ورقة ملك الأردن السورية وماتريوشكا الروسية

2021.10.17 | 07:27 دمشق

191797.jpg
+A
حجم الخط
-A

تشبه ورقة ملك الأردن عبد الله الثاني للحل في سوريا الأوراق التي تقدمها المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، لإصلاح الأوضاع الاقتصادية في الدول التي تعاني من مصاعب مزمنة. وفي أغلب الأحيان، تمتاز أوراق المنظمات الدولية بالتعقيد والغموض، ولا يفهم منها سوى أنها تهدف إلى إعادة الهيكلة، ويضطر المعنيون للقبول بها، طالما أنها تقدم نفسها على أنها حاملة حلول، بغض النظر عن بقية التفاصيل.

وتتسم الورقة التي أسماها الملك الأردني اللاورقة بالعموميات المقصودة والمدروسة جيدا، وهي على غاية في البراعة، لجهة محو معالم الحالة السورية، وتجريدها من كل ما تحمله من أهوال ركبتها خلال عقد من الدم، وتقديمها على نحو بارد مقطوعة عن مسار كارثي، أسفر عن نكبة لم يعرفها شعب منذ نكبة فلسطين عام 1948، التي ترتب عليها تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإقامة دولة إسرائيل.

يردد الروس كل يوم منذ مؤتمر فيينا في نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، الذي جاء بعد تدخلهم بزمن قصير، أنهم لا يقبلون برحيل الأسد

لو قال الملك تعالوا إلى صلح عشائري، على طريقة "عفا الله عما سلف" كان يمكن فهم ما جاء في اللاورقة، أما وأنه كلف نفسه عناء السفر بين واشنطن وموسكو، وفي جعبته مشروع حل لم يأت به الآخرون، فإن ذلك يبعث على الغضب من هدر الوقت بلا هدف أو معنى، بعد أن سار على مسعى الحل مبعوثون دوليون منذ كوفي أنان وحتى غير بيدرسون، مرورا بالأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا. والثلاثة الأوائل انسحبوا من المهمة بعد الفشل في إقناع النظام وروسيا وإيران بحل سياسي للمسألة السورية، فهذه الدول الثلاث لا تبحث عن حل، بل تريد فرض الاستسلام على السوريين، كي يقبلوا بإعادة تأهيل بشار الأسد، من دون أي مساءلة عن الجرائم التي ارتكبها خلال عقد. ويردد الروس كل يوم منذ مؤتمر فيينا في نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، الذي جاء بعد تدخلهم بزمن قصير، أنهم لا يقبلون برحيل الأسد، ومن يطالب برحيله من السوريين سوف يدمرونه، وهذا ما حصل طيلة ستة أعوام مع القوى السورية المقاتلة.

حسابات موسكو ترى أن الأسد حصان رابح، ولم يحن الوقت للتخلي عنه في المدى المنظور، ولم يبق أمامها سوى جولة أخيرة من أجل تعويمه

الديباجة التي يقدمها الملك عبد الله تسير على خطين. استحالة رحيل نظام الأسد. وضرورة الحل السوري. وبالنسبة للغالبية السورية فإن هذين الخطين متوازيان، ولا يمكن أن يلتقيا، وبالتالي فإن العنوان الصحيح هو، استحالة الحل السوري من دون رحيل نظام بشار الأسد. أما سياسة الخطوة مقابل خطوة فقد تم تجريبها من قبل الإبراهيمي، وتعب المبعوث الدولي الحالي من الدوران حولها، وكلما اقترب من بداية الطريق وجد أمامه روسيا التي تعطل كل مسعى، وتربط التقدم بتنازلات من طرف المعارضة فقط، أما النظام فهو لم يتزحزح ويتقدم حتى نصف خطوة. ومن المعروف أن موسكو هي التي رفضت مبدأ المقايضة خطوة مقابل خطوة، بما في ذلك عروض سخية من بعض أطراف المنطقة التي كانت مستعدة لعقد صفقة مربحة مع روسيا مقابل رحيل الأسد، ولكن حسابات موسكو ترى أن الأسد حصان رابح، ولم يحن الوقت للتخلي عنه في المدى المنظور، ولم يبق أمامها سوى جولة أخيرة من أجل تعويمه، وهذه الجولة أقل كلفة بكثير من الجولات التي دارت من أجل إنقاذ نظامه من السقوط، وتدمير قوة المعارضة.

تحاول المعارضة السورية، ومن يدعهما إقليميا ودوليا، التعاطي مع الحل السياسي، وتحت الضغوط الروسية، وتراجع الدعم، قبلت بما هو أدنى ما يمكن، وأنفقت الأعوام الثلاثة الأخيرة وهي تجري وراء الأوهام الروسية التي لا تنتهي، وكلما شبعت من وهم فتحت موسكو شهيتها على سراب جديد. تكتيك يشبه تصميم الدمية الروسية المعروفة باسم "ماتريوشكا"، التي تكون أصغر دمية فيها طفل من خشب، وهو في هذه الحالة بشار الأسد أصل المشكلة.