العنصريون في حضن الأسد.. الحرية لهم والمعتقل لنا

2023.07.14 | 05:44 دمشق

العنصريون في حضن الأسد.. الحرية لهم والمعتقل لنا
+A
حجم الخط
-A

ما إن انتهت الانتخابات التركية حتّى عادت المعارضة التركية التي تحمل توجهات يمينية متطرفة لإثارة الحواضن الشعبية التركية ضد اللاجئين السوريين، وذلك استعداداً للاستحقاقات القادمة وتحصيل مكاسب على صعيد بقاء تلك الأحزاب حاضرة في الحياة السياسية الحزبية على اعتبار أن تلك الملفات حاملة لاستدامة حضور الأحزاب الصغيرة في المعادلة التركية الداخلية، فلم تنخفض العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا بعد الانتخابات التي حسمت لصالح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ بل استمرت المعارضة بتأجيج الملفات الجدلية في الحياة الاجتماعية الداخلية عبر مساعيهم للذهاب نحو دمشق للترويج لعودة اللاجئين السوريين.

الحزب الديمقراطي.. ديمقراطية الاستقطاب اليميني

ما لبث الحزب الديمقراطي في تركيا أنّ دخل للبرلمان التركي متمثلاً برئيسه "غول تكين أويصال" حتّى عادت نائبة رئيس الحزب الديمقراطي التركي DP "إيلاي أكسوي" للساحة الحزبية الداخلية من بوابة ملف اللاجئين السوريين، فتبادلت الأدوار بينها وبين الشخصيات البارزة في اليمين المتطرف التركي، مع أنّ الحزب الذي تنتمي له يحمل توجهات مخالفة من الناحية التقنية من الممارسة، فلدى العودة قليلاً إلى أدبيات الحزب، يعتبر نفسه امتداداً للحزب الديمقراطي في خمسينيات القرن الماضي الذي قاده "عدنان مندريس" مع تبني الحزب خطاً فكرياً أكثر انفتاحاً من ناحية السوسيولوجيا والاقتصاد ومفاهيم الدولة.

إذ يتناول في المبادئ العامة الخاصة المنشورة في صفحة الحزب الرسمية قيمتين مرتبطتين ومتناقضتين مع ممارسات عضوته تجاه ملف اللاجئين السوريين إذ يركّز في الأولى على الديمقراطية المركزية Demokratik Merkezi التي يعتقد أن محورها يجب أن يكون الإنسان بصرف النظر عن دينه وعرقه عنصراً أساسياً أثناء النضال السياسي. أمّا القيمة الثانية "عدم التمييز Ayrımcılığın Önlenmesi إذ يرفض الحزب التمييز بين الناس على أساس القومية كما يشدد على المساواة في الدرجات ويعبّر عن الأمر باستخدام جملة Birinci Sınıf Olduğu İşleyen Bir Düzeni Kuracağızs Herkesin أي سنبني نظاماً للجميع متساوين كدرجة أولى فيه دون تمييز.

في الواقع، بمجرد استقطاب الحزب الديمقراطي شخصية مثل إيلاي أكسوي التي تحمل سجلاً من الانتهاكات الكبيرة بملف اللاجئين السوريين والعنصرية كافياً لإعادة النظر بمدى تماهي مبادئ الحزب مع سلوكه، ناهيك عن تقلبات كبيرة في قواعده العامة، وربما هذه الحالة بالعموم غير غريبة عن الحالة الحزبية التركية التي تشهد تناقضات كبيرة، ولعلّ ممارسات مرشح الحزب الجمهوري كمال كيليتشدار في الجولة الثانية من الانتخابات تجسيداً يعكس تلك الظاهرة وذلك ربما لمبررات تفرضها حالة التنافس والاستحقاقات الداخلية وهوية المواطنة بالعموم التي ما زال ينقسم مريدها لفئتين بمن يريد الطلاق الكامل مع حقبة الدولة العثمانية وأخرى متصالحة مع تلك الفترة وتعتبرها جزءًا من الهوية، وقد يكون من الصعب إخراج أو إبعاد الملف السوري عن تلك التجاذبات لا سيما عند المقارنة مع وضع اللاجئين الآخرين.

الخبز مقابل الحرية.. مبادئ ديمقراطية مشوّهة:

تطور الحزب الديمقراطي بزعامة أكسوي التي تتولى ملف إدارة الكراهية ضد اللاجئين السوريين والتلفيق ضدهم، إلى مراحل متقدمة مستهلةً عدم تقييد تلك الممارسات، من خلال التوجه إلى العاصمة السورية دمشق بهدف نقل حياة السوريين إلى الشعب التركي بعيداً عن "الإعلام المغرض" وذلك بخطوة متقدمة في الكراهية ضد اللاجئين ومنافسةً بها أعتى الأحزاب اليمينية المتطرفة في تركيا "حزب النصر" والحقيقة أصبح من الصعب التمييز بين ما هو ديمقراطي ويمين متطرف في حالة الأحزاب المماثلة تلك.

