icon
التغطية الحية

إيكونوميست: كيف تستعين روسيا بالممرات الإنسانية ووقف إطلاق النار كأدوات للحرب؟

2022.03.31 | 17:46 دمشق

الباصات الخضراء: رمز الإخلاء والتهجير القسري في سوريا
الباصات الخضراء رمز الإخلاء والتهجير القسري في سوريا
إيكونوميست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بالنسبة للسوريين الذين يراقبون روسيا وهي تشن حربها على أوكرانيا، حملت الأسابيع القليلة الماضية إحساساً بشعاً بشيء سبق لهم أن شهدوه وعاشوه، فصور المدنيين الذين يتعرضون للحصار، ومشاهد المدن المدمرة، ذكرتهم بما جرى في الحرب التي عصفت ببلادهم، والتي لعبت فيها روسيا دوراً محورياً. كما شاهد السوريون حالة تشابه صارخة مع ما جرى معهم، وذلك في مطلع شهر آذار، عندما اقترحت روسيا فتح "ممرات إنسانية" لتأمين مخرج لسكان المناطق المحاصرة، والتي تشمل مدينة ماريوبول في جنوب شرقي البلاد، التي بقي فيها مئات الآلاف من الناس محاصرين. بيد أن تلك الممرات قد تفضي إلى منطقة معادية، تصل إلى روسيا نفسها أو إلى بيلاروسيا المتحالفة معها. وهذا ما دفع بعض السوريين للتساؤل بكل سوداوية حول ما إذا كانت روسيا ستأتي بقافلة من الحافلات الخضراء، كما فعل النظام في سوريا، حيث تحولت تلك الحافلات إلى رمز لعمليات الإخلاء التعيسة التي تجري في زمن الحرب. ولكن، كيف استخدم النظام السوري وحليفته روسيا تلك اللفتات الإنسانية لدعم جهود الحرب، وهل يمكن لذلك أن يتكرر في أوكرانيا؟

سياسة "الجوع أو الركوع"

نظرياً، تخفف الهدنات المؤقتة والممرات الإنسانية من الضغط الواقع على السكان المحاصرين، حيث يوافق المقاتلون على وقف القتال في منطقة معينة، مع تحديد ممرات يمكن من خلالها للمساعدات أن تدخل أو للمدنيين أن يغادروا (أو كلا الأمرين أن يحدثا). إلا أن هذين الأمرين تحولا إلى سمة دائمة خلال الحرب السورية، التي عاشت خلالها المدن والقرى الثائرة حالة حصار لفترة طويلة من الزمن، ضمن سياسة سماها جنود بشار الأسد بسياسة "الجوع أو الركوع"، في حين أمضى دبلوماسيون أجانب ومسؤولون أمميون ساعات طويلة للتفاوض بشأنها.

بيد أن الواقع أشد قتامة وحلكة، وذلك لأن المدنيين وقوافل المساعدات تعرضوا للاستهداف في معظم الأحيان، إذ أطلقت قوات النظام النار على أول قافلة كان من المقرر أن تغادر حلب المحاصرة في كانون الأول 2016، بالرغم من أنها كانت تحمل مدنيين مصابين. وبعد يوم على ذلك، أخرجت القوات التابعة للنظام الرجال والشبان من حافلات التهجير وأطلقت عليهم النار في قارعة الطريق. كما تعرضت شحنات المساعدات للقصف مرات عديدة، سواء على يد طائرات تابعة للنظام أو لروسيا.

