رهانات الأسد على ما بعد غزّة..

2024.02.11 | 06:27 دمشق

رهانات الأسد على ما بعد غزّة..
+A
حجم الخط
-A

يُمكن القول إنّ روسيا وإيران نجحتا حتّى السّاعة بإبعاد شبحِ الحربِ عن النّظام السّوريّ. تُدركُ موسكو وطهران جيّداً أنّ أيّ حراكٍ أو عملٍ جدّيّ يكون منطلقه جبهة الجولان سيكون دونه عواقبَ وخيمة. هذا ليسَ استنتاجاً، بل معلومات تواترَت عن تحذيرات إسرائيليّة – أميركيّة وصلَت إلى دمشق وطهران وموسكو مع بدء الحرب في غزّة عبر قنوات مُختلفة.

التحذيرات لم تكُن للنّظام السّوريّ، بل لإيران. إذ يعرفُ النّظام السّوريّ الخطوط الحمراء جيّداً.

ومن يُراجع تاريخ جبهة الجولان منذ 1973 إلى اليوم يُدركُ مدى ارتباطِ هدوئها ببقاء آل الأسد في السّلطة. ولأنّ الإنسان بطبيعته كثير النّسيان، فلا بُدّ من العودة بالذّاكرة إلى الكلام الذي أطلقه ابن خالة بشّار الأسد رامي المخلوف مع بداية الثّورة السّوريّة عن جبهة الجولان. لم يكن كلام المخلوف تهديداً على الإطلاق. بل كان تذكيرا بالمُهمّة الأساسيّة للعائلة الحاكمة في قصر المهاجرين.

عُمقُ كلام رامي المخلوف حينذاك كان إعادة ضخّ الدّماء في مُعادلة "الأقليّة في سوريا، تحمي حدود الأقليّة في الإقليم، التي تُمثّلها إسرائيل".

ولئن قال قائلٌ إنّ قذائفَ يتيمة تُطلَق بين الفينة والأخرى نحو مناطق خالية في الهضبة المُحتلّة، فهذا لا يعدو كونه تذكيراً لتل أبيب وواشنطن بأنّ الحارِسَ يقومَ بمهمّته

هذه المعادلة التي رسّخها وزير الخارجيّة الأميركيّ الأسبق هنري كيسنجر وحافظ الأسد هي التي كانت، ولا تزال الحاكمة في العلاقة بين واشنطن والعائلة الحاكمة. وهي التي أعادَت للأسد الأمل اليوم، فحرصَ أشدّ الحرصِ على إبقاء جبهة الجولان هادئة، وكأنّ شيئاً لا يحصل في المنطقة.

ولئن قال قائلٌ إنّ قذائفَ يتيمة تُطلَق بين الفينة والأخرى نحو مناطق خالية في الهضبة المُحتلّة، فهذا لا يعدو كونه تذكيراً لتل أبيب وواشنطن بأنّ الحارِسَ يقوم بمهمّته وهو يبحثُ عن ثمنٍ يقبضه بالسّياسة بعدَ انجلاء غُبار الحربِ في غزّة وجنوب لبنان والبحر الأحمر.

كذلك الحال إن سألَ سائلٌ آخر عن الصّواريخ والمُسيّرات التي تستهدف القوّات الأميركيّة في شرق وشمال شرق سوريا. فهُناك لا سلطة ولا ناقة ولا جمل للأسد. هُناك ساحة رسائل وتفاوض أميركيّة – إيرانيّة. الأسد يعلم ذلك. وواشنطن تعلم ذلك ومعها العالم بأسره. زِد أنّها تعلم أنّه لو كانَ الأمر بيد الأسد، لما حلّقَت حمامة فوقَ قواعدها من التّنف وصولاً إلى عين عيسى.

لكن ما هو الثّمن الذي يُريده الأسد؟

في الواقع فإنّ الأسد يُريدُ بعد هذه الحرب أن يقول للأميركيين: "أدّيت قسطي للعلياء والبيت الأبيض. وأثبتّ أنّني قادرٌ على ضمان أمن الحدود مع فلسطين المُحتلّة".

يبحثُ النّظام السّوريّ اليوم عن عدّة مكاسب سيحاول تحصيلها على وقع النّار المُشتعلة:

أوّلاً: يُراهنُ نظام دمشق على أنّ نيّة واشنطن الانسحاب من جاره العراق ستنسحبُ على القواعد في سوريا. وهذا يعني تمكين حكمه في الشّرق والشّمال الشّرقيّ عبر ميليشيات إيران التي ستُحاول ملأَ الفراغ الأميركيّ المُحتمَل.

ثانياً: يُريدُ من الأميركيين تخفيف القيود والعقوبات التي تلتفّ حول عنق النّظام وأوصلته إلى أسوأ أيّام حياته، من دون أن توجّه له الضّربة القاضية. ليسَ حبّاً بالنّظام، بل حبّاً بضمان أمن ربيبة واشنطن، أي تل أبيب.

يُدركُ النّظام السّوريّ أنّ الأيّام التي ستلي الحرب في غزّة لن تكونَ محصورة بإعادة رسم الخرائط السّياسيّة في جنوب الأراضي المُحتلّة، بل في المنطقة برمّتها

ثالثاً: بحسب المعلومات، يُنسّق النّظام السّوريّ مع طهران تخفيف وجود مُستشاري ومُقاتلي الحرس الثّوريّ في سوريا في حال انسحبَت أميركا واستتبّ الأمرُ له في دير الزّور والرّقّة والقامشليّ والحسكة. إذ يعتبر أنّ تخفيف الوجود الإيرانيّ سيسمحُ بانفتاحٍ غربيّ ولو جزئيّ على النّظام بعد نجاحه في حماية حدود إسرائيل. كما يُعتقد أنّ ذلك من شأنه أن يوسِّعَ من التّواصل العربيّ مع دمشق من السّياسة نحوَ الاستثمار والاقتصاد.

رابعاً والأهمّ: يُدركُ النّظام السّوريّ أنّ الأيّام التي ستلي الحرب في غزّة لن تكونَ محصورة بإعادة رسم الخرائط السّياسيّة في جنوبي الأراضي المُحتلّة، بل في المنطقة برمّتها. سوريا هي واحدة من هذه السّاحات التي ستشهد إعادة رسم الخرائط، ويُحاول قدر الإمكان أن يحصرَ أو يُقلّل من خسائره السّياسيّة، بل تحصيل المكاسب التي ورَدَت أعلاه.

فبعدَ أن قدّمَ، أو حاول تقديم نفسه مُحارباً لتنظيم داعش أو ما يُعرَف باسم "الإرهاب". ها هوَ اليوم يعيدُ تجديدَ العقد بينه وبين واشنطن بصفته ضامنَ أمن إسرائيل في الجولان، وأنّ ما حصلَ يوم معركة طوفان الأقصى في غزّة، لن يكون من سوريا أبداً، ولا حتّى أقلّ من ذلك بكثير.

كما صارَت قناعة راسخة في موسكو عنوانها أنّ الوجودَ الإيرانيّ في سوريا هو "مغناطيس" الضّربات الإسرائيليّة التي من شأنها زعزعة النّظام، وبالتّالي صارَ النّفوذ الإيرانيّ، أقلّه العلنيّ، محطّ النّقاشِ في المرحلة المُقبلة..