عودة ميشال سماحة وإلياس المر: ما وراء الأكمة؟

2024.05.20 | 06:09 دمشق

المر وسماحة
+A
حجم الخط
-A

الإعلان عن عودة ميشال سماحة وإلياس المر، بما يمثلان حاضراً وسابقاً، إلى العمل السياسي المباشر في لبنان، بعد غياب دام أكثر من عقد من الزمن، له ما بعده. لا شكّ هو حصيلة مراجعة سورية دقيقة وقراءة جديدة للمشهد اللبناني، استعداداً لمرحلة ما بعد حرب غزة. فماذا وراء الأكمة؟

بُثَّت خلال الأيام والأسابيع الماضية، مقابلتان تلفزيونيتان مع شخصيتين سياسيتين لبنانيتين بارزتين، لهما دلالات سياسية كثيرة. المقابلتان ليستا عابرتين، إذ أفصح المتحدثان فيهما عن عودتهما لممارسة العمل السياسي المباشر في لبنان بعد انقطاع أو شبه انقطاع دام أكثر من عقد من الزمن.

ـ المقابلة الأولى كانت مع الوزير السابق ميشال سماحة، وهي الأولى له بعد خروجه من السجن إثر دخوله إليه بتهمة نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان لتفجيرها في شمالي البلاد، لإشعال فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين.

وسماحة اشتُهر بأنه رجل سوريا القوي في لبنان، وهو من أشدّ المدافعين عن النظام السوري على الصعيد الدولي ومن أبرز المسوّقين له والمنفّذين لسياساته والمشاركين في رسم خطوطها، إذ كان طوال سنوات من الدائرة الضيّقة المقرّبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد.

ـ أما المقابلة الثانية فكانت مع الوزير السابق ونائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني سابقاً إلياس المر، وهي الأولى له منذ زمن طويل كان فيه حاضراً غائباً عن المشهد السياسي اللبناني لانشغاله برئاسة الإنتربول طوال عقد كامل من الزمن.

والمرّ هو نجل الحليف المسيحي التاريخي لسوريا ووزير الداخلية ردحاً من الزمن في الحكومات اللبنانية المتعاقبة في عزّ الوجود السوري بلبنان، وهو مهندس غالبية الانتخابات النيابية التي أُجريت زمن وجودها وكرّستها لاعباً أولاً وأخيراً فيه ونيابةً عنه.

تجمع بين هاتين الشخصيتين قواسم مشتركة كثيرة، فهما:

  • سياسيان من المتن.
  • مسيحيان لكن غير مارونيين؛ الأول ينتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك والثاني إلى طائفة الروم الأرثوذكس.
  • كانا طوال فترة الوجود السوري في لبنان من أركانه ومن أبرز أدواته السياسية مسيحياً ولبنانياً، ومن أبرز المستفيدين منه.
  • يعلنان بوضوح انتماءهما إلى المحور الذي يشكّل النظام السوري طرفاً بارزاً فيه.
  • يعودان بعد انكفاء عن العمل السياسي المباشر منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان وانهيار النظام الأمني اللبناني السوري المشترك.
  • تولّيا مناصب وزارية زمن الوجود السوري في لبنان ولعبا أدواراً مهمةً لصالحها.

لا شكّ ستترتب على عودتهما مفاعيل سياسية، خصوصاً لناحية الوزير المرّ، فهو في المتن رقم صعب، وغيابه لا يشبه البتة غياب سماحة. غيابه كان بملء إرادته وللعمل خارج البلد غير بعيد عن الأمن والسياسة، بينما كان غياب الثاني ناتجاً عن "غلطة شاطر" وعن فعل مشين أُدين عليه وحوكم وسُجن.

عودتهما هذه تطرح أسئلةً كثيرة خصوصاً لناحية توقيتها. فهي تأتي في عزّ الحرب المشتعلة في المنطقة ومحورها حرب إسرائيل على غزة، وهي الحرب الذي يتصدّى لها المحور الذي يؤيده المرّ مواربةً وسماحة مباشرةً. لا شكّ أنهما ليسا فاعلين في الحرب، لكن عودتهما ترتبط أكثر بما بعدها. وما بعدها سيشهد بناءً على تجارب سابقة كثيرة، إعلان انتصار هذا المحور، وتالياً تقريش هذا النصر، أياً كانت نتائج الحرب وآثارها. هذا على الصعيد الإقليمي.