أكسوي ظهرت بفيديوهات تحيزية فيها دونية وتحقير للشعب السوري حيث ربطت عودتهم بسعر ربطة الخبز من دمشق وكأنّ الشعب السوري خرج في ثورته ضد الاستبداد لأنّه جائع الخبز، كما لم تفوت فرصة المقارنة بين سعر الخبز في سوريا وتركيا لأجل انتقاد الحزب الحاكم في تركيا، أي أنّها لم تكتفِ بمهاجمة السوريين وإنما هاجمت الحزب الحاكم في تركيا مقارنةً بين نظام في سجله انتهاكات جسيمة بخصوص ملف حقوق الإنسان وحزب تركي أتى من خلال انتخابات ديمقراطية عبر صندوق الاقتراع.

ومن المنتظر من "ديمقراطية" منتمية لحزب "ديمقراطي" أن تكون أكثر اتزاناً خلال تناولها قضايا الشعوب الأخرى ومن المفترض أن تكون مبادئ حقوق الإنسان التي تدور حول الفرد والإنسان هي السمة الأساسية التي تدفع للنضال بين الديمقراطيين في العالم، وفي هذه الحالة من المربك فهم تقديس "حوافز" مثل ربطة الخبز لتبرير عودة السوريين لسوريا أي المقايضة بين الخبز والحرية ناهيك عن تأييد ديمقراطي ما لذاك التنازل وحث الناس عليه، كما في حالة أكسوي.

نجحت أكسوي في إثارة جدل كبير في الشارع التركي وأسهمت في تجييش شرائح المعارضة التركية أكثر ضد اللاجئين، ولعلّ الأكثر جدلاً وإشكاليةً تزامن دخولها وتنسيقها مع يوتيوبر تركي يدعى "فاتح كوباران" الذي يحظى بمتابعة عشرات الآلاف من الأتراك بجانب جان بولات التركي "المحترف" في نادي الوحدة السورية لكرة السلة والذي يملك علاقات جيدة مع "دنيز بستاني" ذي الأصول التركي والذي كان جزءًا من الفريق حيث سبق لبستاني أن ترشح على قوائم حزب الشعب الجمهوري إلى البرلمان التركي مع أنّه يقطن في سوريا ومتزوج من فتاة سورية تنحدر من مدينة الرقة كذلك لديه رصيد كبير من العلاقات مع المخابرات التابعة لنظام الأسد وظهر في عدة مناسبات على شاشة الفضائية السورية التابعة للنظام كمحلل تركي.

يعكس التطور آنف الذكر مدى خطورة الأدوات التي باتت تستخدمها المعارضة التركية من اليمين المتطرف ضد اللاجئين السوريين بالتزامن مع ارتفاع موجات العنصرية والتضيق على اللاجئين السوريين، كذلك إطلاق برامج خاصة بعودة السوريين إلى سوريا ضمن سياسية الترويج "لانتهاء الحرب" إنّ عودة تموضع اليمين المتطرف التركي بهذا الشكل وتبنيه سياسات متشددة غير مسبوقة بهذا الشكل، ومخالفة للدولة التركية خاصةً فيما يتعلق بضمان عودة آمنة وطوعية يترك تخوفات كبيرة حول مستقبل اللاجئين في ظل تفشي تلك الظاهرة التي تزيد من حدّة الاحتقان وترفع من نسب خطاب الكراهية، مع أنّ سوريا ما زالت تعتبر دولة غير آمنة لعودة اللاجئين بحسب منظمات إنسانية دولية وعدة دول آخرها الخارجية الألمانية.

خاتمة: تُصرّ أحزاب المعارضة على استخدام المفاهيم الديمقراطية خلال "منافستهم" السياسية بزعم تعزيز الحريات الداخلية "نظرياً" لكن "واقعياً" يحملون توجهات يمينية متطرفة خاصة في مواجهة ملف اللجوء على النقيض من الأحزاب الليبرالية أو الديمقراطية في أوروبا والتي تستوعب ملف اللاجئين ضمن القضايا الداخلية وتقوم باستقطاب شخصيات لاجئة لأجل الدفاع عن إحدى ملفات حقوق الإنسان، بينما تتمظهر قضايا الحريات لدى الأحزاب اليمينية في تركيا من خلال التشظي والانفصام عن القيم التي يدعون حملها بتأييدهم لديكتاتور مثل بشار الأسد، ويمكن عزو ذلك برغبتهم لاستقطاب الشارع التركي وتأجيجه ضد الحزب الحاكم أكثر من كونه إيماناً بالمبادئ الديمقراطية. "فإن لم تكن الديمقراطية لعبةً حصيلتها صفر، وليست أسيرة المعضلات المفاهيمية النظرية، فهي ديمقراطية هشة" بحسب المؤلف الفرنسي إيف سينتومير.