icon
التغطية الحية

أرض قاحلة.. قطع منظّم للأشجار بريف حلب يخلق تداعيات كارثية | صور

2023.10.15 | 13:15 دمشق

أرض قاحلة.. قطع منظّم للأشجار بريف حلب يخلق تداعيات كارثية
غياب الغطاء الأخضر في بحيرة ميدانكي بريف عفرين بسبب التحطيب الجائر - تلفزيون سوريا
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

كانت بلدة ميدانكي بريف عفرين شمالي حلب مقصداً لعموم سكان شمال غربي سوريا، بهدف التنزه، خاصة في فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن من يقصدها حديثاً لن يجد حالها كما كانت عليه من قبل، إذ باتت الأرض المحيطة بالبحيرة هناك، قاحلة، مع غياب الظل الذي كانت توفره الأشجار المتنوعة، في منظر بائس أنتجته سياسة ممنهجة لقطع الأشجار في المنطقة تتغذى على صمت وعجز وتواطؤ، أو ربما تنفيذ الجهات العسكرية والمدنية لهذه الجريمة بحق البيئة.

جذور الأشجار المغروسة في الأرض تشهد على الحياة التي تم طمسها بفعل فاعل، وبينما تنظر الأعين للأرض القاحلة الممتدة في الأفق، يتبادر سؤال للأذهان، من يقف وراء هذه السياسة الممنهجة لقطع الأشجار، والقضاء على المساحات الخضراء في شمالي حلب؟ وما دور السلطات المحلية في حماية البيئة ومحاسبة القائمين على عمليات القطع، بالرغم من عشرات القرارات الرسمية التي تحذر من ذلك؟

صور تظهر حجم "الكارثة"

رصد موقع تلفزيون سوريا قطع مئات الأشجار في محيط بحيرة بلدة ميدانكي التابعة إدارياً لمدينة عفرين بريف حلب الشمالي، والخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري.

وأظهرت صور حصرية قطع الأشجار وفق سياسة ممنهجة ومنظمة، إذ طالت أحراشاً كاملة، ما يدل على أن الأشخاص القائمين على عمليات القطع، يعملون بأريحية وشعور مسبق بعدم المحاسبة أو الملاحقة الأمنية.

ولتبيان حجم الكارثة، قارن موقع تلفزيون سوريا بين صور حصرية التقطت في شهر نيسان/أبريل من العام الماضي، تُظهر مئات الأشجار في محيط بحيرة ميدانكي، وبين صور التقطت حديثاً تُظهر المواقع نفسها.

وتركزت المقارنة بين الصور على أربعة مواقع محددة في ميدانكي، ويظهر بوضوح في الصور الحديثة، أن الأشجار التي كانت في الأحراش والمواقع الظاهرة في الصور قبل نحو عام ونصف من الآن، لم يعد لها أثر.

من يقف وراء عمليات القطع؟

تخضع بلدة ميدانكي لسيطرة الجيش الوطني السوري، وغيره من المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، كالشرطة العسكرية.

وتوجه موقع تلفزيون سوريا بعدد من الأسئلة لمدنيين يقطنون في ميدانكي عن الجهات التي تقف وراء قطع الأشجار، إلا أن جميعهم أعربوا عن خشيتهم من الإجابة خوفاً من الملاحقة الأمنية، وفي الوقت نفسه، أكدوا أن المدنيين لا يجرؤون على هذا الفعل.

وعند سؤال أحد مسؤولي وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عن هذه التجاوزات التي يصفها السكان بـ "الجريمة"، اكتفى بالقول إن الشرطة العسكرية أصدرت عدة قرارات بمنع قطع الأشجار ومحاسبة الفاعلين.

بدوره اقترح مسؤول آخر التواصل مع مدير إدارة الشرطة العسكرية العميد خالد الأسعد، كونه المسؤول المباشر عن متابعة هذا الملف، إلا أن "الأسعد" لم يجب عن الاستفسارات المتعلقة بقطع الأشجار، أو الإجراءات المتّبعة للحد من القطع.

