استحقاقات عاجلة في ضوء الكارثة

2023.02.11 | 06:03 دمشق

استحقاقات عاجلة في ضوء الكارثة
+A
حجم الخط
-A

يواجه السوريون اللاجئون في تركيا، خاصة النازحين من الولايات التركية المتضررة بنكبة الزلزال إلى ولايات أخرى بعد أن صار العيش في ولاياتهم السابقة مستحيلا بالنظر لحجم الدمار في المساكن والبنى التحتية، أوضاعا مستجدة تزيد من تعقيد أوضاعهم القانونية المعقدة أصلا، ومن المهم جدا بعد أن تبرد الجراح وتنتظم أعمال المؤسسات الحكومية المختلفة التي تجيّر كل مواردها ومجهوداتها لمواجهة استحقاقات الزلزال التي تأخذ بطبيعة الحال الأولوية القصوى في سلم أولويات عملها.

في مقدمة هذه الاستحقاقات العاجلة التي يتعين على رئاسة الهجرة التركية العمل عليها بالتعاون مع الوزارات المختصة هو قوننة وجود السوريين النازحين من ولاياتهم في الولايات الجديدة التي نزحوا إليها، وبالتالي إصدار (بطاقات حماية) جديدة لهم عن تلك الولايات، وهذا يستدعي بالضرورة إلغاء قرار إغلاق الأحياء التي يعيش فيها الأجانب ومنهم السوريون بنسبة 20% من عديد سكانها حتى يتمكن هؤلاء من إيجاد مساكن لهم يستطيعون من خلالها تثبيت قيودهم في تلك العناوين، تتيح لهم إمكانية إدخال خدمات الماء والكهرباء والغاز والإنترنت لمساكنهم الجديدة حيث إن تلك المؤسسات لا تقوم بإدخال خدماتها ما لم يتم تثبيت عنوان المقيم في تلك المساكن في دوائر النفوس والهجرة.

المدة بالتأكيد غير كافية لإعادة إعمار المناطق المتضررة بما يسمح بعودة هؤلاء لولاياتهم.. كما أن تلك المدة لن تتيح لهؤلاء إمكانية استئجار مساكن جديدة

إن إصدار رئاسة الهجرة قرارا يتيح للسوريين ممن هم تحت الحماية مغادرة ولاياتهم المنكوبة إلى ولايات أخرى من دون إذن سفر ولمدة 90 يوما شريطة الحصول على ذلك الإذن من دائرة الهجرة في الولاية الجديدة خطوة إجرائية جيدة، ولكنها بالتأكيد ليست كافية، حيث من المعلوم أن تلك المدة بالتأكيد غير كافية لإعادة إعمار المناطق المتضررة بما يسمح بعودة هؤلاء لولاياتهم.. كما أن تلك المدة لن تتيح لهؤلاء إمكانية استئجار مساكن جديدة لأن المؤجرين يطلبون إيجار ستة أشهر أو سنة، ويجب توثيق عقد الإيجار لدى كاتب العدل (النوتير) وأن يكون المأجور خارج الأحياء المغلقة على الأجانب، ودون كل ذلك عثرات وعقبات لا يمكن تجاوزها منها أن بطاقة الحماية التي سيبرم بها عقد الإيجار صادرة عن ولاية أخرى، ومنها أنه غير مسموح له أصلا البقاء أكثر من 90 يوما في الولاية، وحتى لو تجاوزنا كل ذلك فمؤسسات خدمات الكهرباء والماء لن تدخل خدماتها لمسكنه لنفس السبب، أو أنه سيضطر لاستئجار مسكن يتحمل فيه مالكه إبقاء عدادات الماء والكهرباء على اسمه – وهي حالات نادرة – لكن سيبقي المستأجر تحت ضغط وابتزاز المؤجر ما لم يدفع المبالغ التي يقررها المؤجر نظير تلك الخدمات، والتي غالبا لن تكون مماثلة لما يستهلكه المستأجر وعند امتناعه سيقطع عنه المؤجر تلك الخدمات.

المشكلات الأخرى التي يواجهها هؤلاء هي خدمة العناية الصحية حيث من المعروف أن الشخص يتلقى العلاج في مشافي ولايته المقيد فيها – باستثناء الحالات الإسعافية الطارئة – وهذا سيجعل المشافي العامة ترفض تقديم الخدمات الصحية لهؤلاء بالنظر لأن قيودهم في ولايات أخرى كما سيحرم هؤلاء من إمكانية صرف الأدوية المجاني لنفس السبب.

ما ينطبق على الخدمة الصحية سينسحب حاله على التعليم ونقل قيود وتسجيل الطلاب في المدارس بالولايات الجديدة وغالبا لن تقبل المدارس في الولايات الجديدة تسجيل الطلاب السوريين الوافدين إليها من ولايات أخرى.

في سياق آخر أيضا ثمة اليوم آلاف من السوريين نزلاء مراكز تجميع للاجئين المقرر ترحيلهم وجاء هذا الحدث ليعيد طرح السؤال عن مصيرهم.. فلا يجوز في ظل تلك الكارثة التي امتدت لتشمل معظم مدن وبلدات الشمال السوري لا يجوز ترحيلهم إليها وبالتالي يتعين إطلاق سراحهم بشكل عاجل وإعادة قوننة أوضاعهم وتفعيل حالة الحماية المؤقتة التي كانوا يتمتعون بها.

من أولى المهام المستعجلة التي يتعين القيام بها هي الكشف على المباني في المناطق المتضررة من قبل لجان فنية – هندسية وإفراغ الآيل منها للسقوط من قاطنيها، وتدعيم ما يمكن تدعيمه

أما على الضفة الأخرى.. في مناطق الشمال السوري المنكوبة فمن الواضح أن معظم المباني المتضررة هي حديثة البناء بمعنى أنها بنيت خلال العقد الأخير وغالبا دون أية مراعاة للشروط الفنية والهندسية اللازمة سواء لجهة صلاحية التربية للبناء أو لجهة استيفاء الاحتياجات اللازمة للبناء من الحديد والمجبول البيتوني أو المقاومة للزلازل، وغالبا لم تكن تحت إشراف مهندسين مختصين وهذا يفسر سرعة انهيارها ما يلقي المسؤولية على عاتق السلطات والمجالس المحلية التي سمحت بالبناء دون التنسيق مع نقابة المهندسين الأحرار وتحت إشرافها، وهو ما يجب تلافيه بشكل عاجل في أي مشاريع بناء قادمة وعدم ترك الحبل على غاربه لكل من أراد البناء سواء للتجارة أو لخدمة النازحين أن يفعل ذلك بلا حسيب أو رقيب.. كما سيكون أيضا من أولى المهام المستعجلة التي يتعين القيام بها هي الكشف على المباني في المناطق المتضررة من قبل لجان فنية – هندسية وإفراغ الآيل منها للسقوط من قاطنيها، وتدعيم ما يمكن تدعيمه.

هذه المحنة التي خلقت مساحة للتعاطف والتآخي ونبذ الخصومات الصغيرة بالتأكيد تمثل درسا جديدا مرتفع الثمن يضاف إلى ما خبره وتعلمه السوريون خلال العقد الأخير، وما لم تشكل تلك المحنة إضافة جديدة لنا فنحن آفلون ومنقرضون لا محالة.