icon
التغطية الحية

السوريون في ماردين.. اندماج وتعايش في واحدة من أكثر مدن تركيا تنوعاً

2024.06.04 | 14:00 دمشق

55555555555555555572
السوريون في ولاية ماردين جنوب شرقي تركيا
ماردين - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

انتشر السوريون في معظم المدن والولايات التركية خلال أكثر من 12 عاماً من رحلة لجوئهم الطويلة في العالم هرباً من البطش والعنف والملاحقة الأمنية، فكانت محطة عشرات الآلاف منهم في مدينة ماردين الواقعة في جنوب شرقي تركيا، على مقربة من الحدود بين البلدين.

لا تعد اللغة العربية غريبة في شوارع ماردين، فهي لغة أصيلة من عدة لغات أخرى بينها التركية والكردية والآرامية (السريانية)، وهذا التنوع زاد من سهولة اندماج وتعايش السوريين مع أقاربهم وجيرانهم من المواطنين الأتراك في مركز المدينة أو عموم الولاية.

في شوارعها تجد تشابهاً مع شوارع حلب وأزقة القدس وأحياء الموصل القديمة، في مدينة ماردين تقف أمام تاريخ عمره أكثر من 4500 سنة قبل الميلاد، وهي مركز استثنائي للديانات القديمة مثل الوثنية والصابئية والديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، فهي مدينةُ تعدد الأديان واللغات والقوميات.

تعد ماردين متحفاً فريداً في الهواء الطلق استطاع أن يجمع بين العديد من المباني من عصور السوباري، والحري، والسومري، والأكادي، والميتاني، والحثي، والآشوري، والسكيثي، والبابلي، والفارسي، والمقدوني، والأبغاري، والروماني، والبيزنطي، والعربي، والسلجوقي، والأرتوكي، والعثماني.

5444444444444444443
ماردين القديمة

كم يبلغ عدد السوريين في ماردين؟

اعتباراً من عام 2012 بدأ السوريون بالقدوم إلى ماردين، وكان اندماجهم سهلاً لمعرفة معظم السكان للغة العربية إلى جانب معرفة معظمهم للكردية والتركية، وبذلك لم يجد السوريون أي معاناة من ناحية التقارب الثقافي والاجتماعي بين جانبي الحدود.

موقع تلفزيون سوريا، رصد جانباً من معيشة السوريين في ماردين وتشكيلهم للحالة الإيجابية من ناحية انخراطهم المباشر في سوق العمل ورفد الفعاليات الاقتصادية بالأيدي العاملة إلى جانب الإضافة المجتمعية والثقافية التي زادت من غنى التنوع الديموغرافي بالمدينة التاريخية التي تعرف أيضاً بأنها مدينة "التسامح".

ينتشر السوريون في عموم ولاية ماردين ولكنهم يتمركزون بشكل أساسي في مركز مدينة ماردين أرتقلو، وكزلتبة وميدات ونصيبين، إلى جانب المدن والقرى الأخرى.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في عموم ماردين، 59.539 لاجئا سوريا، بحسب جمعية اللاجئين التركية من أصل 888.874 نسمة في الولاية، وفق التعداد السكاني لعام 2023.

5222222222222227
سوق الخضار في ماردين القديمة

الاندماج السريع

لم يواجه السوريون في ماردين صعوبة في الاندماج الثقافي والاجتماعي مع جيرانهم من سكان المدينة، على العكس، كان التعايش سريعاً وسلساً أولاً مع الترحاب الكبير الذي استقبل به أهالي ماردين اللاجئين السوريين الذين جاؤوا إلى مدينتهم بحثاً عن الأمان، وثانياً سرعة السوريين في تأسيس أعمالهم الخاصة.

أحمد حجي حمزة أحد المواطنين الأتراك من أصول عربية في ماردين قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن اللاجئين السوريين هم أهلنا ولا نجد أي فرق بيينا وبينهم على العكس كانوا إضافة جميلة لتنوع المدينة".

وأضاف حجي حمزة أن ماردين هي مدينة التسامح في تركيا، واختلاف الأديان واللغات الموجودة فيها، كان دائماً عنواناً للتعايش وتلاقي الحضارات.

وأشار إلى أن الأطعمة السورية مثل الفلافل والحمص والفول والخبز السوري لم يكونوا من قبل في ماردين، والآن باتوا أكلات يومية لكثير من سكان ماردين.

