عندما قرر هادي كرم، وهو سوري عذب الكلام، أن يغادر مدينة الرقة بعدما عصفت بها رياح الحرب، كان يدرك بأن الرحلة إلى أوروبا محفوفة بالمخاطر، إلا أن الأمر الذي لم يخطر له على بال هو أن التقانة يمكن أن تتحول إلى حجر عثرة في طريقة بمجرد وصوله إلى هناك.
وعن ذلك يقول هادي: "لم يخطر ببالي أن يتحول سكايبي إلى مشكلة، إذ إنك تتصل وتسمع الرنين مرات ومرات ثم تمضي أسابيع دون أن يصلك أي رد"، وذلك ضمن مجمل حديث هذا الشاب حول معاناة أسرته في محاولاتها للتواصل مع الموظفين المسؤولين عن طلبات اللجوء في تلك البلاد.
أمضى هادي شهرين هو وزوجته الحامل وابنه وهم يحاولون عبور الحدود السورية البرية المشتركة مع تركيا، وقد تحقق لهم ذلك بعد تسع محاولات، أما السفر من تركيا إلى جزيرة رودوس ومن ثم إلى ميناء بيرايوس فقد استغرق أقل من أسبوع.
إلا أن التعامل مع البيروقراطية اليونانية الشبيهة بالمتاهة لإخطار السلطات برغبة تلك الأسرة بتقديم طلب لجوء استغرق فترة طويلة خلال هذا العام، وعن ذلك يقول هادي: "عندما وصلت أخيراً قالوا لي بأنه بوسعي أن أتوجه لحضور مقابلتي في آذار من عام 2020، وإلى أن يحين ذلك الموعد سنبقى هناك بلا شيء نفعله سوى الانتظار في المخيم".
ومع ذلك تعتبر هذه الأسرة محظوظة، إذ خلال الأسبوع الماضي، وفي الوقت الذي ما فتئت فيه أثينا تكرر اللازمة التي تصف سياسات الهجرة لديها بأنها "صارمة لكنها منصفة"؛ أعلنت الحكومة اليونانية التي يسيطر عليها يمين الوسط بأن إجراء تقديم اللجوء بالنسبة للمتقدمين للمرة الأولى لا يمكن أن تتم إلا عبر مراكز الاستقبال التي تديرها الدولة، كما نوهت إلى أن استخدام تطبيقات التواصل سيخضع لقيود صارمة بالنسبة لهؤلاء الذين تم رفض طلب لجوئهم ويرغبون بالاستئناف.
وحول ذلك علق ماريوس كالياس، أرفع مسؤول لشؤون اللجوء في اليونان قائلا: "ثمة أشخاص تهربوا لسنوات من الكشف عن أنفسهم وذلك لأنهم لم يصرحوا للسلطات عن وجودهم في البلاد، لذا، ولأغراض تتصل بالسيطرة على الوضع، ورسم صورة كاملة لمن يوجودون هنا لأسباب تتعلق بالأمن القومي وحفظ النظام العام، علينا أن نتعقب هؤلاء. أما كم ستستغرق عملية التسجيل أو أين تقع الأماكن المخصصة لهذا الغرض فلم نبت بالأمر بعد، وذلك لأننا مازلنا نتناقش حول مواقع تلك الأماكن، إلا أن ما أعرفه عن هذا الموضوع هو أنه سيقام مركزان لهذا الغرض، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب".
بالرغم من أن اليونان قد شهدت انخفاضاً حاداً في عدد الواصلين إليها منذ عام 2015، وذلك عندما كانت تحتل قلب أزمة اللجوء حينها، بعدما عبر أكثر من 800 ألف شخص بحر إيجة، مايزال قربها من تركيا يجعل منها ممراً معروفاً بالنسبة للقادمين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ممن فروا من لظى الحرب ومن الفقر والاضطهاد في بلادهم.
