icon
التغطية الحية

كيف ينعكس تقارب الرياض والنظام على الحل السياسي في سوريا؟

2023.03.30 | 06:31 دمشق

السفارة السعودية في دمشق
كيف ينعكس تقارب الرياض والنظام على الحل السياسي في سوريا؟
+A
حجم الخط
-A

تعتبر مؤشرات التقارب الأخيرة بين النظام السوري والمملكة العربية السعودية محوراً مفصلياً في تغير العلاقات بين الدول في إعادة تعويم النظام السوري من جديد ونسف العملية السياسية المتمثلة بتطبيق القرار 2254.

وجاءت خطوات السعودية تجاه النظام السوري، إثر الاتفاق التاريخي بين الرياض وطهران، الذي خلط أوراق اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وأنهى احتكار نفوذ المحور الغربي في المنطقة والمتمثل بأميركا وأوروبا، لصالح بوابات نفوذ جديدة المحور الشرقي والذي يضم روسيا والصين وإيران.

الاتفاق ليس وليد اللحظة

قال الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، لموقع "تلفزيون سوريا"، إن التقارب الحالي بين المملكة السعودية والنظام السوري بدأ قبل أكثر من أربع سنوات، ولكن بالتأكيد أسهم الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير في تزخيم هذا التقارب وجعله أقرب إلى التحقيق.

وأضاف أن التقارب السعودي-السوري يمضي قدماً بشكل واضح وتدريجي وحذِر، "إذ إن المملكة السعودية، الطرف الأقوى في هذه العملية، وهي التي تفرض شروطها وتقرن أية خطوات لاحقة بمقدار استجابة النظام السوري لهذه الشروط".

وأشار فيصل عباس محمد إلى أن "تكثيف اللقاءات بينهما من خلال زيارة حسام لوقا مدير المخابرات في حكومة النظام السوري للرياض ومكوثه لعدة أيام والأنباء عن زيارة ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، والشخصية الثانية في النظام؛ كلّ ذلك يشي بأن النظام بدأ ينصت لبعض الشروط السعودية على الأقل، ولا بد أن يتسرب مزيد من التفاصيل عن هذه الاتصالات السرية قريباً، بفتح أجواء المملكة للطيران السوري قد يكون خطوة لاحقة"، بحسب محمد.

في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن تصريح وزارة الخارجية كان واضحاً بحصر المشاورات الأخيرة في فتح القنصليات بين البلدين للتسهيل على المواطنين الحصول على التأشيرة والتنقل بين البلدين بأسهل الطرق.

وقال المحلل لموقع تلفزيون سوريا، إنها "خطوة مهمة ولافتة" في العلاقات بين البلدين قد تكون بداية لخطوات أخرى تهدف إلى مزيد من التسهيلات على الشعبين.

وإن غاية الرياض هي العمل على تسهيل أوضاع الشعب السوري وحاجته للزيارة والعمرة والحج، ومعالجة المخاوف الأمنية العابرة للحدود كتهريب المخدرات عبر الأراضي السورية إلى دول الخليج، بحسب آل عاتي.

كما يرى أن للاتفاق السعودي- الإيراني تأثيراته الكبيرة في المنطقة، وفي المشهد السياسي الدولي، وأنه بث زخماً سياسياً جديداً في المنطقة.

روسيا "الوسيط الآمن" وبديل إيران

عام 2018، سئل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مقابلة له مع مجلة "Time" الأميركية، فأجاب "أعتقد أن بشار باقٍ الآن، وكانت سوريا جزءًا من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط لفترة طويلة جداً".

واستطرد، "لكنني أعتقد أن مصلحة سوريا هي عدم السماح للإيرانيين بفعل ما يريدون في سوريا على المدى القريب ​​والبعيد لأنه إذا تغيرت سوريا إيديولوجياً، فإن بشار سيكون دمية لإيران، لذا من الأفضل له أن يتم تعزيز نظامه في سوريا، وهذا أمر جيد أيضاً لروسيا".