وذكرت تقارير صحفية أن من يُدير عمليات الاحتطاب وقطع الأشجار حول بحيرة ميدانكي الواقعة على بعد 70 كيلومتراً من مدينة حلب، و12 كيلومتراً من مدينة عفرين، هم عناصر في "لواء شهداء السفيرة" التابع لـ"فرقة السلطان مراد"، ضمن الفيلق الثاني في الجيش الوطني، حيث يسيطر اللواء المذكور على المنطقة منذ آذار 2018، وكذلك حاول موقع تلفزيون سوريا الحصول على تعقيب من الفرقة، لكن لم يلق استجابة.

جريمة وتداعيات كارثية

قال الصحفي المختص بقضايا البيئة زاهر هاشم، إنّ للأشجار أهمية كبيرة في توفير الهواء النقي، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي الحد من تغير المناخ، ومنع انجراف التربة والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتوفير بعض أنواع الغذاء مثل الفواكه والمكسرات، كما تنظم الأشجار تدفق المياه وتحسّن من نوعيتها.

ئءؤر
التحطيب الجائر في ريف عفرين

وذكر هاشم في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الأشجار تعتبر مورداً اقتصادياً مهماً يُستخدم في صناعة الأثاث المنزلي وصناعة الورق، ومصدراً للحصول على الطاقة المستخدمة في الطبخ والتدفئة في المناطق الريفية والجبلية.

وشدد على أن القطع الجائر للأشجار يعد جريمة بحق البيئة والمجتمع، إذ يحتاج ترميم المشهد البيئي وعلاج الأضرار الناجمة عن قطع الأشجار إلى وقت طويل للتعافي اعتماداً على عمر الشجرة وسرعة نموها واختلاف أنواعها والظروف البيئية، فقد تحتاج بعض الغابات إلى أكثر من 70 عاماً لاستعادة أشجارها والعودة إلى حالتها السابقة، لكن حتى مع بعض الأنواع السريعة والمتوسطة النمو، فإن مدة التعافي لا تقل عن 10 إلى 25 عاماً.

تشديد الرقابة

لفت هاشم إلى ضرورة تشديد المراقبة وتعزيز الحماية ونقاط المراقبة في مناطق الغابات وتزويدها بعناصر مدربة على التعامل مع الحرائق، إضافة إلى سنّ تشريعات لحماية الغابات ومنع الاحتطاب والرعي الجائر فيها، وفرض غرامات وعقوبات على المخالفين من خلال جهاز شرطة مخصص لمراقبة الغابات.

وأكد على ضرورة تعزيز عمليات التشجير على مستوى البلديات والوحدات الإدارية ومشاركة المجتمع المحلي في إعادة زراعة الأشجار في المناطق المتضررة من القطع أو الحرائق، ونشر الوعي بين السكان حول أهمية الأشجار وأهمية المحافظة عليها وتدريبهم على سبل الوقاية من حرائق الغابات وآليات التصرف الصحيح والإبلاغ عن أي انتهاك تتعرض له الثروة الحراجية.

ءؤرئ

قرارات لمنع قطع الأشجار

أصدرت حكومة "الإنقاذ" في إدلب قراراً، عام 2020، يقضي بمنع قلع أو قطع الأشجار تحت طائلة المساءلة القانونية، وكذلك عدم قطع الأشجار المثمرة إلا بعد التنسيق مع المديرية العامة للزراعة، وأخذ الموافقة المسبقة بهذا الخصوص.

وفي ريف حلب الشمالي، حذرت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني من قطع الأشجار، بينما اتخذت بعض الفصائل قرارات بتشكيل مكاتب حراجية لحماية الثروة النباتية، ومنع قطع الأشجار من الأحراش وكروم الزيتون.

ويحذّر مختصون من التهاون مع ظاهرة قطع الأشجار في الشمال السوري، وتأثير ذلك على البيئة والغذاء وكذلك الحيوانات على المدى البعيد، خاصة مع انحسار مساحة الأراضي الزراعية بفعل العمليات العسكرية الروسية في عام 2019، كما يوصون بإطلاق مشاريع تعنى بالزراعة والتشجير لزيادة المساحات الخضراء.