المجد لله في الأعالِي وعلى الأَرض المقاومةُ وبالناس "كورونا"

2020.08.16 | 00:04 دمشق

602x338_cmsv2_1b2b3abc-85af-5023-bd2f-12bd68290dc1-4881150.jpg
+A
حجم الخط
-A

عدة أشهر وينتهي عقدٌ كامل على انطلاقة الثورة السورية، عقدٌ كامل والمهزلة التي سميت اعتباطا بالنظام السوري تواصل فصولها الدامية في سوريا، عقدٌ كامل دمرت فيه سوريا، واستبيحت، واحتلتها جيوش بالجملة، وهُجِّر نصف شعبها، وقتل ما يقارب المليون من أبنائها، ولايزال هذا المسمى رئيساً لها يواصل فصامه وفصاحته الغبية.

منذ خطابه الأول بعد انفجار الثورة، لايزال بشار الأسد يجترَّ ببلاهة غريبة مفرداته التي تدعو للسخرية، وها هو قبل أيام يقف في مهزلته إياها، معيداً سفسطته إيّاها، وكأنَّ شيئاً لم يتغير.

فلسطين تبقى قضيته المركزية، والجولان هاجسه، رغم أن مساحات تبلغ أضعاف مساحة الجولان في إدلب والجزيرة السورية وريف حلب الشمالي قد احتلت، ولا ينسى أن يعِد السوريين بمحاربة الفساد الذي صنعه ورعاه هو ووالده من قبله، ويصرُّ على تكراره الغبي لمقولة العدو الإسرائيلي والمؤامرة الكونية.. الخ، لكأن الشعب السوري بلا ذاكرة، ولكأن ما حل بسوريا حدثاً عابراً، ولكأن المنطقة التي تعصف بها متغيرات لم تكن تخطر على بال أحد - والتي ستغير خارطة المنطقة كلها - لاتزال على حالها، أي كارثة نحنُ فيها؟!

  1. المجد لله في الأعالي:

أخيراً سيتمكّن المسلمون خارج فلسطين المحتلة من زيارة القدس، ومن الصلاة في المسجد الأقصى، شريطة أن يكونوا قادمين من مطار "أبو ظبي"، شكراً لولي عهد الإمارات، فقد وقع اتفاقاً تاريخياً مع "نتنياهو" رئيس وزراء "إسرائيل"، واعداً بتطبيع سريع، ربما يكون مقدمة لاعترافات عديدة لاحقة من دول عربية أخرى، حسبما أعلن الرئيس الأميركي عرّاب هذا الاتفاق، ومعترفاً بسلطة "إسرائيل" على القدس، أليست وعد الله لشعبه المختار، وأيضاً ألم يفعل قادة الإمارات ذلك فقط من أجل المسلمين والصلاة في المسجد الأقصى وليس لأمر آخر؟

لا تهم تفاصيل الاتفاق كثيراً، فكل الاتفاقات المخزية التي يوقعها القادة العرب يُعلن منها ما يجعل منهم منتصرين، ويخفى منها ما يكشف مدى تبعيتهم وارتهانهم لغير شعوبهم، لكن حتى المعلن من هذا الاتفاق والذي يتفاخر الإماراتيون فيه، وهو إيقاف ضم الأراضي الفلسطينية، فتأتي التصريحات "الإسرائيلية" لتنسفه، حين تعلن عن تعليق وليس إيقاف عمليات ضم لمناطق يخطط لضمها، وليست للمناطق التي ضُمت، رغم أنها تتعارض مع اتفاق الفلسطينيين و"الإسرائيليين".

 

  1. وَعَلَى الأَرْضِ المقاومةُ.

كيف سيُعرب النظام اتفاق الإمارات مع إسرائيل، فالإمارات حليفه الرئيسي، وإسرائيل هي التي تتآمر على النظام الذي يقود حلف المقاومة والممانعة، وهي التي حركت منذ عشر سنوات من يتبعون لها في الداخل السوري (صهاينة الداخل) كما سمّاهم بطل الصمود والتصدي "بشار الأسد"، ليضربوا قلب العروبة النابض من داخله، وهي التي كلما اقترب الجيش "الباسل" من تحقيق انتصار على الأرض، سارعت "إسرائيل" لقصف مواقع سورية، كي تخفف عنهم الضغط، ولهذا فقد جعل من المعركة ضدهم أولوية على كل المعارك الأخرى، حتى لو جاءت جيوش الأرض كلّها لاحتلال سوريا... الخ. فكيف يمكن فهم معادلة أن "إسرائيل" هذه وقعت اتفاقاً للسلام الدائم مع حليف بشار الأسد الأهم في الخليج العربي، من يحل هذا اللغز؟

كيف سيُعرب هذا النظام تصريح "ترامب" بأنه لو أعيد انتخابه لمرة ثانية فسوف يوقع اتفاقا مع إيران خلال ثلاثين يوماً، وإيران هي التي تمسك بهذا النظام من أسفله إلى أعلاه؟!!

من بقي من حلف المقاومة هذا لم تدعمه "إسرائيل" وحلفاء "إسرائيل"؟

ومن من هذا الحلف لم تسانده إسرائيل سراً وعلناً؟

  1. وَبِالنَّاسِ "كورونا".

بعد محاولات مستميتة استطاعت عائلة مواطن سوري أن تدخل مريضها المصاب بـ "كورونا" إلى مشفى المواساة بدمشق، بسبب حاجته الماسة جداً لجهاز تنفس اصطناعي، ولم تكن هذه النعمة لتتم، لولا تدخل وزير لدى إدارة المشفى.

في المشفى تفاجأت العائلة أن هناك سبعة أجهزة تنفس فقط مشغولة من أصل ثلاثين، وأن الأجهزة الثلاثة والعشرين الأخرى محجوزة تحسباً، فقد يحتاجها شخص مهم، ولأن الأشخاص المهمين كُثر في سوريا، فقد عمل مدير المشفى على عدم إشغال أي جهاز بحالات إسعافية لمواطنين عاديين غير مدعومين، فهؤلاء لن يهتم أحد لموتهم، ولن يحاسبه أحد إن ماتوا.

في مشفى خاص في مدينة اللاذقية، قام أحد الأشخاص الذين أبلوا بلاءً رائعاً في (تعفيش) بيوت السوريين المهجرين منها عنوة، بحجز جناح تحسباً فيما لو أصيب هو أو أحد يخصه بفيروس كورونا، لا يحق لإدارة المشفى أن تشغل هذا الجناح أبداً، والجناح الذي تدفع أجرته يومياً يظل مغلقاً، فقد يحتاجه المستأجر فجأة.

تتوالى الأخبار الفاجعة من دمشق ومن حلب، ومن كل المدن والمناطق السورية عن تفشي خطير لفايروس كورونا، ويستغيث السوريون بلا أي أمل، فالموت الذي عرفوه بكل أنواعه في سنواتهم السابقة يهاجمهم اليوم من خلال الهواء الذي يتنفسونه، وفي الوقت الذي لا تجد فيه النسبة الساحقة منهم ما يمكّنها من تجنبه، وفي الوقت الذي ينصحون به بعضهم أن يظلوا في بيوتهم عند إصابتهم، وألا يتوجهوا إلى المشافي، ويفسرون نصيحتهم بأن من يذهب إلى المشافي سيموت حتماً، بينما من يبقى في بيته فقد تكتب له النجاة.

بعد كل ما حدث ويحدث، لا ينسى الرئيس القادم لمخاطبة قطيع "النواب" مصطحباً ضغطه الهابط، ونظرياته الجديدة عن ضرورة عودة السوريين للزراعة المنزلية، وتربية النحل والدجاج، وليحدثنا عن ثقوب الأخلاق، ومعنى الصمود، وليبشرنا بسنوات أخرى أيضاً من الصمود خلف قيادته الحكيمة!.

حسناً، لقد صفق قطيع المهزلة له، وأنشدوا له شعراً، وفرحوا به بعد أن ارتفع ضغطه الهابط....

أيتها البلاد الذاهبة إلى نهاية خرابها...

أيتها الشعوب المنهوبة العاجزة....

أيتها الآلهة... أيتها السماوات أما لهذه المهزلة من نهاية؟!