icon
التغطية الحية

التطبيع العربي مع النظام السوري: خوف من الهيمنة الأميركية وتآكل نفوذها

2023.04.08 | 13:40 دمشق

التطبيع العربي مع النظام السوري
على الغرب أن يفهم أن العصر الذي يمكنه فيه إملاء الشروط على حلفائه العرب يقترب من نهايته - AP
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

نشر معهد "المجلس الأطلسي" مقالاً تحدث عن تطبيع الدول العربية مع النظام السوري، الذي مكنته روسيا والصين وإيران، والذي يتحدى النظام العالمي القائم على القواعد، مشيراً إلى مقارنة تاريخية تعود إلى الملك البلجيكي ليوبولد الثالث وإلغائه للاتفاق العسكري مع فرنسا في العام 1936، واعتماد سياسة الحياد الصارم.

ومع تصاعد التوترات بين الدول الغربية والمحور الروسي الصيني الإيراني يلجأ المراقبون بشكل متزايد إلى المقارنات التاريخية المثيرة للقلق لتجنب حدوث كارثة.

على سبيل المثال، شبهت إحدى المؤسسات البحثية المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران بلحظة تعود للعام 1914 عشية الحرب الأولى، حيث يمكن أن تتسبب حادثة صغيرة في صراع يشمل المنطقة.

ويمكن تشبيه الغزو الروسي لأوكرانيا باستيلاء ألمانيا على إقليم سوديتنلاند في تشيكوسلوفاكيا في العام 1938، كما قيل إن الحشد البحري الصيني وتحديها للتفوق الأميركي في المحيط الهادي يردد صدى سباق التسلح الأنجلو-ألماني قبيل الحرب العالمية الأولى، وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية، قيل إنها كانت "بيرل هاربور" في القرن الحادي والعشرين.

ويمكن القول إن مدى الفائدة من أي من هذه المتوازيات والمقارنات التاريخية أمر قابل للنقاش، فنظرة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للعالم تعيش في تشبيهات واستعارات تاريخية، ولا يبدو أن هذه النظرة ألهمت باتخاذ قرارات عظيمة، ولكن مع ذلك، يمكن أن تكون المقارنات مع الماضي مفيدة في فهم الأحداث التي تبدو غير منطقية على السطح، وخير مثال على ذلك هو الوتيرة العربية المتزايدة للتطبيع مع النظام السوري.

تحدٍ للولايات المتحدة وحلفائها

حرصت الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات على إعادة تأهيل نظام الأسد، المتهم بارتكاب جرائم حرب، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والتهجير القسري لأكثر من 13 مليون سوري.

وفي زيارته الأخيرة إلى أبو ظبي في 19 آذار الماضي، منحت أبو ظبي بشار الأسد السجادة الحمراء الكاملة، في تحد للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين يصرون على مواصلة نبذه، وفعلت سلطنة عُمان، الدولة الخليجية صديقة الغرب، الشيء نفسه مع الأسد، في 20 شباط الماضي.

الآن، من المقرر أن يستعيد النظام السوري علاقاته الدبلوماسية مع الدولتين الكبريين عربياً، المملكة العربية السعودية ومصر، واللتان تمتلكان حق "الفيتو" في مسألة عودة الأسد إلى الاحترام الإقليمي.

وبينما تعتبر الرياض والقاهرة حليفتين وثيقتين للغرب، إلا أنهما تتصرفان بشكل مخالف للسياسة الغربية، فهذا الاندفاع للانفصال عن السياسة الغربية بعد أكثر من عقد من الإجماع الغربي والعربي بشأن سوريا، هو أمر محير أكثر، بالنظر إلى أن الأسد لديه القليل ليقدمه للعرب باستثناء فاتورة محتملة لإعادة الإعمار، والتي تصل إلى 400 مليار دولار.

ما تفسير التطبيع مع الأسد؟

توصل المحللون إلى تفسيرات متضاربة لسبب التغيير تجاه النظام السوري وحملة التطبيع، فهناك حجة متكررة بأن الدول العربية وجدت أن خفض التصعيد والتنسيق الإقليمي يخدم مصالحها أكثر من المواجهة بينها وبين إيران وتركيا، وهذا أمر مناسب، ويستند إلى تقييم لا يمكن التحقق منه بأن نقاط الذروة للعديد من الصراعات الإقليمية قد تم التوصل إليها في وقت واحد، بما في ذلك الصراع في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

وترى الحجة الثانية أن دولاً مثل الإمارات تضع أنظارها على عقود إعادة الإعمار المربحة، لكن لا أحد يشرح أبداً كيف ومن سيدفع مقابل ذلك، وبالتأكيد ليست روسيا أو إيران، الوحيدتين اللتين لديهما مخاوف اقتصادية محلية، هناك الصين، التي تتجنب الاستثمار في مناطق الحرب غير المستقرة.

وبالإضافة إلى الحجتين، هناك فكرة التضامن الاستبدادي العربي، وهو دافع مفهوم، لكنه غير مقنع بشكل كافٍ وحده.

ومن المثير للاهتمام أن البعض يشير إلى أن الأسد يستخدم بطاقة تهريب مخدر "الكبتاغون" لتعزيز موقفه تجاه دول الخليج العربي والأردن، وقد تكون هذه البطاقة بنداً على جدول الأعمال، لكن طالما أن الدول العربية لن تعوض الأسد عن خسارة المليارات من دخل تجارة المخدرات فإن قواعد اقتصاد الحرب تشير إلى أن تهريب "الكبتاغون" سيستمر.

كما اقترح موازنة النفوذ الإيراني في سوريا كسبب إضافي للتطبيع مع الأسد، ولكن مع ذلك، رحبت إيران بتطبيع العرب واحتضانهم لوكيلها في العالم العربي.

ليوبولد الثالث والقادة العرب

من جهة آخرى، هناك تفسير آخر أكثر إقناعاً، ولا علاقة له بالأسد أو سوريا بحد ذاتها، ونحتاج إلى العودة للعام 1936، والقرار المنسي إلى حد كبير من قبل الملك البلجيكي ليوبولد الثالث، الذي ألغى تحالفا عسكريا لبلجيكا مع فرنسا كان يهدف إلى ردع العدوان الألماني، وعودته إلى سياسة الحياد الصارم.

ووفقاً للمؤرخ بيير هنري لوران، سعت بلجيكا إلى هذا التناوب الدراماتيكي لمكانتها الدولية كرد فعل للتحول الواسع الذي شهدته أوروبا بين عامي 1933 و1936، وبعبارة أخرى، كانت سياسة الحياد، التي اتبعها ليوبولد الثالث، استجابة مباشرة لنمو القوة الألمانية في ظل حكم أدولف هتلر، ونقاط الضعف الواضحة في المواقف الفرنسية والبريطانية.

قادة العرب اليوم هم مثل ليوبولد الثالث، خائفون، ينظرون حولهم ويرون الصين جادة وحازمة وتتحدى الهيمنة الأميركية، في حين روسيا دولة انتقامية تلتهم أراضي أوروبا، وإيران حليف يبدو أنها تكسب في جميع حروبها الإقليمية بالوكالة.

من جانب آخر، يخسر حلفاء الولايات المتحدة في كل مكان، سواء تعلق الأمر بالقادة الموالين للغرب في العراق ولبنان، أو مختلف أطياف المعارضة السورية، وحتى السعوديين والإماراتيين في اليمن، فأن تكون حليفاً للغرب ذلك يعني أنه من المحتمل أن يتم المناورة والتغلب على المناورة.

بالنسبة للدول العربية ذات الموارد العسكرية المحدودة والاقتصادات الهشة التي لا تستطيع تحمل عدم الاستقرار، فإن هذا ليس بالأمر المضحك، فإذا تصاعد الموقف، فإن الموقع الاستراتيجي للمنطقة سيجعلهم عرضة للخطر بشكل خاص، وفي حالة وجود نزاع عسكري شامل، فإن فرصهم في الحكم الذاتي لن تكون أفضل من بلجيكا بعد غزو ألمانيا النازية في العام 1940.