ولهذا احتفى وزير الهجرة اليوناني، نوتيس ميتاراتشي بالانخفاض الحاصل في أعداد المهاجرين يوم الإثنين الماضي وذكر بأن عدد الواصلين الجدد هبط بنسبة 90 في المئة عما كان عليه في عام 2019، حيث علق على ذلك بقوله: "وضعنا نصب أعيننا هدفاً يتمثل بتغيير ما كان يحدث عند نقاط الدخول، فمن المناطق المفتوحة مثل موريا، والتي تعتبر وصمة عار على جبين البلاد، بوسعنا أن نتحدث اليوم عن مبان مغلقة تخضع للرقابة تتوفر فيها شروط العيش الكريم" وذلك في إشارة للمخيم التعيس سيء الصيت المقام في العراء على جزيرة ليسبوس والذي التهمته النيران في العام الماضي.
وعلى خلفية هذا النظام، ومع تشديد أوروبا لموقفها إزاء اللاجئين، أعرب العاملون في مجال الإغاثة عن قلقهم تجاه التغير المفاجئ في تلك السياسة والذي يهدف "للسيطرة بشكل أكبر على طالبي اللجوء واحتوائهم" بدلاً من تسهيل أمور حياتهم.
تصف كورين لينيكار وهي مديرة قسم المناصرة لدى منظمة Mobile Info Team الخيرية ومقرها في اليونان والتي بقيت تساعد الناس على تقديم طلبات لجوء لفترة طويلة من الزمن، تلك الإجراءات بأنها فوضوية وغير واضحة، وتقول: "إن التأخر في إدخال الطلب ضمن منظومة تقديم طلب اللجوء لم يأت نتيجة لمحاولة الناس التهرب من السلطات بل بسبب عواقب هذا النظام الذي يفتقر إلى الكفاءة والفاعلية. ومع تغيير هذه السياسة سنشهد المزيد من حالات التأخر في التقديم".
إذ بموجب إجراءات تشبه عملية اليانصيب والتي فرضت قبل ثماني سنوات، فإن من يصل عبر البر الرئيسي أو عبر كريت أو رودوس، فعليه أن يستخدم سكايبي لإبلاغ قسم خدمات اللجوء في اليونان عن رغبته بتقديم طلب للحصول على الحماية الدولية. أما منظومة ما قبل التسجيل، والتي لا تطبق في ليسبوس وغيرها من الجزر المنتشرة في بحر إيجة، فقد كانت تمثل خطوة أولى ضرورية قبل أن يحصل طالب اللجوء على موعد لتسجيل طلبه شخصياً.
ولكن بحسب ما تبين لهادي والآلاف غيره فإن هذه المنظومة التي لديها 210 منافذ وتقدم خدماتها بسبع عشرة لغة على مدار الأسبوع، أصبحت تمثل عائقاً هائلاً أمام تقديم طلب اللجوء.
فقد كشف تقرير صدر مؤخراً عن منظمة Mobile Info Team بأنه وسطياً لا يصل الأشخاص إلى الموظف المسؤول عن معالجة طلب اللجوء عبر ذلك التطبيق حتى بعد مرور سنة وشهرين على وصولهم، ومن دون عملية التسجيل، يعتبر طالب اللجوء غير موجود، وبذلك لا يستطيع أن يحصل على أي رعاية صحية أو حماية قانونية، ولهذا يحاول كثيرون أن يكملوا الطريق بعد الإحباط الذي تعرضوا له، حيث يواصلون الرحلة إلى وسط أوروبا عبر دول البلقان.
وتعلق كورين على ذلك بقولها: "إن الإجراء الذي يتضمن التواصل عبر سكايبي يفتقر إلى الإنسانية، لكونه يجبر الناس على البقاء بلا وثائق كما يحرمهم من كل شيء لمدة قد تستمر لأشهر أو لسنوات في كثير من الأحيان".
