التفوا حول ثورة السويداء قبل أن يخنقها نظام الاستبداد

2023.09.15 | 05:54 دمشق

التفوا حول ثورة السويداء قبل أن يخنقها نظام الاستبداد
+A
حجم الخط
-A

يقال إن منطق المستبد لا يتغير بتغير الزمان أو المكان، فحيثما يممت وجهك تجد أنظمة الاستبداد والطغيان تخير الرعية بين الحياة والحرية. ومن السمات المشتركة بين أنظمة الاستبداد أنها تسعى لجعل صورة الطاغية الذي يقف على رأس هرم السلطة تبدو وكأنها في منزلة تختلف عن منزلة البشر؛ إذ لا أحد يعرف أو يفهم غيره. لذلك، فهو فوق كل محاسبة أو نقد. والمستبد الطاغية لا يعترف أبدا بفشله، وهو من أجل هذا يسخّر جيشا من المطبلين والمزوّرين الماهرين في تصوير الفشل على أنه نجاح باهر.

الأهم من هذا وذاك أن المستبد جبان بطبعه؛ حذر جدا ينظر إلى كل ما حوله بتوجّس وريبة. بالتالي فهو ينظر إلى كل رافض أو معترض باعتباره نواة جيش يهدد عرشه، ويجب الإجهاز عليه فورا أيّا كان حجمه أو موقعه؛ حتى وإن كان مواطنا بسيطا يسكن كوخا في أطراف قرية صغيرة. من هنا، فالاعتقاد بأن النظام السوري بإمكانه غضّ الطرف عن الحراك الثوري في مدينة السويداء فهو واهم؛ لأنه يعتقد في قرارة نفسه، أن عدم قمع هؤلاء قد يشجع آخرين على أن يحذوا حذوهم.

في ظل عجزه عن إلصاق تهمة الإرهاب بثوار السويداء لجأ النظام السوري إلى إستراتيجية الحصار والعزل تمهيدا لخطوات أخرى. والحصار والعزل هنا ليس بمعنى حصار أو عزل المدينة، إنما هو حصار الثائرين بحيث لا تتزايد أعدادهم ولا يتلقون الدعم والتأييد من مناطق ومدن أخرى. بمعنى أن هذه الإستراتيجية تنفذ على مستويين؛ أولهما داخل مدينة السويداء، والثاني في باقي المناطق الخاضعة لنفوذ النظام السوري.

وضع النظام السوري جميع السوريين في تلك المناطق تحت المراقبة المركزة المصحوبة بالتهديد الجاد من أجل أن يضمن لثورة السويداء ألا تعبر حدود السويداء

على مستوى المناطق الخاضعة لنفوذه استنفر النظام السوري طاقاته الأمنية لإرهاب السوريين في تلك المناطق، حيث ترافقت حملة الاعتقالات التي طالت بعض الناشطين بتهديدات نقلت بالسر والعلن للناس بأن أي حراك سوف يقابل بقسوة مفرطة. بالمختصر: وضع النظام السوري جميع السوريين في تلك المناطق تحت المراقبة المركزة المصحوبة بالتهديد الجاد من أجل أن يضمن لثورة السويداء ألا تعبر حدود السويداء.

أما على المستوى الداخلي؛ فيمارس النظام إستراتيجية العزل والحصار متّبعا أكثر من تكتيك؛ أهمها حملات التهديد الأمني، وهذه موجهة بالأصل للمترددين الذين ما زالوا في بيوتهم قبل أن تكون موجهة لمن هم في الساحات، فهو يعلم أن المترددين هم أولئك الذين لم يكسروا حاجز الخوف بعد. لذلك، فجرعات التخويف التي يطلقها أبواق النظام إنما تهدف إلى تعزيز مخاوفهم. وبالتالي جعل أعداد المتظاهرين محصورة بنطاق محدد يتم تصغير حجمه عن طريق الادعاءات المضللة.

ومن تكتيكات الحصار الموجهة للمترددين أيضا تلك الجهود الاستخبارية التي تسعى لأن تحصل لهؤلاء على بعض المبررات الأخلاقية التي تساعدهم على تبرير موقفهم المتخاذل. فما الفتاوى والتصاريح الصادرة عن بعض المرجعيات الدينية المرتبطة بالنظام السوري سوى مواقف وأحكام مبتسرة؛ الهدف منها أن تقدم للخائفين والمترددين بعض المبررات الأخلاقية التي يمكنهم أن يتكئوا عليها.

