الإسلاموفوبيا والعلمانية في فرنسا

2020.10.31 | 23:26 دمشق

66245_fra_191110_islamophobia_aa_1580386863105.jpeg
+A
حجم الخط
-A

فرنسا دولة قوانين، وخاصة تلك التي تحارب وتعاقب جميع أنواع التمييز والاعتداءات ذات الطابع الديني والعرقي، ولكن المشكلة تكمن في التطبيق على النحو الصحيح. وإذا أخذنا ظاهرة مثل الإسلاموفوبيا نرى أن التقارير التي تصدر عن هيئات متخصصة تؤكد بأنها تتصاعد بسرعة منذ حوالي عقدين. وتفيد بعض الأوساط الإسلامية المراقبة للظاهرة أنها أضخم بكثير مما يرد في التقارير، وكثيرا ما علقت "رابطة مسلمي فرنسا" على الأرقام واعتبرتها "بعيدة على الواقع" وأنها لا تعكس حقيقة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، التي تفشت بشكل سريع في المجتمع الفرنسي. ولذا لا تقف تقارير هيئة "الائتلاف ضد الإسلاموفوبيا " عند الجوانب القانونية، بل تدعو للقيام بحملات للتعريف بمفهوم المواطنة واعتبار أن عهد "الانتماء الديني" الأوحد قد ولى، وحان الوقت للاعتراف بالتعددية الدينية للمواطنين، وهو الأمر الذي يمكن من مزيد التعرف على الأديان الأخرى، ومن ضمنها الإسلام حتى لا يبقى الإسلام ديانة "أجنبية" في فرنسا وفقا للتقارير. وتحض التقارير على وجوب مقاومة "الخوف من الإسلام" ومن الآخر وتصوير العالم على كونه حربا بين الأديان في وسائل الإعلام ولدى المثقفين، والتي عادة ما تحاول إظهار اللاتطابق بين الجمهورية والأقليات وبين المسلمين والديمقراطية.

وهناك مهمة تقع على عاتق المثقفين الفرنسيين، وهي التذكير بقيم الاختلاف واحترام الخصوصيات الشخصية والاجتماعية والعمل إعلاميا على محاربة أفكار نهاية التاريخ وصدام الحضارات. ويجدر هنا التوقف أمام الكتاب الذي أصدره عام 2008 المفكر الفرنسي من أصل بلغاري الناقد الراحل تزفتيان تودوروف تحت عنوان "الخوف من البرابرة، ماوراء صدام الحضارات"، وهو يتحدث عن انتشار عدوى "الإسلاموفوبيا"، بوصفها بابا للارتداد عن القيم الغربية نفسها، باسم الدفاع عنها. فالخوف يصبح خطرا بالنسبة للذين يشعرون به. بل إنه باسم الوقاية من القيم والسلوكات غير الإنسانية لدى الآخر، يصبح التبرير الرئيسي للسلوكات نفسها.

إن الخوف من "البرابرة" من شأنه أن يحولنا إلى "برابرة" حسب المؤلف الذي يلوذ بالتاريخ بشكل منهجي مطرد، ليبرز أن العلاج قد يكون أخطر من المرض ذاته.

إن الخوف من "البرابرة" من شأنه أن يحولنا إلى "برابرة" حسب المؤلف الذي يلوذ بالتاريخ بشكل منهجي مطرد، ليبرز أن العلاج قد يكون أخطر من المرض ذاته. فقد قاد الاستسلام للخوف في الغرب إلى الدخول في مغامرات عسكرية أنتجت فشلا مزدوجا "جعلت الخصم أكثر قوة، وجعلتنا أكثر ضعفا". ويرى الكاتب أن الخطر الإرهابي في الحالة الأميركية لم يكن فعل دول بل فعل أفراد، وبالتالي فإن ضرب دول مسلمة عسكريا (العراق وأفغانستان..) لم يضعف الإرهابيين وإنما ألقى بهم في حضن الشعوب. ثم إن هذه الحملات أنعشت مشاعر الحقد والرغبة في الثأر لدى الجماهير الواسعة، فضلا عن أن المبالغة في الرد على الإرهاب أسقطت الغرب في التناقض مع قيمه، وهو يتبنى أو يغض الطرف عن الاجتياح العسكري المنافي للقانون الدولي وممارسة التعذيب وقصف قرى المدنيين من وحي المفهوم المكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة".

ومن بين "التواريخ السلبية" بالنسبة للأقلية المسلمة في فرنسا خلال العقدين الماضيين إقرار قانون حظر الرموز الدينية، ومن بينها الحجاب في المدارس الفرنسية، وطرد أئمة من الأراضي الفرنسية، بجانب تزايد الانتهاكات والإساءات ضد المسلمين، وتنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا". وشهد العقدان الأخيران اهتماما بالغا بالإسلام وقضايا الجاليات المسلمة، وظهر ذلك بصورة لافتة للنظر وغير مسبوقة في مختلف وسائل الإعلام، ويكفي أن ننظر إلى رفوف المكتبات التي امتلأت بالكتب حول الإسلام. غير أنه من اللافت أن هذا الاهتمام كان ينحو أحيانا إلى تجريم المسلمين تحت لافتة محاربة الظاهرة الإسلامية. وشكل قانون منع الرموز الدينية الظاهرة في المدارس الحكومية، ومنها الحجاب، أبرز الأحداث المؤثرة على الأقلية المسلمة في فرنسا، حينما أقرت الحكومة الفرنسية مطلع 2004 مشروع القانون رغم اعتراض "حزب الخضر" والحزب الشيوعي الفرنسي". وقد لعب حزب "التجمع من أجل الحركة الشعبية" اليميني الحاكم والحزب الاشتراكي (أكبر الأحزاب المعارضة) دورا مهما في تمرير القانون رغم أنه من النادر أن يتفق الحزبان على قانون واحد. وبمقتضى القانون يحظر ارتداء الحجاب والصليب كبير الحجم والقبعة اليهودية وعمامة طائفة السيخ بالمحيط المدرسي، ويتم طرد غير الملتزمين بهذه التعليمات من المدارس. واتجهت فرنسا إلى إقرار ذلك القانون بعدما طالبت اللجنة المكلفة بمراقبة العلمانية بفرنسا بإصدار تشريع يحظر الرموز الدينية، خوفا من تأثير الدين على النظام العلماني في فرنسا، على حد تقدير اللجنة. وتبدو المقاربة هنا أنه حين تثير الممارسة الدينية لدى الأقليات حفيظة شريحة من الفاعلين السياسيين والإعلاميين الذين يبنون مجدهم على شعبوية يمينية تنسب جميع أمراض المجتمعات الغربية إلى الأجانب والمسلمين بوجه خاص، بل تطور الأمر إلى إفراز طبقة من "الخبراء" في الإسلام الذين تناسلوا فجأة في وسائل الإعلام، وهم يعتبرون التدين خطرا ينبغي محاربته بوصفه يحمل كابوس العودة إلى عهد الشمولية الكنسية.