الإخلاء

بعد النجاح الذي أسفرت عنه عمليات التهجير، أتى النظام ليستفيد، حيث تم نقل المدنيين الهاربين من الأماكن التي تعرضت للحصار بوساطة تلك الحافلات الخضراء في معظم الأحيان، لذا نقل بعضهم للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وهذا ما منحه قائمة جديدة من المجندين تضم آلاف الرجال الذين أجبروا على تأدية الخدمة العسكرية، في حين منح آخرون حق الخروج بلا عودة إلى مناطق الثوار التي أخذت تتقلص يوماً بعد يوم، وبذلك تم جمع كل الأشخاص غير المرغوب بهم في سوريا ضمن منطقة واحدة. وبالمقابل، يخضع السكان في إدلب، لسيطرة هيئة تحرير الشام، إلا أن عدد سكان إدلب تضاعف ليصل إلى ثلاثة ملايين نسمة، أي إنه بلغ ثلاثة أضعاف تعداد سكان تلك المحافظة قبل الحرب. وبذلك سهلت عمليات التهجير التي جرت على نطاق واسع عملية استعادة المناطق المضطربة والسيطرة عليها، إذ ترتب على عملية تهجير الغوطة الشرقية في عام 2018، وهي منطقة قريبة من دمشق، إفراغ مدن كاملة من سكانها، إلا أن النظام سرعان ما انقض على تلك المناطق ليفرض وجوده فيها من جديد، ولينتزع الأراضي والممتلكات من أصحابها السوريين الذين رحلوا مع الراحلين.

هدنة وقف إطلاق النار

منحت تلك اللفتات الإنسانية روسيا والنظام أسلوباً لإدارة ساحة المعركة، إذ بعدما جوبهت قوات النظام بثورة عارمة عمت جميع أرجاء البلاد، لم يعد بوسعها تحمل القتال على جميع الجبهات، ولهذا سمحت لها الهدنات المحلية بتجميد النزاع في مناطق معينة إلى أن تصلها تعزيزات من الجنود فيعود للسيطرة عليها وانتزاعها من جديد. ففي دراسة أجراها باحثون لدى معهد أبحاث السلام في أوسلو عام 2021، تبين أن النظام قد أعلن عما لا يقل عن 30 هدنة لوقف إطلاق النار من جانب واحد خلال الحرب.

في شباط 2016، بعد مرور خمسة أشهر على دخول روسيا الحرب السورية، وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على هدنة لوقف إطلاق النار في سوريا، واستثنيت منها الجماعات التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية. وقد استمرت تلك الهدنة لمدة شهرين على الأكثر، ما منح النظام وروسيا مجالاً للتنفس ولاستعادة السيطرة على مدينة تدمر الواقعة في المنطقة الشرقية، والتي احتلها تنظيم الدولة في عام 2015، بعد ذلك وجهت كل منهما تركيزها واهتمامها نحو حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، والتي تقاسمت المعارضة السورية مع النظام السيطرة عليها طوال سنوات عدة. وفي تموز أعلن كلا الطرفين عن هدنة لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر عقب شهر الصيام في رمضان، إلا أن النظام نكث بوعوده كما هو ديدنه، وذلك عندما استغل عطلة العيد ليشن هجوماً على طريق الكاستيلو، الذي كان شريان الإمداد الوحيد الذي يصل إلى منطقة سيطرة المعارضة بحلب.

يصارع الجيش الروسي في أوكرانيا، كما هي حال جيش الأسد في سوريا، بقواته المنهكة شعباً يرفضه بكل الأشكال، فقد أفضت المحادثات بين روسيا وأوكرانيا إلى إنشاء ممرات إنسانية في تسع مدن وقرى يمكن للمدنيين أن يهربوا من خلالها، إلا أن إقامة تلك الممرات تحولت إلى مهمة أصعب في ماريوبول، إذ ذكر أحد مستشاري رئيس بلدية تلك المدينة في 27 آذار أنه تم إخلاء آلاف القاطنين في تلك المدينة وإخراجهم إلى منطقة دونيتسك التي تقع تحت السيطرة الروسية، ومن ثم تم نقلهم إلى روسيا، إذ يبدو أن روسيا تتوق لاستخدام اللفتات الإنسانية في أوكرانيا للأغراض نفسها التي استخدمت من أجلها تلك الأمور في سوريا.

المصدر: إيكونوميست