icon
التغطية الحية

"التعامل ببراغماتية".. بشار الأسد يبرمج الخطاب الإعلامي بعد التطبيع التركي

2023.02.01 | 18:32 دمشق

بشار الأسد خلال استقباله لعدد من الصحفيين والمسؤولين في مؤسساته الإعلامية - (حبيب سلمان/ فيس بوك)
بشار الأسد خلال استقباله لعدد من الصحفيين والمسؤولين في مؤسساته الإعلامية - (حبيب سلمان/ فيس بوك)
إسطنبول - محمود الفتيح
+A
حجم الخط
-A

اجتمع رئيس النظام السوري بشار الأسد مع عدد من الصحفيين والمسؤولين في مؤسساته الإعلامية، وتحدث خلال اللقاء عن السياسة الخارجية التي سيتبعها نظامه في الفترة المقبلة، لـ"التعامل ببراغماتية مع التحولات الدولية والإقليمية"، إضافة إلى بحث مستقبل التطبيع مع الحكومة التركية، إلا أنه لم يتطرق إلى الأوضاع المعيشية والاقتصادية المستمرة في الانهيار.

وقالت مصادر من وسائل إعلام النظام، إن بشار الأسد التقى الأسبوع الماضي مع عدد من الصحفيين والمسؤولين في مؤسسة "الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون".

وقبل اللقاء مع بشار الأسد جرى تحذير الصحفيين من توجيه الأسئلة عن الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي، بحسب المصادر، في وقت يعيش فيه الأهالي في مناطق سيطرة النظام السوري أوضاعاً معيشية صعبة وأزمة اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم، إذ بات 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، أي غير قادرين على تأمين المواد الغذائية، بغض النظر عن الخدمات الأساسية الأخرى كالتعليم والسكن والصحة وغيرها من أساسيات الحياة.

وعلى ما يبدو فإن منع النظام السوري حتى الصحفيين العاملين في مؤسساته من الحديث عن انحدار مستوى المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، يكشف مدى عجز حكومة النظام عن تقديم حلول للأزمات الطاحنة، رغم استمرار وعودها بانفراج الأزمات منذ سنوات.

ومن اللافت أن وسائل إعلام النظام الرسمية أو المقربة منه لم تنشر حتى الآن أي أخبار عن هذا اللقاء، لكن "مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون"، حبيب سلمان، نشر على صفحته في (فيس بوك) منشوراً تحدث فيه عن لقاء بشار الأسد مع 30 إعلامياً للحديث عن السياسة الخارجية.

وانهالت التعليقات الناقدة والساخرة لمنشور سلمان، متسائلين عن سبب تجاهل الحديث عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، ليرد سلمان أن "ساحات العمل تتكامل وتتسع لجميع الهموم".

تطوير الخطاب الإعلامي على ضوء المتغيرات

وأضافت المصادر أن بشار الأسد تحدث خلال اللقاء عن السياسة الخارجية التي سيتبعها في المرحلة المقبلة، وأهمية تطوير الخطاب الإعلامي على ضوء المتغيرات والتطورات الحاصلة.

وأوضحت المصادر أن بشار الأسد تطرق خلال حديثه عن السياسة الخارجية الجديدة إلى العلاقة مع الدول العربية، والعقوبات الغربية، إضافة إلى الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها على الأوضاع في المنطقة بالكامل وسوريا بوجه خاص، بحسب المصادر.

البراغماتية في التحركات السياسية مع تركيا

وأكد سلمان في منشوره أن الإعلاميين طرحوا الملفات السياسية الرئيسية، والحل السياسي، والعلاقة مع الدول العربية، و"الحرب الروسية الأوكرانية والتي هي في الأصل بين روسيا والغرب، حرب الغالب والمغلوب حصراً".

وأضاف سلمان أن الإعلاميين ناقشوا التطبيع مع تركيا، و"الطريق الشائك معها حيث يضيء لنا الرئيس أيضاً عن المبدئية والبراغماتية في حركة السياسة السورية".

وتابع: "ليس المهم اقتناصَ إجابة محددةٍ من الرئيس الأسد على سؤال ما، فالتفاصيل السياسية تتغير بشكل دائم، المهم أن يحصل الإعلامي على الرؤية وطريقة تقدير الموقف، على المبدأ الذي يحكُم هذا المِلَفّ أو ذاك، على عوامل القوة والتوازن في حركة السياسة السورية".

وأشار إلى أنه من المهم أن يُدرك الإعلاميّ الذهنية السياسية لدى بشار الأسد، "كيف يقارب الملفات وبأي سياقٍ يضعُها، كيف ينظر إلى كل ملف، وكيف يتعامل معها مجتمعةً"، بحسب وصفه.

هل غير النظام خطابه الإعلامي تجاه تركيا؟

ومنذ اللقاء الثلاثي بالعاصمة الروسية موسكو في 28 كانون الأول 2022، والذي جمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، مع وزير دفاع النظام السوري علي عباس على طاولة واحدة، في أول لقاء رسمي ومعلن منذ العام 2011، شهد الخطاب الإعلامي في وسائل إعلام النظام شبه الرسمية عدة تحولات ملحوظة، بينما بقي على حاله في وسائل الإعلام الرسمية.

واستخدمت البيانات الرسمية التي صدرت عن النظام السوري وتركيا بعد نهاية اجتماع موسكو لغة واضحة التحفظ، وإن أعربت عن قدر من التفاؤل، حيث وصفت وزارة الدفاع في حكومة النظام في بيان مقتضب لقاء موسكو مع وزير الدفاع التركي، أنه كان "إيجابياً"، في حين أكد الجانب التركي على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254".

ورغم استمرار تأكيد تركيا وروسيا على استمرار المحادثات مع النظام السوري للوصول إلى تطبيع العلاقات بالكامل، إلا أن وكالة أنباء النظام السوري "سانا" والصحف الرسمية إلى الآن تواصل وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ "رئيس النظام التركي"، وكذلك واصل "تلفزيون النظام" استعمال عبارة "الاحتلال التركي" للإشارة إلى الوجود العسكري التركي في شمال غربي سوريا.

ولكن اللافت في الأمر كان صحيفة الوطن شبه الرسمية والتي تعرف على أنها وسيلة إعلامية خاصة، حيث اتجهت إلى تغيير سياستها التحريرية تجاه تركيا، فاستعاضت عن مصطلح "النظام التركي" بعبارة "الإدارة التركية"، وأصبحت تصف أردوغان بـ"رئيس الإدارة التركية"، قبل أن تعتمد قبل أيام وصف "الرئيس التركي"، في تطور ملحوظ لم يكن معهوداً منذ العام 2011.

إلى أين وصل التطبيع التركي مع النظام السوري؟

ورغم مضي الجانبين في مسار تطبيع العلاقات نهاية شهر كانون الأول الماضي، فإن الأيام القليلة الماضية حملت على السطح علامات واضحة تؤكد عمق الخلافات والتوترات في العلاقات، والتي أدت إلى جمود المسار السياسي، وذلك بسبب المطالب التي أعرب عنها بشار الأسد في منتصف كانون الثاني الماضي، حيث اشترط "إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب"، وهو أمر مستحيل بالنسبة لتركيا في الوقت الحالي كشرط لاستمرار المحادثات.

وتأكيداً على كلام بشار الأسد، قال مدير "مدرسة الإعداد الحزبي"، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق، بسام أبو عبد الله، إنه لا مشكلة لدى النظام السوري في الحوار مع تركيا، لكن الهدف ليس اللقاءات والترويج لها، وإنما هناك هدفان أساسيان هما "تحرير الأرض، وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهاب".

وعلى ما يبدو لن يكون هناك اتصالات سياسية أعلى بين الجانبين، قبل تحقيق إنجاز ميداني يكون ملموساً على الأرض، بحسب أبو عبد الله المقرب من النظام السوري، مضيفاً أن النظام "لن يقدم هدايا مجانية للرئيس التركي حتى يكسب الانتخابات".

وقد يكون لقاء موسكو الأخير هو الخطوة الوحيدة نحو تطبيع العلاقات في المستقبل القريب، نظراً لوجود العديد من العوامل التي يمكن أن تعرقل استمرار عملية التطبيع، إذ ما يزال اجتماع وزيري خارجية تركيا والنظام السوري قيد النقاش ولم يحسم بعد، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قبل أيام، أن موسكو تعمل لتنظيم لقاء يجمع وزراء خارجية روسيا وتركيا والنظام السوري، لكن حتى الآن لم تحصل الموافقة.

ونهاية كانون الأول الماضي، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن بلاده اقترحت عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية مع النظام السوري وروسيا، في منتصف كانون الثاني الماضي، لكنه نفى بعد أيام وجود تاريخ محدد للقاء، متوقعاً انعقاده في مطلع شباط الحالي، ورغم حلول شهر شباط لم يعلن إلى الآن عن موعد قريب لرفع مستوى التطبيع إلى المستوى السياسي.