وإلى أن يتم افتتاح المركزين الجديدين المخصصين لاستقبال المهاجرين، سيحرم المهاجرون الذين لم يتمكنوا من التواصل مع الموظفين المسؤولين عن تقديم طلبات اللجوء عبر سكايبي من دخول تلك المنظومة، إذ تقول كورين: "إن حرمان الجميع بشكل مؤقت من الوصول إلى إجراءات تقديم طلبات اللجوء، والحد من حرية الناس وإجبارهم على العيش في مبان شبيهة بالسجون لا يعتبر حلاً للمشكلة. ثم إن مراكز التسجيل الوحيدة المعروفة في اليونان أشبه بالسجون، وفي البر الرئيسي هناك مرافق مغلقة تماماً ما يعني أن الناس لا يستطيعون مغادرتها على الإطلاق".
هذا ولقد عبر مسؤولون لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن قلقهم قائلين إن تلك: "المسائل الأساسية" بحاجة إلى حل، ويشمل ذلك طريقة نقل الناس إلى المقار المخصصة لهم.
حيث قالت ستيلا نانو المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في أثينا ما يلي: "إن ضمان الوصول الفوري والفعال إلى إجراءات منصفة وفعالة لتقديم طلب لجوء يعتبر أساس الحماية الكافية المقدمة لمن يحتاجها من الناس".
كما حذرت المفوضية من احتمال توجه نصف مليون لاجئ أفغاني نحو الغرب بعد سقوط كابول واستيلاء طالبان عليها. وخلال الشهر الماضي، كرر صندوق النقد الدولي تلك التوقعات، مستشهداً بانهيار اقتصاد تلك البلاد التي تعتمد على المساعدات.
تعتبر اليونان البوابة الرئيسية للوصول إلى أوروبا، ومع زيادة دورياتها البحرية، وسط اتهامات وجهت لها بصد طالبي اللجوء وإغلاق الباب دونهم، يعتقد أن أغلب المهاجرين سيحاولون الوصول إلى اليونان عبر حدودها البرية مع تركيا في منطقة إيفروس الشمالية.
وخلال هذا العام، وللمرة الأولى منذ عام 2012، أي عندما قامت اليونان بتشييد جدار على قسم من حدودها، تجاوز عدد طالبي اللجوء الذين عبروا ذلك الطريق أعداد من وصلوا إلى اليونان بقوارب عن طريق البحر، مما حول البر الرئيسي لليونان إلى نقطة دخول رئيسية. إذ بحلول 21 من تشرين الثاني، قام 3556 قادماً جديداً بتسجيل طلبه عند نقاط بحر إيجة، مقارنة بعدد من وصلوا عبر منطقة إيفروس والذين لم يتجاوز عددهم 4311 مهاجراً بحسب ما أوردته مفوضية اللاجئين من أرقام.
هذا ولقد أكد مدير قسم خدمات اللجوء على أنه ليس من السهل على طالبي اللجوء تقديم طلبهم عبر سكايبي، حيث قال: "عليهم أن يلحوا"، بيد أنه أنكر ما ورد في التقارير التي تشير إلى أن التغيير الحاصل في تلك السياسة شمل نقل رجال ونساء وأطفال من البر الرئيسي إلى الجزر اليونانية القريبة من تركيا، حيث تم افتتاح مركزي استقبال محصنين للغاية بتمويل أوروبي بنهاية الأسبوع الماضي، ولهذا نددت منظمات حقوقية بهذين المخيمين المقامين في جزر بحر إيجة، ووصفتهما بأنهما أقرب للسجن منهما للمخيم.
إلا أن مدير قسم خدمات اللجوء أكد على أن "أحداً لن يحتجز كسجين بأي حال من الأحوال" وشدد على أنه في حال خضع طالبو اللجوء لإجراءات الاستقبال والتعرف على الهوية بدلاً من أن يختاروا لأنفسهم أن يبقوا كأشباح في البلاد على حد تعبيره، عندها يمكنهم الحصول على معونات اجتماعية، حيث قال: "بمجرد أن تؤخذ بصمات أصابعهم ويجري التحقق من هوياتهم من قبل موظفي منظمة فرونتكس، والشرطة اليونانية، عندها يصبح بمقدورهم المغادرة. ولا أتوقع أن تحتاج هذه العملية لوقت طويل، ولكني لا أستطيع أن أحدد كم من الوقت ستحتاج تلك العملية".
المصدر: الغارديان