واعتبر حجي حمزة أن ماردين لم تشهد أي موجات عنصرية شبيهة بالتي حصلت في مناطق أخرى من تركيا، على العكس تماماً كان سكان ماردين محبين دوماً للغة العربية باعتبارها لغتهم الأم، مع تقديرهم واعتزازهم بوطنهم ولغتهم التركية، ولذلك هم يعرفون السوريين ونشاطهم واجتهادهم في العمل.

من جانبه، قال مصطفى حفيظ محمد أحد أصحاب معامل القهوة في ماردين القديمة، إن ماردين واحدة من أبرز المدن التركية في التعايش المشترك واللطافة، جميع السياح الذين يأتون إلى مدينتنا يشعرون بالراحة والتفاعل الإيجابي.

وأضاف حفيظ محمد الذي تعود أصوله لمدينة حلب، أن قسماً من عائلته ما زالوا في مدينة حلب إلى اليوم، والقسم الآخر يعيش في ماردين من ترسيم الحدود بعد معاهدة أنقرة، والتي ضمت المدن التالية للسيادة التركية والتي شملت كلاً من: "أضنة وعثمانية ومرعش وعينتاب وكلس وأورفة وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر".

ولفت إلى أن كثيرا من الأقارب السوريين قد جاؤوا إلى تركيا بعد الحرب التي شنها النظام السوري، كما أن هناك العديد من حالات المصاهرة والزواج التي تمت خلال العقد الماضي، ومن قبل ذلك، خصوصاً بالنسبة للقرى والمدن على طرفي الحدود.

24444444444444445
صورة من أعلى ماردين تظهر منها الحدود التركية السورية

بم يعمل السوريون في ماردين؟

يعمل السوريون في كل المجالات أينما حلوا وارتحلوا، إلا أنهم لم يدخلوا في المنافسة على الصناعات التقليدية التركية التي تشتهر بها ماردين، مثل صناعة الصابون والحلويات المحلية السريانية والعربية، واللوز بسكر بأنواعه ونكهاته، وأنواع القهوة المتعددة وصناعة النحاسيات، بل كانوا مكملاً لنقص العمالة في قطاعات المطاعم والإنشاءات والزراعة وتربية المواشي.

ويوجد في ماردين قرابة 10 مطاعم سورية تقدم بعمومها الأكلات السورية التقليدية من فول وفلافل وحمص وفتات إلى جانب الشاورما والفروج المشوي والبروستد والوجبات الغربية.

وكل تلك الأكلات كانت جديدة على سكان ماردين، حيث نالت شهرة واسعة في المدينة وحققت حضوراً مهماً لدى السياح الأجانب الذين يأتون لماردين ويحبون تذوق الفلافل والشاورما السورية، فهي رخيصة الثمن وتقدم بطريقة جيدة.

ورغم قلة المطاعم مقارنة بعدد السوريين والسكان، إلا أن هذه المطاعم استطاعت أن تجذب السوريين والمواطنين الأتراك، حيث يؤكد أصحاب المطاعم لموقع تلفزيون سوريا، أن نسبة الزبائن 50% سوريين و50% مواطنين أتراك، إلى جانب السياح الأجانب والعرب الذين يزورون المدينة.

ويعمل السوريون بشكل أساسي في قطاع الإنشاءات والإعمار، خصوصاً مع ازدياد الطلب عليه بعد وقوع الزلزال المدمر في المدن القريبة في جنوبي تركيا وشمالي سوريا في شباط 2023.

وفي ماردين محل واحد لبيع الحلويات السورية ويشتهر ببيعه الشعيبيات والعوامة والمشبك، وعدد من محال الموبايلات وصيانتها، وكذلك محال بتصلح الأدوات المنزلية والكهربائيات.

كما أسس سوريون فرناً لإنتاج الخبز السوري في مدينة كزلتبة القريبة من مركز ماردين، والذي يعمل على توزيع الخبز على جميع المحال والمطاعم السورية في الولاية.

ورغم أن اليد العاملة تجتهد في العمل إلا أنها تعاني من بعض الصعوبات والتحديات مثل ساعات العمل الطويلة التي لا تقل عن 10 إلى 12 ساعة عمل في اليوم ويوم عطلة واحد بأحسن الأحوال، أما في قطاع المطاعم فعدد ساعات عمل مشابه وعطلة يوم واحد كل 15 يوماً.

