icon
التغطية الحية

الانتحار بين النساء شمالي سوريا.. العنف والفقر على رأس الأسباب

2021.04.05 | 06:53 دمشق

thumb_261744_700_400_0_0_exact.jpg
إدلب - ناهد البكري
+A
حجم الخط
-A

"لا أدري ما الذي حصل؟! حجم المصيبة أكبر من أن يتحمله عقلي، ذهبت أمها وإخوتها إلى لبنان لم أدعها تذهب معهم لا أستطيع تحمل العيش من دونها" بتلك الكلمات يروي "أبو عمار" فاجعته بفقدان كبرى بناته.

"فاطمة القداح" ذات الـ 26 عاماً، تسكن هي وزوجها مع أهلها في مخيمات منطقة "دير حسان" الحدودية بريف إدلب، تقفل باب غرفتها لتنهي حياتها برصاصة اخترقت جسدها وقتلتها على الفور.

يقول لنا "أبو عمار": إن "فاطمة لم تكن لتفعل شيئاً يعصي الله هي صوامة ومتزنة وحياتها مستقرة لم تعانِ من أي اضطراباتٍ نفسية من قبل مجرد مشادة كلامية تطورت إلى عنف مع زوجها لم تكن لتؤدي لهذا الحادث الأليم".

ويروي "أبو عمار" لـ موقع تلفزيون سوريا تفاصيل قصة انتحارها، ويقول إنه في اليوم الثاني من شهر آذار الفائت، أقفلت فاطمة باب غرفتها بعد مشادة مع زوجها ليسمع صوت رصاصة داخل الخيمة والتي تسببت بمقتلها، بحسب ما روت أيضاً عمتها، التي كانت موجودة لحظة الانتحار، والتي لم تستطع إنقاذها.

يضيف "أبو عمار" في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا أنها وزوجها يعيشان في استقرار وهي أم لثلاثة أطفال وحاملٌ في شهرها الثاني، فما الذي حصل؟ يتساءل.

 

انتحار أم قتل؟ 

بحث موقع تلفزيون سوريا في زوايا مختلفة لرواية والد الفتاة المنتحرة، لتؤكد مصادر مقربة من العائلة أن التحقيقات في الحادثة بدأت عندما كسر زوجها وعمتها باب الخيمة ودخلا عليها والسلاح بيدها، فأحيلا للتحقيق معهم بعد ما قال الطبيب الشرعي إن دخلت من الخلف، ولكن التحقيقات الرسمية، والطب الشرعي عاد ليؤكد أن الرصاصة دخلت من منطقة الصدر، ولكنها انفجرت في ظهرها.

ورجحت مقربة من الفتاة فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن يكون الهروب من الواقع، والظروف المحيطة بفاطمة دفعها للانتحار عدا عن التغييرات في التركيبة الاجتماعية ونمط الحياة الصعبة البعيدة عن الصحة النفسية، التي تعيشها فاطمة، كلها عوامل دفعتها لاختيار الموت بدل الجنوح للحياة وفقدان غريزة حبّ البقاء، وإنهاء الحياة دون تردد.

أسباب وحلول

تشهد مناطق الشمال السوري حالة من الفوضى، وغياب الاستقرار والأمن والافتقار لأدنى مقومات الحياة، مما يجعل الرغبة في الاستمرار والبقاء صعباً، حيث تحدثنا الناشطة النسوية والداعمة النفسية "بيان ريحان" في تصريح "لتلفزيون سوريا": أنه "لا يمكننا ربط أي حادثة بأخرى، ولكن الوضع الراهن يفرض ظروف قاسية تعيشها العوائل التي تجعل الأسباب كثيرة ومتعددة.

تتابع "ريحان" إن "أبرز الأسباب لدى السيدات في الداخل هو "العنف الأسري" إن كان من الزوج أو الأهل الذي يدفع بعضهن للجوء إلى الانتحار، وعمليات الابتزاز الذي تتعرض له البعض عن طريق تهديدهن بصور أو ما شابه، فيلجأان للانتحار خوفا من ردة فعل الأهل والمجتمع، إضافة إلى الزواج المبكر.

 

 

وتضيف "ريحان": "في مجال عملي واجهت الكثير من الحالات والقصص، عدا عن حكايا الناجيات من الانتحار، اللواتي قمت بالإشراف على حالتهن، بعد دخولهن حالة من اليأس والإحباط، كانت الأسباب متعددة ومختلفة".

وعن وجود حلول تساعد في الحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة تقول: إننا "في ضوء المعالجة التي تتبعها منظمات المجتمع المدني من خلال مشاريع الدعم النفسي وحملات التوعية، لا نمنع بشكل فعلي حالات الانتحار، بل هي مساهمة في توعية النساء ولكننا نحتاج حلول واقعية بشكل أكبر، كأن تقام مراكز إيواء وحماية للنساء المعرضات للعنف الأسري وتأمين احتياجاتهن، والحث على جهود أكبر من خلال توعية المجتمع اجتماعياً ودينياً وإشراكها إعلامياً، فيجب أن تكون الجهود شاملة ومتناسقة، فالانتحار ظاهرة معقدة تتطلب جهوداً مشتركة".

حادثة سابقة

لم تكن حادثة فاطمة الأولى ففي بداية شهر أيلول عام 2020 ضجت وسائل الإعلام المحلية بحادثة انتحار المدرسة "ميساء درباس" المعلمة الثلاثينية، في مخيمات "أطمة" الحدودية في محافظة إدلب، من خلال تناول "حبوب غاز الفوسفين" القاتلة، قبل ذهابها إلى منزل عائلتها، التي بدورها أنهت حياتها على الفور.

"ميساء" أخذت القرار بإنهاء حياتها نتيجة العنف وما يزيد على العنف الذي قام به زوجها "أحمد درباس" من خلال طردها من المنزل وحرمانها أطفالها.

كثيرة قصص الانتحار، إذ تتردد حكايات انتحار في مناطق شمالي سوريا، وتختلف الأسباب والدوافع، وتتعدد الوسائل، لكنّ تكتم بعض الأهالي وضعف المتابعات والتحقيقات جعلت تسجيل أرقام دقيقة أمراً مستحيلاً.

 

توثيقات رسمية

وثق فريق منسقو استجابة سوريا تسجيل حالات الانتحار للسكان في شمال غرب سوريا، وضمن إحصائية صادر عن الفريق فإنه منذ مطلع العام الحالي تم تسجيل 4 حالات انتحار لدى النازحين في المنطقة فيما سجل عام 2020 ما لا يقل عن 19 حالة انتحار، كرقم متزايد غير مسبوق.

وأرجع "الفريق" ذلك الى سوء الأحوال المادية للأهالي والنازحين وفقدان الممتلكات الخاصة بهم بعد حملات النزوح والتهجير القسري من مختلف المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد مؤخراً.

وناشد البيان المنظمات الإنسانية العامة في المنطقة مساندة المدنيين والنازحين وتأمين المتطلبات الأساسية لهم في ظل انعدام القدرة الشرائية لدى الكثيرين، والعمل على تأمين فرص عمل وعيش كريم للحدّ من انتشار البطالة.

تزايد حالات الانتحار في سوريا بدا ملفتاً للنظر، هذه الظاهرة المرعبة التي تحصد أرواح المقبلين على الحياة وتسلب اندفاعهم نحو المضي للأمام لا تقتصر على جنس دون الأخر، فالأزمة الاقتصادية والأمنية التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام، تسبب الأمراض النفسية، عدا عن المشكلات الاجتماعية، فضلاً عن مستقبل مجهول دفع البعض للانتحار في ظل غياب الأمن والدعم النفسي.