الأسد فائز غير مقصود

تتحدى حملة التطبيع العربية مع بشار الأسد، التي مكّنتها روسيا والصين وإيران، النظام العالمي القائم على قواعد الغرب، ويمكن قراءتها كجزء من تطور أوسع نحو نظام متعدد الأقطاب، يشبه مؤتمر القرن الحادي والعشرين في فيينا، حيث يتم موازنة القوة الأميركية من خلال تحالف أوراسي قوي.

وفي ضوء ذلك، فإن تطبيع الدول العربية مع النظام السوري لا يشير بالضرورة إلى إيمانها بالأسد، فهم يعرفون أنه مخادع وليس لديه الكثير ليقدمه لهم، كما أن سوريا كدولة محطمة، من المرجح أن تبقى كذلك في المستقبل المنظور على أقل تقدير.

وبدلاً من ذلك، تعلن الدول العربية التزاماً علنياً بالحياد، بل وتعتبره منطقياً، وسط صراع عالمي على الهيمنة بين كتلتين متنافستين للقوى يرون أنهما متكافئتان أخلاقياً، ويعتبر هذا التحوّط من الرهانات سياسة ذكية، كما يعتقده ليوبولد الثالث في انعكاسه للرأي في العام 1936.

الفائز غير المقصود بكل هذا هو بشار الأسد، الذي سيكون سعيداً أن يكون مقياساً لنجاح المحور المناهج للغرب، فما سيحصل عليه هو التطبيع، رغم ما يبدو للغرب أكثر سخافة.

علاوة على ذلك، فإن التطبيع مع الأسد هو وسيلة مناسبة لكسب ود موسكو وبكين وطهران، وبالنظر إلى الحالة الحالية غير المتوازنة للسياسة الأميركية بشأن سوريا، فإن هذا التطبيع لا يحمل من المخاطر سوى القليل من مخاطر اللوم، فضلاً عن عقوبة صغيرة في حين تُستحق عقوبة أشد.

قضية بقاء ووجود للدول العربية

يرى تقرير "المجلس الأطلسي" أنه على الغرب أن يفهم أن العصر الذي يمكنه فيه إملاء الشروط على حلفائه العرب يقترب من نهايته، ومع وجودها العسكري الثقيل ونفوذها السياسي، ستستمر الولايات المتحدة في لعب دور الحليف الرئيسي والضامن الأمني في الوقت الحالي.

وبالتالي، ليس لدى العرب سبب للتخلي ببساطة عن هذه العلاقة الاستراتيجية، ولكنهم مع ذلك، سوف يسعون إلى موقف أكثر حيادية من خلال تنويع تحالفاتهم.

من هذه الرؤية، يمكن اعتبار أن إصلاح العرب لخلافاتهم مع الأسد يشير إلى ابتعادهم عن الغرب دون قطع العلاقات مع الشركاء الراسخين، وقد تؤدي محاولات قادة الغرب لفرض نبذ الأسد من خلال الضغط وحده، بما في ذلك التهديد بالعقوبات، إلى تسريع تآكل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.

وبالنسبة للغرب، قد يكون ذلك خيبة أمل أو إذلال يصعب تحمله، ولكن مع ذلك، فإن البديل هو محاربة الأعداء الوهميين على طريقة "دون كيخوتة"، بالنظر إلى أن تأمين مكان مستدام في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب هو قضية بقاء ووجود للدول العربية.

وبالتأكيد، لا يمكن تجنب هذا النظام الجديد، ولكن يمكن تشكيله ليشمل درجة كبيرة من القيم والمعايير الغربية، ولكي يحدث ذلك، يحتاج الغرب إلى التوقف عن اعتبار القوة في المنطقة لعبة محصلتها صفر، ولكن كمنافسة على أفضل الأفكار والعروض يمكن للغرب خلق صفات جديدة لهذه التحالفات.