ومن تكتيكات الحصار أيضا؛ شيطنة الحراك من خلال قذف الثائرين بتهم مكررة يحفظها جميع السوريين فهم خونة وعملاء ومرتهنون ومرتزقة ومخربون.. فالمستبد حريص على محاصرتهم من كل الاتجاهات وتضييق الخناق عليهم. وحتى محاولات استمالتهم أو مساومتهم أو تحييدهم تعد تكتيكا يندرج في سياق إستراتيجية الحصار والعزل، فهو يريد أن يقول في النهاية: حاولنا معهم بشتى السبل لكنهم لم يستجيبوا.

بعد أن يصدر أوامره للمؤتمرين بأمره داخل مدينة السويداء بأن يعبروا عن امتعاضهم، أو ربما بعد أن ينفذ بعض عمليات الاغتيال بحقهم ملصقا التهمة بالثوار؛ سيخرج النظام بخطاب فحواه: هناك أقلية متمردة خارجة عن القانون تعطل أعمال المواطنين وأشغالهم، حاولت الدولة أن تسترضيهم وقدمت لهم كثيرا من العروض والمغريات لكي تتجنب الحلول الأمنية لكنهم لم يستجيبوا لأنهم مرتهنون لأمر مشغليهم، وهكذا لم يعد أمام أجهزة الدولة سوى القيام بواجبها بإرساء الأمن والاستقرار في مدينة السويداء.

سواء سلك النظام السوري هذا الطريق أم لم يسلكه، فإن المؤكد أنه لن يسكت طويلا عن ثوار السويداء. ولكن، من المؤكد أيضا أنه يمكن جعل محاولاته كمحاولات من يحفر قبره بيده، فهناك ثلاث قوى يمكنها أن تجعل مصير النظام في مهب الريح فيما لو عملت معا، كما يمكن لأي واحدة منها أن تحمي ثورة السويداء كحد أدنى. وهذه القوى هي: أبناء السويداء المترددون، أبناء الثورة في المناطق المحررة وبلاد المنفى، والسوريون في المناطق الخاضعة لنفوذ النظام السوري.

قد يشكل انخراط المترددين في الثورة التي تقودها أغلبية داخل السويداء رادعا قويا لأي حماقة يمكن للنظام السوري أن يشرعنها على حساب هؤلاء، بل قد يكون ترددهم وتقاعسهم سببا في هزيمة إخوانهم. وقد تشكل مقولة "إن النظام لن يتجرأ على ثوار السويداء لأسباب خاصة" سببا في تقاعس بعضهم عن دعمهم، وهذا خطأ كبير؛ إذ يجب النظر إلى ثورة السويداء على أنها المنقذ الذي انبرى لإنقاذ الثورة السورية بعد أن بدأت الأوساط الدولية والإقليمية التحضير لمراسم دفنها.

على هؤلاء أن ينظروا إلى ثورة السويداء بأنها أملهم بالنجاة، وعليهم أن يعلموا بأنهم – نتيجة الظروف الراهنة – أصبحوا القوة الأكثر مقدرة على إنجاح ثورة السويداء

أما المسحوقون في المناطق الخاضعة لنفوذ النظام السوري؛ فيجب أن يكونوا قد علموا أن قضية العيش الكريم تواجه إشكالا مهما يتعلق بنظم الاستبداد والطغيان، إذ يعد إهمال ضرورات الناس منهجا وأسلوبا يهدف للإمعان في الإذلال والاستعباد، وتطبيع حياتهم مع الفقر. والأسوأ من ذلك اعتبارهم مصدراً للجباية، مهما بلغ مستوى فقرهم. ذلك أن مطالب تلك الطبقات التي تتحالف مع المستبدين الطغاة إنما تشكل أولويةً في منظومة الطغيان. لذلك، على هؤلاء أن ينظروا إلى ثورة السويداء على أنها أملهم بالنجاة، وعليهم أن يعلموا بأنهم – نتيجة للظروف الراهنة – أصبحوا القوة الأكثر قدرة على إنجاح ثورة السويداء. 

استعادت ثورة السويداء روح الثورة السورية، كما تحاول أن تستشرف بناء دولة يحلم بها جميع السوريين، يتصدر شعاراتها "العيش الكريم، والحريات الأساسية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية". فالتفوا حولها قبل أن يخنقها نظام الطغيان والاستبداد.