الأسد ووهم الأقلية

2023.08.28 | 05:52 دمشق

آخر تحديث: 28.08.2023 | 05:52 دمشق

الأسد ووهم الأقلية
+A
حجم الخط
-A

صار العالم برمته يعرف أن ما يحصل في السويداء هو عينه ما يصير في درعا وكذلك في إدلب. كما يعرف العالم بالصورة والصوت أن المدن والأرياف السورية ما زالت تضج بثورتها الأولى المطالبة بالحرية لكل الشعب السوري لا لفئة بعينها. لكن هوس نظام الأسد أباً وابناً بحلف الأقليات الذي تنوع من إسرائيل إلى موسكو مروراً ببشير الجميل في بيروت ثم مع حزب الله وإيران هو من يحكم سياساته تجاه السوريين كلهم مورطين حتى العلويين الذين هم من هذا الشعب وله. هذا الهوس يجعله يضرب بالطائرات وسائر أنواع الأسلحة الفتاكة درعا وإدلب والشمال السوري، مستشنياً السويداء.

طبعاً، ليس في هذا الكلام أية دعوة لتشمل الهمجية الأسدية محافظ غالبيتها من سكان بني معروف، بقدر ما هو محاولة لكشف ميله العارم نحو تحالف الأقليات الذي سقط في كل المنطقة. هو لا يستطيع ضرب السويداء خشية من حلفائه الأقلويين وهم على مثله ومثاله ويتشكلون من حزب الله والحرس الثوري والروس.

ليس مبالغةً القول الآن وفوراً إن الثورة السورية استعادت ألقها وحضورها بين السوريين أولاً والعالم ثانياً، بعدما غابت معزوفة المتطرفين والدواعش. ذلك أنه طالما حرر البلد من هؤلاء وهم خريجو سجونه وبإرادته فليدل العالم على الوحدة الوطنية السورية. وليظهر أداء سياسياً تعهد به للعرب عن عودة المهجرين من أرضهم قسراً. لقد ورط العلويين في حروب تشبه تلك التي شنتها النازية والفاشية، وضد أبناء شعبهم الذين يتشاركون معهم في كل شيء، إلا القتل والذبح على الهوية والدين والانتماء العرقي أو الديني.

إن السوريين والعالم لم ينسوا بعد تورط الروس عبر محاولة توريط الكنيسة المشرقية في لعبة الأقليات من خلال بث شريط فيديو لرجل دين مسيحي ينثر "مياهاً صُلي عليها مع البخور" على أول طائرة روسية باشرت عمليات تدمير مدن سوريا

منذ اندلاع ثورة الحرية لم يتردد النظام في بث فيديوهات لتوريط رهطه ومناصريه بحروب مذهبية لاقاه فيها فقط الدواعش وحزب الله. كان المراد من هذه الأفلام المبثوثة تلفزيونياً وعبر وسائل التواصل الإجتماعي استثارة السوريين السُنة لزجهم بحرب تبرر طردهم واستدعاء أفغان وباكستانيين من الشيعة لتجنيسهم وإسكانهم على أرض سوريا والسوريين. الأرجح أن أحداً لم ينس بث أغاني فيروز من جوامع درعا وإدلب. وصورة عصام زهر الدين وهو يحقر مسجداً محاولاً توريط بني معروف الذين ما استجابوا، وأكدوا بالدم انحيازهم إلى وطنيتهم السورية. الصورة الأكثر قسوة والتي لم يتوقعها السوريون على الإطلاق ما حصل من قبل حزب الله على مأذنة جامع القصير.

لنذهب أبعد من ذلك، فإن السوريين والعالم لم ينسوا بعد تورط الروس عبر محاولة توريط الكنيسة المشرقية في لعبة الأقليات من خلال بث شريط فيديو لرجل دين مسيحي ينثر "مياهاً صُلي عليها مع البخور" على أول طائرة روسية باشرت عمليات تدمير مدن سوريا، والتي صارت أثراً بعد أعين وأقرب إلى الأطلال التي نقرأ عنها في تواريخ العرب منذ ما قبل الإسلام.

في التاريخين القديم والحديث كثيرا ما يظهر "الهوس الأقلوي" عند آل الأسد.

1 ـ في التاريخ القديم نسبياً تعود الأمور الى زمن الاحتلال الفرنسي وتحديداً إلى الرسالة التي شارك بها سليمان الأسد جد بشار الأسد، والتي وقع عليها أعيان من أبناء منطقته مطالبين بضرورة بقاء هذا الاحتلال، ورفض استقلال سوريا، بحجة أن الأغلبية سوف تبتلع الأقليات وتهجم على الغرب وإسرائيل أيضًا، وقد تم توقيعها في عام 1936، وكشف عنها وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس في مجلس الأمن من العام 2012، ردًا على تصريحات بشار الجعفري مندوب بشار الأسد.

2 ـ في التاريخ الحديث اقتسم الحلم الأقلوي مع إسرائيل عبر اقتسام لبنان فدخل إلى بيروت منكلاً بالفلسطينيين والمسلمين سنة وشيعة، مع عصابات اليمين اللبناني التي عادت لتنبعث كراهيتها ضد السوريين في الآونة الأخيرة. يومها أنقذ الأسد الأب هذا اليمين وزعيمه وذهب إلى التنكيل باليسار وبالثورة الفلسطينية وقتل الزعيم الكبير للحركة الوطنية وهو من بني معروف كمال جنبلاط.

العالم الآن يتبدل. وبدأت محاكمة مجرمي الحرب في سوريا. والثورة استعادت وهجها وزخمها، لكن الأهم أن تستلهم عبر الماضي ممن مولوا عسكرة الثورة ثم عادوا واستقبلوا بشار الأسد وضباط استخباراته في عواصمهم

ويوم أنقذ العرب لبنان من حربه الأهلية الطاحنة عاد للعب على وتر الأقليات فجعل من مسلمي لبنان فزاعة لمسيحييه حتى تجرأ ذات مرة ونظم تظاهرة لعصابة تحمل السكاكين في شوارع بيروت ضد البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير لا لشيء إلا لأن الأخير طالب بانسحاب الجيش الأسدي واستخباراته من لبنان، ولأنه اتفق مع زعيم الغالبية السنية الشهيد رفيق الحريري على تحصين الاتفاق الدستوري ومنع الفتن.

العالم الآن يتبدل. وبدأت محاكمة مجرمي الحرب في سوريا. والثورة استعادت وهجها وزخمها، لكن الأهم أن تستلهم عبر الماضي ممن مولوا عسكرة الثورة ثم عادوا واستقبلوا بشار الأسد وضباط استخباراته في عواصمهم.

كل الأمل والرجاء أن تبقى السويداء خارج دائرة جحيم النظام، وأن يستعيد السوريون الوطنيون كل سوريا بكل تلاوينها المذهبية والروحية والثقافية. قد يطول الدرب بعض الشيء. لكن اللعب والتلاعب بأكثريات وأقليات ما عاد يجدي هذا النظام شيئاً لا من قريب ولا من بعيد. وعائلة الأسد لن تكون إلى الأبد.