هل من حلول للسوريين الذين ليس لديهم غير جنسيتهم السورية؟

2024.01.10 | 06:34 دمشق

كيف نسج السوريون حياتهم في أكبر مدينتين مصريتين؟ ـ AP
+A
حجم الخط
-A

منذ أيام يستخدم بعض المصريين وسماً على منصة "إكس/تويتر" يطالبون فيه بمقاطعة المحال السورية في مصر، بالتزامن مع بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تحرّض على اللاجئين ولا سيما السوريين على وجه الخصوص، ملقين على التجّار السوريين في مصر مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتحديدا أزمة العملة الصعبة وانتشار السوق السوداء لها، معتبرين أنّ هؤلاء التجار هم المتحكمون بسعر صرف الدولار في مصر، وهم المتاجرون بالسوق السوداء.

طبعاً هذه الحملة لم تلق رواجا كما اعتقد مطلقوها، إذ قوبلت بحملة مضادة من قبل مصريين أيضاً ومنهم إعلاميون وشخصيات عامة، ترفض هذا الخطاب وتطمئن السوريين في مصر.

مطلقو الحملة ضد المحال السورية، في الأغلب هم المصريون المتضررون من حملة المقاطعة بعد أحداث غزة، وهنا نتكلم عن مستثمرين مصريين ورجال أعمال من وكلاء علامات تجارية داعمة لإسرائيل طالب ناشطون مصريون بمقاطعتها، وقوطعت بالفعل من قبل شريحة واسعة جداً من المصريين، ما ترك أثرا سلبياً على وكلائها، وحملة المقاطعة ما تزال مستمرة، ما يعني المزيد من الخسائر لهؤلاء.

هذا ما يجعل من حملة مقاطعة المحال السورية في هذا التوقيت بالذات، موجهة ومنظمة، تهدف في الغالب، إلى تحويل النظر عن حملة المقاطعة للعلامات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا نوع من المعارك الاقتصادية التي تستخدم دائماً في الظروف المشابهة ويذهب ضحيتها الأطراف الأضعف، وعادة مَن يكون اللاجئون هم هذا الطرف الأضعف.

أظن أن السوريين في مصر وفي غيرها من الدول العربية والإقليمية اعتادوا هذا النوع من الحملات المضادة، وفي مصر تحديداً، باتوا يدركون أنها مؤقتة ولن تلقى رواجا في الشارع المصري، طالما ما زالت محصورة ضمن وسائل التواصل ولم تصل إلى الإعلام المرئي..

وفي الحالة المصرية هذه، سيتم استهداف السوريين ليس فقط لكونهم لاجئين، بل لأنهم اللاجئون الأكثر نشاطاً في التجارة من غيرهم من باقي الجنسيات في مصر.

لا بأس، أظن أن السوريين في مصر وفي غيرها من الدول العربية والإقليمية اعتادوا هذا النوع من الحملات المضادة، وفي مصر تحديداً، باتوا يدركون أنها مؤقتة ولن تلقى رواجا في الشارع المصري، طالما ما زالت محصورة ضمن وسائل التواصل ولم تصل إلى الإعلام المرئي (في العموم منذ انطلاق الوسم قبل ثلاثة أيام لم يتمكن مطلقوه من الوصول إلى 50 ألف مشاركة، وهو رقم قليل جدا بالقياس إلى عدد مستخدمي وسائل التواصل في مصر).

لكن أيضا، لا يمكن التغاضي عن شيء كهذا، ولا يمكن إبعاد التفكير بما يمكن أن تحدثه حملات مثل هذه لو تكررت بشكل متواتر، ولا يمكن لأحد معرفة ما سينتج عنها ولا معرفة ما ستكون عليه ردود فعل المصريين، ونحن هنا نتكلم عن شعوب يمكن توجيهها عبر الإعلام، حال كل شعوب المنطقة، وهو ما حدث فعلا للسوريين في مصر، عام 2013، حينما اعتمد الإعلام المصري خطاباً موحداً موجهاً ضد السوريين، معتبراً إياهم شركاء في تمكين الإخوان المسلمين من الحكم.

في ذلك الوقت، كنا -السوريين- في مصر، ضحايا لخطاب الكراهية والتحريض، وكان أغلبنا يشعر بالخوف من الوجود في الشارع أو في الأمكنة العامة إن كان لا يتقن اللهجة المصرية.

طبعاً، كشعب عاطفي، المصريون سريعو النسيان، عاد السوريون بعد مدة قصيرة ليكونوا أهل بيت لا ضيوفا ولا لاجئين؛ لكن طباعا كهذه لا يمكن الركون لها والاطمئنان إليها، إذ سرعان ما تتغير حسب التوجه العام للإعلام والسياسة، ما يعني أن السوريين حتى في مصر، البلد العربي الوحيد الذي يشعر فيه السوريون ببعض الاطمئنان، ليسوا آمنين تماماً، ووجودهم فيها مرهون بأمزجة السياسة والاقتصاد والإعلام، (على كف عفريت) كما نقول بالدارجة.

