icon
التغطية الحية

البصل خارج دائرة العقوبات.. لماذا يفشل النظام السوري بتأمين أدنى المقومات؟

2023.02.26 | 13:14 دمشق

أزمة بصل في سوريا - أ ف ب
أزمة بصل في سوريا - أ ف ب
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لا يخضع الغذاء والدواء ومعظم السلع الضرورية لأي نوع من أنواع العقوبات الاقتصادية في سوريا، والتي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على النظام السوري لمنعه من ارتكاب المزيد من الجرائم بحق السوريين، رغم كل محاولات حكومة النظام إلقاء فشلها بحل الأزمات الاقتصادية على عاتق العقوبات.

وفي خضم كل الأزمات التي تشهدها مناطق سيطرة النظام السوري، من ارتفاع الأسعار بشكل يومي، وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي حتى 22 ساعة في اليوم، ونقص في محروقات النقل والتدفئة، وزيادة نسب الفقر في عموم السكان ومشكلات أخرى لا تنتهي، وصل سعر كيلو البصل في دمشق إلى 20 ألف ليرة.

ومع كارثة الزلزال التي استغلها النظام السوري بشكل مباشر طالب برفع العقوبات عنه لأنها تعيق مساعيه في تخفيف المشكلات الاقتصادية عن المواطنين، وفي ذلك انطلقت الإمارات في مبادرتها لإنقاذ النظام الذي أعادت علاقاتها معه أواخر عام 2018، معتبرة أن العقوبات الغربية مجحفة بحق السوريين.

أزمات لا يمكن تخيل حدوثها

وفي مناطق سيطرة النظام السوري أزمات متعددة تحمل تسميات لم يتخيل السوريون أن يمروا بها من قبل، مثل: "أزمة السكر، أزمة المازوت، أزمة الخبز، أزمة الكهرباء، أزمة الإنترنت، أزمة البطاطا، أزمة الدجاج، والآن أزمة البصل"، جميع هذه الأزمات خارج العقوبات التي تدندن بها الإمارات ويرفع صدى صوتها بشار الأسد

وفي الأيام الأخيرة، تفاقمت "أزمة البصل" في مناطق سيطرة النظام السوري إلى الحد الذي بات فيه الحصول على كيلو واحد أمراً شبه مستحيل.

وقال مصدر محلي لموقع "تلفزيون سوريا" بتقرير سابق، إن محال الخضار في العاصمة فرغت بشكل شبه تام من البصل الأحمر – اليابس – كما هو الحال في صالات "السورية للتجارة" – المدعومة حكومياً – والتي وضعت إعلانات تؤكد خلو مراكزها من البصل.

وكان سكان العاصمة قد أقبلوا على صالات "السورية للتجارة" بعد إعلان وزارة التجارة وحماية المستهلك التابعة للنظام قبل أيام طرح ألفي طن من البصل في مراكزها بسعر 6 آلاف ليرة للكيلو غرام الواحد، وهي كمية مصادرة من تجار كانوا قد احتكروها، وفقاً لمدير فرع "السورية للتجارة" بدمشق سامي هليل.

وفي جولة لتلفزيون سوريا على محال الخضار  في دمشق؛ وُجد بصل أبيض طويل (حلو) بسعر 9000 ليرة للكيلو الواحد، لكن وجوده اقتصر على بعض المحال (من بين كل 10 محال عرض واحد منهم فقط بصل أبيض وبكميات قليلة).

وأكّد عدد من المواطنين الذين التقاهم تلفزيون سوريا شراءهم البصل اليابس قبل أيام من منطقتي الشعلان والشيخ سعد بـ 20 ألف ليرة للكيلو الواحد، وذلك قبل أن يُفقد من هاتين المنطقتين أيضاً.

فشل حكومي

وقبل أيام، سمح "مجلس الوزراء" باستيراد ألفي طن من البصل لصالح "السورية للتجارة" شريطة أن تصل الكميات قبل نهاية شهر شباط الجاري، لتقوم الأخيرة بطرح الكمية في صالاتها وبيعها بالمفرق.

