الضباع.. "مصائب قوم عند قوم فوائد"

2019.09.09 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يُقال: "مصائب قومٍ عندَ قوم فوائد"، وفِي الإنكليزية يقولون: "what’s good food for a Russian, is poison for a German ( ما هو غذاء شهي لروسي، سُمٌ زعاف لألماني)". وفِي الحالة السورية، ما هو كارثي لسوريا وعلى أهلها، انفراج وحل أزمات لكثير من الدول والقوى في المنطقة وخارجها.

لا تتميّز دول عربية أخرى زارها ما اصطُلِح على تسميته بالربيع العربي عن سوريا، بأن السلطات التي كانت قائمة في تلك الدول، لم تهدد بحرق البلد إن لم تبقَ في السلطة كما سلطة الأسد، بل إن قوىً خارجية رأت أن الخراب في تلك البلدان لن يحل لها الكثير من مشكلاتها، وربما لها مصلحة بعدم خرابها، فوجدت طرقاً لإعادة تكرير سلطاتها. من جانب آخر لم تكن تلك الدول هاجساً مقلقاً استراتيجياً، أو في القرب الجغرافي لأحد القوى الإقليمية -تحديداً إسرائيل- كما سوريا، حيث لإسرائيل مصلحة تاريخية في خرابها؛ إن حدث مكروه لسلطتها التي أراحت إسرائيل لعقود.

لقد فاق الجنى الإسرائيلي من البلاء السوري حدود التصوّر. إجرام نظام الاستبداد في سوريا جعل جرائم إسرائيل وعنصريتها، إذا ما قورنت مع ما ارتكبه النظام بحق السوريين لا بحق شعب آخر- كما حال إسرائيل- أمراً شبه عادي.

عاشت إسرائيل مثلاً على سردية "مقاومة الاٍرهاب"، فكرّست لها كذبة نظام الأسد أس وجذر عيشها وسياستها الخادعة تلك. لقد أوصلها نظام الأسد إلى دولة يتحدد فيها مصير سوريا، حيث يجتمع الروس والأمريكان عندها لـ "معالجة أو حل" القضية السورية. لم تحل اتفاقيات السلام مع مصر أو الأردن أو حكومة أبي مازن لإسرائيل عقدتها؛ بحيث تصبح مقبولة في محيطها على صعيد غير رسمي؛ ولكن بما حدث لسوريا، لم تشهد إسرائيل بتاريخها حالة من الراحة المطلوبة كما تعيش الآن. الأهم، أنه مرَّ نصف قرن على احتلال إسرائيل للجولان السوري، ولَم تتمكن من بسط سيادتها على ذلك الجزء من سوريا؛ ولكنها بفضل الكارثة التي أنزلها نظام الاستبداد بسوريا، نفذت ما طمحت إليه.

عاشت إسرائيل مثلاً على سردية "مقاومة الاٍرهاب"، فكرّست لها كذبة نظام الأسد أس وجذر عيشها وسياستها الخادعة تلك. لقد أوصلها نظام الأسد إلى دولة يتحدد فيها مصير سوريا، حيث يجتمع الروس والأمريكان عندها لـ "معالجة أو حل" القضية السورية

ثاني الكاسبين والمتلذذين بالعسل على حساب الدم السوري وتسممه كانت إيران الملالي صاحبة المشروع الذي لا يقل خبثاً ودماراً على المنطقة من المشروع الصهيوني. رغم تعثر مشروعها النووي، إلا أن أحداً لن يستطيع نكران وجودها شبه المؤكد في النادي النووي العالمي؛ وكثير من الفضل بذلك يعود إلى مسكها ورقة سوريا كطرف فاعل في مصير سوريا. لنتصور فقط أن دستور سوريا يُناقَش في إيران. طبعاً الفضل بذلك يعود لمن باعها سوريا مقابل حماية كرسيّه.

ليس هناك أكثر تلذذاً بالمرار والسم السوري وتحويله إلى عسلٍ تحت أشداقه من الدب الروسي الذي جعل من سلطة روسيا، وأعادها إلى القوة العالمية رقم 2. أخذت روسيا سوريا رهينة كي تصافق الغرب على القرم ومناطق توتر أخرى خلقتها عبر سياساتها المافياوية. لقد أغلقت روسيا على مصير سوريا باب مجلس الأمن؛ وجرّبت على أجساد أطفالها أكثر من مئتي صنف جديد من الأسلحة عندما حوّلتها إلى معرض للأسلحة وتسويقها حسب درجة الفتك بأرواحهم. عبر امتلاك الورقة السورية أضحى بوتين المصافق والمبتز الأساس للمنطقة ودولها. كانت الذروة بالتنسيق مع محتل الأرض السورية حول المصير السوري. وكل ذلك بفضل "الدعوة الكريمة" التي قدمتها "الدولة الشرعية السورية صاحبة السيادة".

أحد العناصر الفاعلة في القضية السورية، تركيا؛ ولكن جناها من العسل السوري يوازي أو يقل عن محصولها من المرار والاهتزاز. يشفع لها على الأقل أنها تحتضن الملايين من السوريين، ولا ترى فيهم إرهابيين؛ وتستشعر قضية مظلوميتهم ومصيبتهم. 

أكبر الأثافي على القضية السورية كانت الإدارة الأمريكية التي كانت تدير الجميع؛ فيحضر طيفها في كل قرار أو خطوة بخصوص سوريا. لقد كانت تحرك الجميع ابتداءً بسياسة السياقة من الخلف، وصولاً إلى تخليص النظام من ترسانته الكيماوية، ومعاقبته الخلبية على إعادة استخدامه، مروراً بلمستها السامة تجاه "المعارضة" السورية التي لم تكن أقل من دمغة تشويهية لها. أمريكا التي تغذت تاريخياً على ضرورة وجود عدو خارجي راقها الحضور الروسي ثانية كخليفة للعدو السوفييتي، وراقها ربما أكثر "الاإرهاب" الداعشي؛ ولكنها لم تصل إلى اعتبار إرهاب الدولة الأسدي المنظم، عدواً. بفعل المأساة السورية سجّلت أمريكا نقاطاً على كل الأطراف المنخرطة بالقضية السورية.

أمريكا التي تغذت تاريخياً على ضرورة وجود عدو خارجي راقها الحضور الروسي ثانية كخليفة للعدو السوفييتي، وراقها ربما أكثر "الاإرهاب" الداعشي؛ ولكنها لم تصل إلى اعتبار إرهاب الدولة الأسدي المنظم، عدواً.

لو لم يتوفر نظام جشع أناني غير وطني، جاهز لسحق "رعاياه" والبلد، كي يحافظ على كرسيِّه؛ لما كانت سوريا لقمة سائغة لضباع يفتكون بها بهذه الطريقة.

على كل حال، دوام الحال من المحال. لا بد للصوص أن يختلفوا مع بعضهم البعض؛ وقد تتعارك الضباع على الفريسة؛ وحال قوى الطغيان تلك ليس بخير. أمراضها بلا حدود. ولكن ما يعيد الحق لأصحابه، وما يعيد سوريا إلى سكة الحياة، ليس الاستسلام لذلك التوحش وكأنه قدر أحمق الخطوات، بل بالتخطيط والعمل والعقل والتكاتف والإصرار على عودة سوريا إلى الحياة.