اختناق اللاجئين السوريين

2023.08.27 | 05:59 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2023 | 05:59 دمشق

اختناق اللاجئون السوريون
+A
حجم الخط
-A

لطالما كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان خاصرة ضعيفة للتأثيرات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية نظرا لأوضاع المخيمات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وانتشار الجريمة والمجموعات المسلحة داخلها. فمقابل السماح التاريخي للمخيمات باقتناء السلاح تحضيرا لمقاومة إسرائيل سحب من المخيمات الحق في الحياة الكريمة عبر إهمال تام من الدولة اللبنانية لهم واعتبارهم مناطق أشبه بالحكم الذاتي المنفصل عن لبنان، فيكتفي لبنان وأجهزته الأمنية بمحاولة فصل ما يحدث في المخيم عن خارجه.

هذا المزيج بين العزلة وحصار المخيمات اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وانتشار السلاح فيها جعلها مؤخرا عرضة للتنافس السياسي والأمني بين المحاور الإقليمية وممثليها في المخيمات. فقد اندلعت المعارك في مخيم عين الحلوة- المعروف "بعاصمة الشتات"- واستمرت لنحو أسبوعين وتسببت بإعادة ملف المخيمات وسلاحها الى الواجهة وتهجير عدد كبير من سكان المخيم المدنيين والذي ينتابهم الخوف حتى الآن من العودة للمخيم نظرا لإمكانية اندلاع المعارك من جديد في أي لحظة.

انتشرت التحليلات لأسباب ونتائج هذه المعارك على الداخل اللبناني والفلسطيني وعلى الدينامية الإقليمية للمحاور المتنازعة ودورها في معارك المخيم. فمن المستفيد ومن الفائز ومن الخاسر ومن أطلق الرصاصة الأولى واغتال "العرموشي" وما هو دور إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية اللبنانية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها ظلت عرضة للتأويلات والاستنتاجات دون معلومة دقيقة وحاسمة غير اليقين بأن هذه الأحداث تعمق الجرح الفلسطيني في لبنان والعالم.

على المقلب الآخر، وفي خضم هذه المعارك توجهت الأنظار نحو مخيمات اللاجئيين السوريين وتجمعاتهم في لبنان. ففي منطقة تعج بالاتفاقات ومعارك النفوذ يعتبر كثيرون أن المخيمات وتجمعات الاجئين السوريين في لبنان هي ورقة مهمة في هذا المشهد لذلك خرج عدد من الصحفيين معروفي التوجه للقول بأن اشتباكات المخيمات الفلسطينية تفتح شهية التنظيميات الإرهابية بين اللاجئين السوريين. إن هذه التحليلات تعتبر جزءا من التوجه العام القادم في لبنان.

يتخوف حزب الله من مختلف المخيمات ويسعى لضبطها والإمساك بها عبر دعم مجموعات داخلها (كما في الحالة الفلسطينية خاصة) أو عبر التهويل والتخويف ومحاولة حشد الرأي العام اللبناني في اتجاه خطر اللاجئين السوريين

فمن المعروف أن أي اتفاق لبناني قادم برعاية دولية سيكون حزب الله أول المعنيين فيه وهو الذي يبدي دائما قلقه من السلاح "السني" أو إمكانية أن يكون هناك سلاح "سني" يشكل خطرا عليه. من المعروف أن المقصود هنا بشكل أدق المخيمات الفلسطينية والسورية.

يتخوف حزب الله من مختلف المخيمات ويسعى لضبطها والإمساك بها عبر دعم مجموعات داخلها (كما في الحالة الفلسطينية خاصة) أو عبر التهويل والتخويف ومحاولة حشد الرأي العام اللبناني في اتجاه خطر اللاجئين السوريين، وبالتالي تحضير الجمهور اللبناني لتأييد أي عمل اتجاههم تحت أي حجة كانت. فالحزب يدعي بأن هناك مجموعات "إرهابية" بين اللاجئين السوريين في لبنان، وبالتالي يطالب الخارج والداخل بضبط المخيمات والسيطرة عليها بالتنسيق معه. لكن القلق الحقيقي هو أن تكون هذه الحجج بوابة للانقضاض على المخيمات السورية بدعم داخلي-خارجي بعد تحضير الأرضية اللبنانية الشعبية ومقابل اتفاقات بين أصحاب المصالح والنفوذ.

طبعا من المعروف أنه من السهل على الأجهزة الأمنية اختلاق المجموعات الإرهابية لتنفيذ أي خطة مرسومة. ففي هذا الإطار تحضر معركة نهر البارد في الشمال اللبناني عام ٢٠٠٧ والتي أفنت المخيم للقضاء على مجموعة فتح الإسلام الإرهابية. لكن الغريب في تلك المعركة هو اختفاء زعيم فتح الإسلام "شاكر العبسي" وعدم العثور عليه حتى اليوم بل اندثار الحديث عنه أو محاولة القبض عليه سريعا.

الخوف هو من تكرار تلك التجربة في لحظة معينة تشعر فيها بعض الأجهزة بأنها بطاقة مفيدة لتقديم أوراق اعتماد لهنا أم هناك.

لا يختلف واقع اللاجئين في لبنان عن تركيا من جهة النظرة الرسمية إليهم كأوراق سياسية تستخدمها الأجهزة عند الحاجة. فالهجمات العنصرية على اللاجئين في تركيا ملحوظة بشكل صارخ في ظل غياب الرادع الرسمي الذي كان حاضرا في سنوات خلت. لكن تغير الظروف السياسية والأولويات جعلت الدولة التركية تخفف من حملاتها لمجابهة العنصرية وهو ما اعتبر سماح غير مباشر لهذه الموجات المرافقة لتغيير السياسة التركية وتقاربها مع النظام في سوريا، ومحاولة العودة لسياسة الانغلاق والتركيز على الشؤون الداخلية وإرضاء الجمهور الناخب بأي ثمن ومحاولة مد الجسور مع مختلف القوى الإقليمية والدولية بهدف إنعاش الاقتصاد التركي.

لا معارضة صلبة تدافع عن السوريين ولا قيادة رسمية بطبيعة الحال، والسعي كل السعي هو لمحاولات الخلاص الفردي والدعاء بأن تصب المصالح الدولية في مصلحة الشعب السوري أو على الأقل ألا تتفق القوى على سحقه

من حسن حظ السوريين أن الولايات المتحدة لا تزال حتى الساعة ترفض التطبيع مع النظام السوري، وهو ما خفف من الاندفاعة العربية والتركية نحو النظام وحتى التفاهم بين الأمم المتحدة والنظام السوري تعثر. إشكالية كل ما سبق من واقع اللاجئين السوريين هو أنهم عرضة للاستغلال والتشويه وعرضة للتهجير القسري مرة ثانية في ظل غياب الممثل الحقيقي عنهم وعن قضاياهم في مختلف الدول المحيطة بسوريا، وطبعا غياب اهتمام النظام فيهم وهو الذي يعتبرهم أعداءه. وحتى من يدعم النظام السوري من اللاجئين والذين ظهروا في العمليات الانتخابية التي حصلت سابقا في لبنان على سبيل المثال والتي أظهرت تأييدا واسعا من بعض اللاجئين للأسد- ترهيبا أم عن طيب خاطر- فحتى هذه الفئة غير مرغوب بعودتها إلى سوريا من قبل النظام ولا يعني النظام بتاتا الدفاع عنها لأن مصلحته مع حزب الله أكبر بكثير، ولأن همه الأول هو البقاء في السلطة بغض النظر عن الشعب وواقعه في سوريا وخارجها. فلا معارضة صلبة تدافع عن السوريين ولا قيادة رسمية بطبيعة الحال، والسعي كل السعي هو لمحاولات الخلاص الفردي والدعاء بأن تصب المصالح الدولية في مصلحة الشعب السوري أو على الأقل ألا تتفق القوى على سحقه. وهذه أمنيات الغريق الذي لا يجد سوى القشة للتعلق بها.