ويعزو البعض سبب فقدان البصل لسياسة النظام "غير المدروسة" والتي تسعى لجذب القطع الأجنبي على حساب المواطنين؛ إذ سمحت نفسها بتصدير البصل لمدة شهرين خلال منتصف العام الماضي، وبررت حينها القرار بوجود فوائض من الإنتاج المعروض تفوق حاجة السوق، على حد تعبيرها، بينما يؤكد تجار أن تصدير جزء كبير من المحصول أبقى السوق المحلية بلا كميات كافية.

وبحسب تقرير لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام فإن أزمة البصل قد لا تحل قريباً، في حين حذّرت حكومة النظام المحتكرين بالملاحقة القانونية وعقاب بالسجن قد يصل لـ 13 عاماً.

التحجج بالعقوبات

تزامنت أزمة البصل مع حادثة الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق في شمالي سوريا و جنوبي تركيا، وخلف عشرات آلاف الضحايا والدمار، مع بدايات الأزمة استغلها النظام السوري للحديث عن العقوبات وأنها سبب أساسي لعدم استطاعته من مساعدة المواطنين وطلب مساعدات من الخارج رغم أن العقوبات لا تشمل أي مساعدات إنسانية.

 وقدمت وزارة الخزانة الأميركية توضيحات بشأن تأثير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، وأكدت أنها تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المحتاجين، وأن القانون يتعامل مع أصحاب النشاطات التجارية والداعمين الإغاثيين الأميركيين وغير الأميركيين على حد سواء.

وكذبُ النظام السوري واضح هنا باعتبار أنه حصل على مساعدات إنسانية من الإمارات خلال أزمة كورونا عام 2020 ولم تتأثر أبوظبي بأي عقوبات من نوعها.

والأصل في العقوبات الأميركية (وحتى الأوروبية) أنها لا تحظر تصدير المواد الغذائية من أصل أميركي ومعظم الأدوية إلى سوريا، ولا يتطلب تصديرها الحصول على ترخيص من مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية.

وكل ما يقال عن تأثير العقوبات على الطعام والأمن الغذائي في سوريا هو غير دقيق ويروج له النظام لإخفاء فشله الذريع في حل أبسط المشكلات التي لا تعاني منها أفقر دول العالم في عصرنا الحالي، والتي وصلت إلى "أزمة بصل" لا يمكن لأي سوري أن يتخيلها، خاصة أن السوريين يضربون المثل على أي شيء رخيص بأنه "أرخص من البصل".

شماعة صارت "قديمة"

من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي، عمار يوسف، أن تبرير ارتفاع الأسعار في أسواق مناطق سيطرة النظام بالعقوبات بأنه "شماعة"، مؤكداً أن العقوبات لا تشمل الغذاء والدواء.

وقال يوسف إن أي عقوبات اقتصادية، سواء "قانون قيصر" أو العقوبات الأوروبية، لا تشمل الغذاء أو الدواء، مضيفاً أنه "بمعنى آخر، إذا أردنا شراء قمح أو أدوية من أوروبا، فهذا لا تشمله العقوبات بأي شكل من الأشكال"، وفق ما نقلت عنه إذاعة "المدينة" المحلية.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة في المجال الاقتصادي، هو تعامل بسيط جداً بالنسبة لتعاملنا مع باقي دول العالم، لذلك العقوبات الأوروبية لسوريا لن تحدث أي أثر مضاف للأثر السابق".

أما بالنسبة للتحويلات المالية، فأوضح الخبير الاقتصادي أن "أي تحويل مالي خاص بثمن غذاء أو دواء فهو مقبول حتى لو كان لنصف أميركا، وأي باخرة تأتي لسوريا تحمل قمحاً أو مواد غذائية غير قادرة أي قوة على إيقافها".

سخرية من واقع أسود

الواقع السيئ للغاية الذي وصلت له مناطق سيطرة النظام السوري، جعلت مؤيديه يسخرون من أزمة البصل، مثل كم بصلة تقبض بالشهر؟ وكم رصيدك من البصل في البنك؟ ومقارنات عن أزمات الدول وأزمة البصل في سوريا.

وبالطبع هذا يترك سؤالاً مفتوحاً عن حجم الوضع المتردي في سوريا، وعن تحديات السوريين في وجه نظام لا يستطيع تأمين أدنى مقومات الحياة لهم ولأطفالهم، وعن مدى إمكانية مواجهة أي كارثة مهما كان نوعها في ظل بقائه بالسلطة.