الأكاديمي فيصل عباس، يرى أن روسيا لعبت دوراً كبيراً في تشجيع دول الخليج على تعويم النظام إقليمياً تمهيداً لإنقاذه مالياً واقتصادياً، وإرضاء روسيا أمر مهم للسعودية في سياستها الدولية الجديدة الهادفة إلى إقامة توازن في علاقاتها الخارجية يحد من اعتمادها الاستراتيجي على أميركا.

كما يرى أن أحد العوامل أيضاً يتعلق بلبنان، حيث توجد مؤشرات على تحرك النظام السوري باتجاه استعادة بعض نفوذه هناك، وهذا يخدم توجهات محمد بن سلمان الرامية إلى إعادة السطوة السعودية في لبنان، وقد يساعد النظام السوري – ولو جزئياً - على نجاح هذا التوجه السعودي.

ويرى ابن سلمان، أن الأفضل أن تكون لروسيا قوة تأثير أكبر في سوريا وأن تعمل على تمكين بشار دون إيران، لتقليل النفوذ الإيراني.

وكان مسؤولون سعوديون ودبلوماسيون سوريون، كشفوا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن المناقشات التي جرت بين الرياض والنظام السوري، كانت بوساطة الحكومة الروسية، بدأت في اتفاق مبدئي عندما زار الأسد موسكو مؤخراً، وبعدها زار مسؤولون سوريون كبار السعودية في الأسابيع الأخيرة.

اتجاه نحو التعددية القطبية

المحلل السياسي والمقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، يرى أن موسكو سعت وما تزال تسعى لحدوث تسوية في العلاقات السعودية - السورية، لاستعادة توحيد الجهود العربية عامة، لحل كثير من القضايا الملحة في الشرق الأوسط.

وإن من مصلحة روسيا أن يحل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، لأن هذه المنطقة قريبة جداً من الحدود الجنوبية لروسيا، وعدم الاستقرار يعني بقاء القواعد العسكرية الأميركية، وقواعد حلف "الناتو" في هذه المنطقة، وعرقلة كل مساعي التوصل إلى سلام عادل لكثير من القضايا وأهمها القضية الفلسطينية، بحسب الشاعر.

ويرى المحلل أن روسيا والصين لا تهدفان لإزاحة النفوذ الأميركي، لا في منطقة الشرق الأوسط ولا في مناطق أخرى، بل تسعيان ومعهما بلدان مجموعة "البريكس" وعلى الأغلب ستنضم إليهم السعودية لانتقال العالم ككل إلى عالم التعددية القطبية حيث تختار البلدان مع من تبني علاقاتها دون إملاء من الخارج مع احترام مفهوم سيادة الدولة والنظام السياسي الذي تختاره كل دولة على حدة.

تجاذب عربي لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية

في ضوء الخطوات السعودية المتريثة في التطبيع مع النظام السوري قد لا تشهد القمة العربية المقبلة والتي حدد انعقادها في 19 من أيار المقبل حضوراً سورياً، إذ إن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تؤكد أنه من السابق لأوانه الحديث عن عودة سوريا إلى حضور مؤتمرات القمة العربية، ولكنه في الوقت نفسه يقول إنه من الممكن أن يجري التصويت على إنهاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في القمة المقبلة.

ويرى آل عاتي أن "الرياض تحرص على معالجة الأوضاع العربية وتقوية دعائم العلاقات العربية ــ العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية، وأن أي قرار يهمّ هذه العلاقات يفترض أن يكون قراراً جماعياً مع التأكيد على حقوق الشعب السوري مقابل أن يخطوَ النظام خطوات بناءة لصالح شعبه لتحقيق استقرار ووحدة وسيادة القطر السوري وأن ينعم الجميع بحقوق المواطنة من دون تدخلات إقليمية أو دولية"، بحسب المحلل.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في آذار الحالي، عن صفقة عرضتها دول عربية على النظام السوري من شأنها إعادة العلاقات بين النظام السوري وكثير من دول الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه كبح نفوذ إيران.

