"المكتب الثاني" لضبط الأمن.. ولبنان في مواجهة إسرائيل

2022.01.22 | 04:52 دمشق

4b3262eb-bd07-4e81-89f5-96a0cd6a1f07.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعطى عهد الرئيس اللبناني فؤاد شهاب الأولوية للدولة على حساب المواطن، فزادت سطوة الأجهزة الأمنية، وأصبح للمكتب الثاني دور رئيسي في ضبط الأمن، وربما تجاوز هذا الدور أحيانا، وكان شهاب حريصا على المظاهر الوطنية، وحظي بعد اجتماعه مع الرئيس جمال عبد الناصر، في خيمة على الحدود، بموافقته الضرورية لبقاء لبنان يتمتع بالسلام، خاصة في ظل وجود دولة الوحدة على بعد خطوة واحدة، والجماهيرية التي يتمتع بها عبد الناصر بين الطوائف المسلمة داخل لبنان نفسه.

كان تأثير فؤاد شهاب ذا طيف واسع، فقد نال شخصه قبولا كبيرا، وخاصة على المستوى العربي، وفي مقدمة الموافقين على عهده وسياسته العامة كان جمال عبد الناصر نفسه، ورغم أن أكثرية من النواب اقترحت أن يعدل الدستور ليصار إلى انتخابه مرة ثانية، لكنه رفض وفضل عدم العبث بالدستور، بالمقابل لم يغادر السلطة قبل أن يختار خليفة له، ليدير دفة الحكم بذات الطريقة، وهو الرئيس شارل حلو، وكان يشغل منصب وزير التربية، وعَبَرَ انتخابات مجلس النواب بسلاسة وقوة، فقد حصد أصوات خمسة وتسعين نائبا في انتخابات أغسطس 1964، التي جرت في فندق خمس نجوم.

كان قدر شارل حلو أن يحضر اجتماع القمة العربية في القاهرة، وهو المؤتمر الذي شهد اعتراف الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان لبنان من جملة المعترفين بالطبع، ولكن الحدث اللافت أنه كان على حلو أن يظهر وجها لبنانيا "عربيا خالصا"، عندما اضطر للمشاركة في القيادة العسكرية المشتركة، التي من المفترض أن تواجه إسرائيل، فانتقل لبنان من خندق أقرب إلى الحياد، إلى خندق مواجه وبشكل مباشر لإسرائيل، ولم يخفف من ذلك رفض رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي في القمة السابقة، مرابطةَ قوات مصرية أو سورية على الأرض اللبنانية، وتفضيله الحصول على مساعدات مالية تخصص للشأن العسكري، ولكن ما حدث في النهاية أن لبنان اصطف بالفعل في المواجهة ضد إسرائيل بمرافقة مصر وسوريا التي كانت قد أنهت للتو حدثين مؤثرين الأول هو الانفصال عن مصر، والثاني هو نجاح انقلاب قيادات من حزب البعث وصلوا إلى مفاصل السلطة الفعلية، وكان الرئيس السوري أمين الحافظ موجودا في القمة المصرية التي حضرها شارل حلو.

ظهر الانخراط "الإجباري" اللبناني بالمواجهة مع إسرائيل، بعد هزيمة حزيران 1967، وشارك شارل حلو في مؤتمر القمة في الخرطوم

لم تمر هذه الأحداث بيسر، وكانت انتخابات المجلس النيابي اختبارا للشهابية الجديدة التي يمثلها شارل حلو، فقد نجح مرشح الشهابيين صبري حماده في رئاسة مجلس النواب، مقابل كامل الأسعد مرشح المعارضين، ولكن الفرق لم يكن شاسعا، فبالكاد جمع حماده اثنين وخمسين مقعدا مقابل ثمانية وأربعين صوتوا لكامل الأسعد. فازت الشهابية ولكنها لم تعد تتبوأ مقعدا مريحا، وكانت هذه النتيجة مدخلا لمعارضة شديدة، توَّجها انحياز كمال جنبلاط نفسه إلى المعارضة مع ميل شديد نحو اليسار، تماشيا مع الموجة العالمية اليسارية، وزيارة خروتشوف إلى مصر، وتصالح عبد الناصر مع الشيوعيين بعد تلك الزيارة، فكان على شارل حلو والشهابية كلها أن تكون حذرة من رجل دأب على المعارضة وكان جديا في معارضته وماضيا فيها إلى النهاية.

ظهر الانخراط "الإجباري" اللبناني بالمواجهة مع إسرائيل، بعد هزيمة حزيران 1967، وشارك شارل حلو في مؤتمر القمة في الخرطوم، وشهد بنفسه بروز "اللاءات الثلاث"، وكان متضامنا مع الجهد العربي، ولم يكن قادرا على فعل شيء، وهو يشاهد المزيد من المقاتلين الفلسطينيين يتوافدون إلى لبنان، وشحنات أسلحة قادمة من سوريا منذ شتاء العام 1968، وأحصي عدد يفوق 250 مقاتلا فلسطينيا في قواعد بمنطقة العرقوب اللبنانية، كانت مستعدة للانطلاق في عمليات عسكرية. لم يخفِ بعض المسيحيين امتعاضهم من مظاهر السلاح العلنية للفلسطينيين، ولكن التأييد لهذا السلاح كان مطلقا من الجهات الإسلامية واليسارية، وببلوغ تلك النقطة أصبحت الشهابية في خطر، بعد أن تغيرت قواعد اللعب كلها وانتقل لبنان إلى طور جديد، وكان الاختبار هذه المرة انتخابات المجلس النيابي عام 1968، حيث شكل الثلاثي المسيحي كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده ما سموه التحالف الثلاثي في مواجهة الشهابية المتهمة بتعريب لبنان زيادة عن اللزوم، وكانت نتيجة الانتخابات انقلابية، فقد أسفرت عن فوز الحلف الثلاثي فوزا كاسحا.