أما على الصعيد الداخلي اللبناني، فيبدو أن أدوات النظام السوري في لبنان خلال العقدين الماضيين، وعلى رأسهم التيار الوطني الحرّ، لم تأتِ بنتائج تُذكر، ولم تحقق استقراراً لسوريا في لبنان يريحها ويعيد إلى يديها ورقةً كانت ذات عقود رافعةً سياسيةً لها عربياً وإقليمياً ودولياً.

زمن ميشال سماحة والراحل ميشال المر ثم نجله إلياس، كانت سوريا أقوى في لبنان وخارجه. زمن الحلفاء التاريخيين كان زمن سوريا الذهبي في لبنان. في زمن التيار الوطني الحرّ والحلفاء الجدد بدت ضعيفةً، وبلا وزن يُذكر.

تشي عودة سماحة المرّ باستعداد المحور لمرحلة جديدة تلي حرب غزة، يكون لأطرافه فيها، وعلى رأسهم سوريا، دور أكبر وإن تولّاه مباشرةً غيرها، حزب الله على سبيل المثال.

سوريا في المتن

في مقابلته، عرض سماحة وجهة النظر السورية منذ ما قبل الأحداث السورية، وهي على ما يقول أثبتت الوقائع صحتها وصوابيتها. المرّ أيّد حزب الله قلباً وقالباً صراحةً ودون مواربة، وأعلن تأييده مرشح المحور ومرشح سوريا البارز وحلفائها لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية.

الأول (سماحة) وعد بمقابلات تلي مقابلته الأولى سيعلن فيها كل شيء، واتهم مسؤولاً سعودياً بارزاً بتلفيق ما جرى له ومعه. الثاني (المر) وعد بـ"حركة الجمهورية" وهي تيار سيطلقه قريباً كما أعلن، وساحته الرئيسية وملعبه الأساسي المتن.

سماحة يتسلّح بكاثوليكيته وعلاقات دولية قوية اشتهر بها من فرنسا إلى الفاتيكان بالإضافة إلى علاقته المتينة والتاريخية برأس النظام السوري بشار الأسد وأمين حزب الله حسن نصر الله اللذين شكرهما جزيل الشكر لوقوفهما بجانبه وجانب عائلته.

تفصح هاتان العودتان عن استعداد المحور لمرحلة ما بعد غزة، وعن تهيئته لرموز تاريخية للعب دور ما، في زمن نصره القادم على أشلاء آلاف الضحايا وعلى دمار عميم لم يُبقِ حتى اللحظة ولم يذر..

المر تحدث عن علاقة تاريخية جمعت والده بالرئيس الراحل حافظ الأسد لا يمكن إلا أن تستمر وتبقى كما أوحى بذلك وقال صراحةً. وهو يتسلّح بأرثوذكسيته، وقد تحدّث عن غبن لحق بطائفته الكبيرة عددياً في الإقليم، والمؤسِسة في لبنان، التي يحاول كثر الاستئثار بمناصبها ومقاعدها النيابية والوزارية والسياسية.

وعليه تفصح هاتان العودتان عن استعداد المحور لمرحلة ما بعد غزة، وعن تهيئته لرموز تاريخية للعب دور ما، في زمن نصره القادم على أشلاء آلاف الضحايا وعلى دمار عميم لم يُبقِ حتى اللحظة ولم يذر، بشكل خاص مسيحياً وقد اشتهر سماحة بترويجه للنظام السوري بوصفه حامي الأقليات الدينية في المنطقة.

تفصح العودتان أيضاً عن فشل الرهان السوري تحديداً على قوى وشخصيات بارزة وعلى تيار بقضّه وقضيضه يقف اليوم عائقاً دون وصول الحليف السوري الأول مسيحياً وتاريخياً، سليمان فرنجية، إلى سدة رئاسة الجمهورية. ولهاتين العودتين نتائج ستظهر للعيان قريباً مسيحياً، أو هكذا يراد منهما. يحدث هذا بينما الموارنة غارقون في الصراع على منصب رئاسة الجمهورية، وهو صراع يتجدد كل ست سنوات ويأكل من رصيدهم ودورهم ووجودهم، لكنه هذه المرة قد يأتي بنتائج كارثية أو هكذا تشي هاتان العودتان.