وبخصوص الأجور فمعظم العاملين في ماردين يعيشون على اليومية والتي يبلغ متوسطها بين 400 إلى 600 ليرة تركية يومياً، وهي غير كافية في ظل الوضع الاقتصادي الحالي ونسب التضخم المرتفعة وتراجع القدرة الشرائية.

4555555555555
من محال السوريين في ماردين

ما التحديات التي تواجه السوريين في ماردين؟

ورغم الراحة النفسية والاجتماعية التي يعيش بها اللاجئون السوريون في ماردين مع التنوع الديمغرافي والديني الموجود بالمدينة منذ مئات السنين، إلا أن بعض القوانين الإجرائية والأوضاع الاقتصادية تضعهم أمام تحديات صعبة.

ويشتكي سوريون من حظر بعض المناطق على السكن فيها وعدم وجود منازل بديلة لاستئجارها، ما يضعهم أمام خيارات مستحيلة، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار إيجارات المنازل والبيوت في عموم ماردين وبالأخص في (يني ماردين) ماردين الجديدة.

وقالت اللاجئة السورية وفا، إن استئجار بيت في ماردين القديمة بات صعباً جداً، فأصحاب البيوت يطلبون منا مغادرتها لتجديدها وتحويلها إلى فنادق أو لتأجيرها بأسعار أعلى.

وأضافت وفا التي قدمت من مدينة حماة إلى ماردين قبل أكثر من 10 سنوات لموقع "تلفزيون سوريا"، أن المكاتب العقارية في ماردين القديمة تخبرنا بأنه لا يوجد بيوت للتأجير رغم أن هناك كثيرا من البيوت الفارغة، حتى إن بعض أصحاب البيوت يرفضون تأجيري لأنني امرأة وحيدة ومعي ابنتي فقط.

وأشارت وفا إلى أنها مرت بحالة طلاق وهي مسؤولة عن إعالة ابنتها، أما بقية أولادها فهم لاجئون في لبنان، وقد حاولت مراراً أن تستقدمهم إلى تركيا لكنها فشلت في ذلك.

وتعمل وفا في تنظيف البيوت بشكل يومي في عموم ماردين، رغم محاولاتها الكثيرة العمل في تنظيف الفنادق والمطاعم إلا أنها كانت تواجه رفضاً بسبب وجود طفلة معها.

وناشدت وفا عبر "موقع تلفزيون سوريا" المسؤولين أن يساعدوا اللاجئين السوريين في موضوع المناطق المحظورة عليهم في ماردين ليتمكنوا من إيجاد سكن مناسب لوضعهم المادي، مؤكدة أنها ستعود إلى سوريا عندما تصبح آمنة بشكل حقيقي، حتى يلتم شمل عائلتها من جديد.

ويبلغ متوسط الإيجارات في ماردين القديمة من 3 آلاف ليرة إلى 5 آلاف ليرة للبيوت القديمة، والتي لا يصلها الغاز للطبخ أو التدفئة، وهي بيوت حجرية قديمة تعود لعشرات السنين، أما في ماردين الجديدة فتوجد مشاريع إسكان كثيرة وجديدة ولكن متوسط الإيجارات فيها تبدأ من 7 آلاف ليرة وتصل إلى 15 ألف ليرة شهرياً.

144444444444
قلعة ماردين

لا توجد مواعيد مستشفيات

معاناة أخرى تواجه اللاجئين السوريين في ماردين، هي قلة الأطباء في المستشفيات الحكومية بالمدينة وبالتالي يحتاج الحصول على موعد لأشهر، وهي مشكلة عامة يعاني منها سكان الولاية ككل، حيث لا يجد كثيرون موعداً لحجزه بكثير من الاختصاصات، وبشكل أساس اختصاص الأطفال والنسائية، مما يدفع الناس للتوجه إلى المشافي الخاصة على ارتفاع أسعارها في ماردين وأحياناً في أورفة لوجود مراكز سورية رخيصة إلى حد ما فيها، ولكن كلفة التنقل تجعل الأمر صعباً خصوصاً مع ارتفاع أجور المواصلات مؤخراً.

وتشهد المناطق الجنوبية والشرقية في تركيا بشكل عام نقصاً بالأطباء المختصين، حيث يفضل قسم كبير من الاختصاصيين العمل في الولايات الشمالية والغربية التي يكون طقسها أكثر اعتدالاً صيفاً وشتاءً، والتي تعد من أبرز المدن السياحية في تركيا أيضاً.