

وبقيت صور استهداف أعمدة الرصد الإسرائيلية هي المقاطع الأكثر انتشاراً لرد حزب الله على مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

ورغم أهمية ما جرى في غلاف غزة على جميع الأصعدة، ولا سيما ما يخص "محور المقاومة"، اكتفى الحزب بنشر صورة تجمع حسن نصر الله مع نائب قائد حركة حماس صالح العاروري، وقائد حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، لإظهار التنسيق بين أطراف المقاومة المدعومة من إيران، والتي سبق أن أعلنت قيادات "حماس" نفسها أنها لم تكن تعلم بالعملية التي قادتها كتائب القسام على الأرض.

حزب الله

ما هي قواعد الاشتباك؟

بعد حرب تموز عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، جرى وقف إطلاق نار بموجب القرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وبدأ تنفيذ "قواعد اشتباك" يلتزم بها الطرفان ولا يحيدان عنها رغم ارتفاع سقف التصريحات والتهديدات.

و"قواعد الاشتباك" (Rules of Engagement) بدأ الحديث عنها في منتصف خمسينيات القرن العشرين خلال الحرب الباردة، حيث قدمت القيادة العليا للقوات البحرية الأميركية للقوى التابعة لها مبادئ توجيهية في أي مواجهة ممكنة، وحددت شروط استخدام القوة وموجباته.

وتلتزم الجيوش في استعمال القوة في أثناء أي عملية عسكرية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي في نزاعات مسلحة أو مهام لحفظ السلام، ولقواعد الاشتباك أبعاد قانونية وعسكرية واستراتيجية وسياسية. 

ورغم أنه لا توجد قواعد اشتباك متوافق عليها دولياً، فإن حزب الله وإسرائيل متفقين على استهدافات معينة، مثلاً تستهدف إسرائيل مرصداً للحزب فيستهدف هو مرصداً لها، تضرب قرية على عمق 15 كيلومتراً فيستهدف ما يقابلها وهكذا.

وتحدد قواعد الاشتباك لاستخدام القوة بحالات ثلاث، أولها للدفاع عن النفس، ومساعدة أشخاص في حالة خطر، والحالة الثانية في نزاع مسلح دولي ورد عدوان، وثالثها عند الإذن باستخدام القوة من القيادة العليا.

ومن ذلك يتكشف أن إسقاط إسرائيل لأي عمود رصد في لبنان قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط حزب الله لذلك العمود الذي يستهدفه منذ 25 يوماً مع بدء عملية "طوفان الأقصى".

"الموت للعمود"

بث حزب الله على نطاق واسع ولأكثر من مرة استهدافه لأعمدة رصد إسرائيلية مزودة بكاميرات استطلاع على الحدود مع لبنان، إلا أن معظم تلك الأعمدة بقيت واقفة رغم كل الاستهدافات النارية، ما أثار سخرية واسعة من الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي، مطلقين على معارك حزب الله "معركة ذات العواميد" أو "قادمون أيها العمود" أو "الموت للعمود".

هذه السخرية ليست دلالة على أن الحزب قد لا يخوض حرباً مع إسرائيل، فإن اقتضت المصلحة الإيرانية ذلك (وهو مستبعد لكثير من المؤشرات) فمن الممكن أن يزج بالحزب ولبنان في معركة إيرانية، كتلك العمليات التي تجري على الأراضي السورية والتي تسهدف مناطق سيطرة النظام السوري، إلا أنها في الحقيقة تستهدف مصالح ونقاطاً عسكرية لميليشيات إيرانية أو تابعة لإيران.

ويظهر أن السلاح النوعي الذي يمتلكه الحزب لأجل مقاومة إسرائيل، قد ساعد حزب الله ومن خلفه إيران على بسط النفوذ الكامل على الدولة اللبنانية وبقيت الأحزاب الأخرى مجرد أدوات سياسية يستخدمها الحزب كغطاء للتحكم بالبلد الذي خاض حروباً طائفية طاحنة انتهت بسحب سلاح جميع الفرقاء ما عدا حزب الله بموجب اتفاق الطائف لعام 1989.