وقال مسؤولون مطلعون للصحيفة، إن الدول اقترحت تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لإعادة إعمار سوريا، وتعهدت بالضغط على أميركا والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة النظام.

وفي المقابل، على الأسد المشاركة مع المعارضة السياسية السورية، وأن يقبل بدخول قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، ويقمع تهريب المخدرات ويطلب من إيران التوقف عن توسيع وجودها في البلاد.

هل تلغي المبادرة العربية محادثات اللجنة الدستورية؟

وتتزامن التسريبات الأخيرة بخصوص الصفقة بين دول عربية والنظام السوري، مع عودة الحديث عن "المبادرة الأردنية" التي أعلن عنها الأردن أول مرة في أيلول عام 2022.

وكان المبعوث الأممي الخاص بسوريا، غير بيدرسن، التقى في 21 من آذار الحالي، بوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في عمان، عقب لقائه، بوزير الخارجية المصري، محمد سامح شكري، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.

وقال الصفدي، إنه ناقش مع بيدرسن إيجاد حل لـ"الأزمة” السورية، استناداً إلى المبادرة الأردنية المتمثلة بقيام دوري عربي مباشر بالانخراط مع النظام السوري للوصول إلى حل لسوريا، موضحاً أن المبادرة تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل “الأزمة”، ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية.

أما محادثات اللجنة الدستورية في جنيف، فجمدت بضغط روسي، إذ طلبت موسكو نقل مقر الاجتماعات إلى مسقط أو الجزائر أو أبو ظبي، الأمر الذي لم يوافق عليه وفد المعارضة السورية.

وأجرت اللجنة الدستورية منذ بداية تأسيسها ثماني جولات، كان آخرها في حزيران عام 2022.

أين تقف المعارضة السورية من هذه التقاربات؟

قال مصدر مطلع في هيئة التفاوض لموقع تلفزيون سوريا، إن تأخر حل القضية السورية وفشل المجتمع الدولي بتطبيق القرارات الدولية واستمرار الصراعات بالمنطقة أوصل كثيراً من الدول العربية إلى قناعة التعامل مع النظام السوري ومحاولة إيجاد صيغة معه لإعادة اللاجئين.

كما أن الخلافات السعودية - الأميركية وقناعة معظم الدول العربية أن أميركا لا تريد حلا بالمنطقة دفع كثيراً من الدول العربية لتغيير سياساتها والسعودية عانت من ضغوط روسية وإماراتية وأردنية وجزائرية للتساهل في إعادة النظام للجامعة العربية.

وحول إخفاق المعارضة في حشد المجتمع الدولي لصالحها، يرى المصدر أن المعارضة تتحمل دون شك جزءا من المسؤولية، ولكن دخول دول المنطقة باستقطابات وصراعات خليجية تارة وتركية - عربية تارة أخرى أعاق دور المعارضة في بناء علاقة أفضل مع دول الإقليم.

وإن التقارب السعودي هو ضمن خطة مبادرة عربية للتقارب مع النظام على أساس إيجاد حل يحقق مصالح الدول وليس مصالح الشعب السوري، بحسب المصدر.

وأضاف أن المعارضة مستمرة بالحشد الدولي ولملمة الصفوف وإقناع الدول العربية وتركيا وغيرهم بعدم التطبيع، لأن كل الحلول "الترقيعية"، بحسب وصفه، لن توصل أحد إلى أي مكان وسوف تتعقد الأمور أكثر وسيزداد الإرهاب والهجرة غير الشرعية والانفلات الأمني فى سوريا والمنطقة لأن النظام غير قادر على تحقيق استقرار أمني وسياسي واقتصادي بسوريا حتى لو تم دعمه لأنه في الأساس فاقد للسيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرته.