icon
التغطية الحية

"الدعوة والتبليغ" أو "الأحباب".. جماعة دينية تنشط في دمشق من دون مساءلة

2024.06.01 | 07:43 دمشق

جامع الشيخ محي الدين بن عربي
يجتهد أعضاء الجماعة في توسيع شبكتهم في أحياء دمشق سواء على مستوى الواعظين والدعاة أو على مستوى المتلقّين للموعظة
دمشق ـ فتحي أبو سهيل
+A
حجم الخط
-A

يلاحظ رواد المساجد في دمشق في الفترة الأخيرة حلقات يشكّلها واعظون يرتدون الكلابية وقبعة الصلاة بلحى طويلة، أو يقفون قرب المسجد بعد صلاتي المغرب أو الفجر مع عدد من الخارجين من الصلاة أو يزورون سكان الأحياء التي يقطنون بها. هؤلاء يعرفون باسم "جماعة الأحباب" في دمشق، أو جماعة الدعوة والتبليغ على مستوى العالم فهم متواجدون في كل العالم تقريباً، وقد انتشروا في دمشق مؤخراً، بهدف الدعوة للعودة إلى الالتزام بالدين الإسلامي.

يجتهد أعضاء الجماعة في توسيع شبكتهم سواء على مستوى الواعظين والدعاة أو على مستوى المتلقّين للموعظة.

ويروي مواطنون من العاصمة دمشق لموقع تلفزيون سوريا كيف وصل أعضاء الجماعة إليهم بطريقة متشابهة، ففجأة يدخل شيخ على صاحب دكان ويبدأ الحديث معه عن أهمية الالتزام بالصلاة والأخلاق، وواجب الخروج في الدعوة في سبيل الله.

كيف يعملون في دمشق؟

يقول أحد الذين استهدفتهم جماعة "الأحباب" لدعوته إن جاره المعروف بالتزامه الديني منذ زمن زاره في محل البقالة لدعوته بالالتزام وتوالت الزيارات وبدأ يصطحبه إلى المسجد معه، وأخذ يعرفه على بعض الشيوخ الآخرين ضمن الجماعة، وبدؤوا يجلسون في المسجد أحياناً وأحياناً أخرى في محله أو منزله.

بعد فترة من الزمن، طلبوا منه الخروج معهم في الدعوة لأشخاص آخرين، مشيراً إلى أن المقصد من ذلك كان ضرورة اطلاعه على أسلوبهم وتدريبه ليصبح داعية في الجماعة.

نجح معدّ هذا التقرير بالتقرب من أحد مشايخ الجماعة. النمط السائد في الدعوة هو أن يقف الشيخ مع بعض الأشخاص في الحي، ويحدثهم عن الإعجاز العلمي في القرآن، وأهمية الصلاة والجهاد بالمال والوقت في سبيل الله، دون سلاح ودون محاربة أحد.

موقفهم من السياسية

لم يتطرق هذا الشيخ وقبله آخر حضر موقع تلفزيون سوريا جلسته، إلى أي موقف سياسي للجماعة، أو إلى أي أحداث تدور أو قضايا تتعلق بالمسلمين حول العالم، كالذي يحصل حالياً من مجازر في غزة على سبيل المثال.

حاولنا الاستفسار عن موقفهم من تلك القضايا السياسية التي يعاني منها المسلمون، فأكد الشيخ أن كل ما يصيب الأمة حالياً سببه عدم العودة إلى الله، والأفضل حالياً الدعوة في سبيل الله وتهذيب النفوس والالتزام بأسس الدين، وهذا وحده من شأنه أن يزيد من قوة المسلمين.

لم يعرب الشيخ عن أي موقف ولم يشر إلى ضرورة الجهاد في سبيل الله كالجماعات الجهادية، وأكد مراراً أنه لا يريد الحديث بأي أمور سياسية فهي لا تعنيه، والشيء الوحيد الذي يعنيه هو الخروج في الدعوة والالتزام بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليم القرآن الكريم.

استشعر الشيخ الخوف من أسئلة معد التقرير وانتهت الجلسة بعد 10 دقائق وانصرف مسرعاً. فتتبعنا بعض الذين تم استهدافهم بالدعوة لمعرفة أي شيء عن هذه الجماعة ونشاطها، حتى وصلنا لأحد أقرباء المبلغين الذين وصلوا إلى مرحلة متقدمة مع الجماعة.

من هم جماعة الأحباب؟

يدّعي الشخص الذي التقينا به أنه يعلم تفاصيل كثيرة عن الجماعة لأن قريبه دعاه مراراً للجلوس معهم وأن يصبح داعياً مثلهم، ويشير إلى أن الجماعة غالباً ما تستهدف أشخاصاً لديهم قدرة مالية كافية "لإنفاقها في سبيل الله أثناء الدعوة خارج البلاد"، وتعمل الجماعة على تشكيل مجموعات دعوية بشكل تسلسلي فكل شخص يدعونه للجماعة يصبح لاحقاً داعية لغيره، لكن ليس بالضرورة أن يكون جميع الدعاة يعملون خارج الحدود.

يؤكد هذا الشخص، أن قريبه سافر من دمشق العام الماضي إلى غابات إفريقيا، وقبلها إلى قرى نائية في السودان، وهو يعرف أشخاصاً من الحي شاركوه الرحلة الدعوية إلى إفريقيا، مشيراً إلى أن الدعاة يخرجون على نفقتهم الخاصة وهذا شرط أساسي لمن يريد الخروج في الدعوة خارج البلاد، فبدءاً من جواز السفر إلى الفيزا إلى الطائرة فالإقامة والطعام والشراب، جميعها على نفقة الدعاة الشخصية.

يقول الشخص المقرب من الجماعة، أن الأحباب يمشون على أربعة أسس، وهي أولاً الدعوة إلى الله، ثم التعليم والتعلم، ثم العبادات والذكر، فالخدمة والأخلاق. وبناء على هذه الاستراتيجية يقدمون الخدمات لقبائل في قرى إفريقية نائية يقصدونها لنشر الإسلام، لذلك يختارون الدعاة من أصحاب المال الوفير.

الدعوة

يقول أحد أعضاء الجماعة لموقع تلفزيون سوريا: "ينطلق الأحباب من مبدأ أن الله يوفق كل جماعة تتحرك للجهاد في سبيله بالمال والنفس.. يقسمون الدعوة إلى قسمين: الأول من خلال زيارة الناس في أماكن تجمعهم سواء المنازل أو في الشارع أو في أي مكان ودعوتهم للعودة إلى التمسك بالصلاة وتعاليم القرآن الكريم ليصبحوا هم أيضاً دعاة، والقسم الثاني ينشط خارج حدود منطقتهم عبر زيارة مناطق نائية في دول بعيدة لم يزرها أحد سابقاً وذلك للدعوة إلى الدين الإسلامي وتكوين جماعات تتبعهم هناك".

ولاحظ موقع تلفزيون سوريا أن حضور جماعة "الدعوة والتبليغ" لا يقتصر على العاصمة دمشق، بل ينشطون في معظم المحافظات، وعلمنا ذلك في سياق حديث عضو الجماعة الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وهويته عندما قال لنا أن أعضاء الجماعة يزورون بعضهم في المحافظات السورية وفي الأحياء المختلفة.

وقال الشخص المقرب من الجماعة المذكور آنفاً: "يتحرك كل تشكيل منهم تبعاً لما يضعونه من خطط للدعوة سواء في سوريا أو خارجها.. يوجد تنسيق على مستوى ما في سوريا".

وفي حلقات الدعوة داخل المساجد ترى أطفالاً دون السن القانوني وشباناً صغاراً التزموا بلباس الكلابية والقبعة في حياتهم اليومية، والتزموا بالصلاة في المسجد يومياً، ما يؤكد أن الدعوة ليست للبالغين فقط، لكن الصغار في السن يخضعون لشيء اسمه "التعليم".

إذا تتبنى الجماعة مبدأ التكاثر والتوسع في المكان والعدد المستهدف، جماعات تشكل جماعات لتشكل جماعات وهكذا. يخرجون "في سبيل الله" ثلاثة أيام في الشهر، وفي السنة 40 يوماً، وفي العمر أربعة أشهر.

ويطلقون على مهمة الزيارات والتقاء الناس في الأحياء والمنازل والأسواق اسم "الجولة"، ويتم تسمية كل مجموعة بـ "التشكيل" وجميع التشكيلات في النهاية اسمها "جماعة الأحباب".

غالباً ما يقوم أحد أفراد الجماعة القدامى بتلاوة شيء اسمه "البيان" على التشكيلات في حلقات المساجد، وهي أشبه بالدروس الدينية من ناحية كيفية الالتزام بأسسه.

أما الدعوة إلى الدين الإسلامي خارج الحدود فيطلقون عليها اسم "الخروج".

المرجعية

لا يوجد للجماعة قائد أو مرجعية واضحة في سوريا أو هم ناجحون في إخفاء ذلك. هذه النتيجة التي توصل إليها موقع تلفزيون سوريا في رحلة البحث عن رأس الهرم، بل إنه من المُلاحظ غياب المناصب والتراتبية داخل كل "تشكيل"، فالجميع أعضاء متساوون.

لا يستند "الأحباب" إلى صحيح البخاري ومسلم كمرجعية لسنن النبي محمد، وكل دعوتهم تستند في الغالب إلى 3 كتب هم: كتاب رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين لمؤلفه الإمام يحيى بن شرف النووي الدمشقي، وفضائل الأعمال الذي يعتبر مرجعيتهم الأساسية وهو كتاب باللغة الأردية من تأليف محمد زكريا الكاندهلوي وهو أحد مؤسسي جماعة الأحباب وكان اسم الطبعة الأولى منه "تبليغي نصاب"، وكتاب حياة الصحابة لمحمد يوسف الكاندهلوي وهو أيضاً أحد المؤسسين.

عائلة الكاندهلوي هم أقارب الهندي محمد إلياس الكاندهلوي مؤسس الجماعة 1926 بالهند والذي ولد في كاندهلة الهندية وكان أمير الجماعة حتى وفاته عام 1944.

علاقتهم بالنظام

يقول الشخص المقرب منهم، إن من جالسهم من الجماعة أكدوا أنهم موجودون في سوريا منذ عشرات السنين، وينكرون أنهم "ظهروا مؤخراً بشكل مفاجئ وبرزوا بشكل مثير للريبة دون أي مساءلة من النظام".

يشكك المقرب منهم بارتباطاتهم الأمنية، ويؤكد أن نشاطهم العلني يشير إلى أنهم متابَعين أمنياً، فهم لا يختبؤون ونشاطهم ولباسهم واضح جداً في وقت يكره فيه النظام هذه التجمعات وبهذا اللباس، مشيراً إلى أن عدم اعتقالهم من قبل النظام أو حتى مساءلتهم يثير موجة من التساؤلات.

ويؤكد هذا الشخص، أن الجماعة لا تتطرق للسياسة نهائياً، لكنه يربط بين زيادة نشاطهم وانتشارهم بظل زيادة التمدد الشيعي في دمشق مؤخراً، وكأنه أطلق العنان لهم لخلق شيء من التوازن الآمن كخيار آخر لسكان دمشق، كونهم جماعة تتبع سنن النبي محمد وتدعو للعودة إلى الله دون أي موقف سياسي.

في منتصف آذار 2017 أغارت طائرات أميركية على مسجد في بلدة الجينة بريف حلب الغربي مخلفة عشرات القتلى والجرحى، وفي حين أعلنت القيادة المركزية الأميركية استهداف موقع لتنظيم القاعدة في إدلب، تبيّن أنها دمّرت حينها مركزاً لجماعة الدعوة والتبليغ "الأحباب"، بحسب صحيفة القدس العربي.

وقال أحد الدعاة للصحيفة حينها ويدعى أبو حذيفة الحلبي إن الغارات قتلت جميع من كان هناك، واستغرب الحلبي من القصف الأميركي مؤكداً أن الجماعة موجودة حتى في أميركا وهم معروفون بأنهم "دعاة لا يحملون سلاحاً"، مشيراً إلى أنهم يجوبون كل مناطق العالم ولم يحاربوا دولة ولا منهجاً، قائلاً "كيف للتحالف أن يقصفنا والنظام السوري نفسه لم يقصف هذا المكان".

وعن الموقف من القتال ضد النظام ومن السلفية الجهادية قال الداعية: "نحن نريد جهاداً للنفس ونريد التخلية قبل التحلية، فكيف تجاهد وأنت لم تتخلص من هوى النفس، ونحن على علاقة طيبة مع الجميع حتى تنظيم الدولة الذي أخرجنا من مناطقه، قبل عامين كنا على علاقة معه عندما كان يسمح لنا بالدعوة في مناطقه، فهدفنا هو الدعوة والتخلق والوعظ قبل حمل الناس واجبارهم على تلك الأمور عنوة".

ارتباطهم بالإرهاب

بحسب جميع من التقاهم الموقع فإن الجماعة "تنبذ العنف والتطرف وتدعو بأساليب اللين والموعظة" على حد تعبيرهم، لكن صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الإلكترونية ساقت في 2015 مثالاً على ارتباطاتهم المشبوهة، بمحمد صديق خان "مُدَبِّر الهجمات الإرهابية في يوليو/تموز 2005 في لندن، الذي كان يؤدي صلواته في مسجد تابع للدعوة والتبليغ في شمالي إنجلترا".

وبحسب الصحيفة فإن جون ووكر ليند، الأميركي الذي قاتل مع حركة طالبان، كان يحضر اجتماعات الدعوة والتبليغ في الولايات المتحدة.

مسؤولون في الجماعة بحسب الصحيفة، يردون على ذلك بالقول إن هؤلاء الأفراد انتهكوا كل مبادئها الأساسية وهم لا يمثلون الجماعة، وأنهم معارضون للدعوة والتبليغ ولجوهر رسالتها القائمة على تزكية النفوس.

الدول التي حظرتهم

في 2021 حظرت السعودية نشاط الجماعة بعد انتشارها، وأصدر المفتي العام للسعودية عبدالعزيز بن عبدالله بن آل الشيخ، فتوى بحق جماعة الأحباب قال فيها: "الجماعة سلكت التصوف في كثير الأحوال، وتوشك أن تكون مرجعيتها وثنية"، مؤكدا "حرمة المشاركة معهم في نشاطهم حتى يلتزموا بـالكتاب والسنة"، وأوضح أن أفراد هذه الجماعة "منزوون ومتقوقعون على أنفسهم لا يصحبهم إلا من كان على مثل طريقتهم".

وتعرضت الجماعة للمنع في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في اليمن، ما أدى إلى انحسار معظم أعمالها الدعوية، ويعود سبب المنع بحسب موقع المشاهد اليمني الذي أجرى لقاءات مع بعضهم، إلى أن الجماعة لا تتدخل في الشأن العام وفي السياسية، ونأت بعناصرها عن الانخراط ومساندة الحوثيين في الأعمال التي يمارسونها في المدن والمناطق الخاضعة لسيطرتهم.

جماعة التبليغ محظورة في إيران وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وروسيا، أيضاً، بينما في أغلب دول الخليج العربي، لدى الجماعة هذه مراكز علنية وينشطون بشكل علني دون أي حظر.