أما ما يجعل وضع السوريين في مصر أقل خطورة من وضعهم في تركيا أو لبنان أو الأردن، هو أن الكثير جداً منهم غير ممنوعين من العودة إلى سوريا، بل هم يقضون حياتهم بالتساوي بين سوريا ومصر، أو لنقل بوضوح: معظم هؤلاء من مؤيدي النظام، ولجؤوهم إلى مصر كان هربا من الحرب لا من النظام، لكن هناك شريحة كبيرة أيضا ممن فقدوا كل شيء في سوريا وهربوا خشية الاعتقال أو الموت، والكثير من الشباب قصدوا مصر هرباً من خدمة العلم، كي لا يكونوا قتلة أو مقتولين.

لنفترض مثلا أن الحكومة المصرية قرّرت، على غرار الحكومة التركية، ترحيل السوريين من مصر، أو لنفترض أن خطاب الكراهية ضد السوريين عاد بقوة، كيف سيكون مصير عشرات آلاف السوريين ممن لا يتمكنون من العودة إلى سوريا بسبب ملفاتهم لدى الفروع الأمنية أو بسبب فقدانهم لمنازلهم أو لأي سبب آخر يمنع عودتهم؟

هؤلاء ستكون مصائرهم مجهولة ومهددة فعلا فيما لو اتخذت الحكومة المصرية قرار ترحيلهم، خصوصا أنه لا توجد أي دولة تقبل دخول السوري إلى أراضيها من دون موافقات أمنية أو تأشيرات دخول تقع ضمن المستحيلات.

ما الحل إذا في ظل ظروف كهذه وفي ظل انسداد الأفق بالنسبة إلى الكارثة السورية التي يتم ركنها ونسيانها عربياً وإقليمياً وعالمياً، خصوصا مع المستجدات الخطيرة في الحالة الفلسطينية وما تتركه من تداعيات لا تقل خطراً على كامل المنطقة العربية، وربما تغيّر شكل المنطقة كلها وتركيبتها الديموغرافية، ما يعني أن ثبات الحالة السورية على ما هي عليه الآن باق إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل إلى حين الانتهاء من ملف غزة وغلافها وتوطين الفلسطينيين في دول أخرى أو إعادة ترتيب المنطقة سياسياً وجغرافياً بما يضمن الزمن والمصالح الإسرائيلية بشكل نهائي، أو باختصار: بعد تصفية القضية الفلسطينية نهائيا كما يتضح من الأحداث الحالية.

يبدو أن اللعنة التي حلّت بسوريا منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي أصابت الجميع، من دون استثناء، ذلك أن ما وصل إليه حال السوريين لا يمكن تفسيره بأي منطق علمي..

لم يعد مجدياً الحديث عن الائتلاف ومؤسسات المعارضة أو التعويل عليها في إيجاد حلول لأوضاع السوريين الكارثية، أو لإعادة فتح الملف السوري في المجتمع الدولي، ذلك أنها أصبحت أقرب إلى الفولكلور، عملها الوحيد هو إصدار بيانات بلغة خشبية تحفل برطانة مملة، أو ظهور أعضائها ببدلات رسمية وربطات عنق وكروش ممتلئة في صور هنا وهناك تؤخذ لتذكير السوريين بوجودهم لا أكثر، أما القيام بأي فعل ينفع السوريين أو يخدمهم أو يغير شيئاً من واقع حالهم، فهذا أصبح من سرديات العقد الماضي، يوم كان السوريون يحلمون بمؤسسة معارضة تتبنى خطابا سوريا ثوريا ووطنيا يحمل صوتهم إلى المجتمع الدولي.

لكن، يبدو أن اللعنة التي حلّت بسوريا منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي أصابت الجميع، من دون استثناء، ذلك أن ما وصل إليه حال السوريين لا يمكن تفسيره بأي منطق علمي: أن تهزم بلد بكاملها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها وأجيالها ومكوناتها، بهذا الشكل المريع فهو لا يمكن تفسيره بغير اللعنة الكبيرة.

إذ ليس من قبيل اللعنة ألا يتمكن شعب كامل بتاريخ يقال عنه عريق من أن تجتمع فيه مجموعة من الوطنيين من كل شرائح المجتمع تتفق على خطة عمل وخريطة طريق واضحة وجامعة ومطمئنة لكل السوريين وللمجتمع الدولي تنقذ سوريا والسوريين الراغبين في العيش داخل سوريا أو المضطرين للعودة إليها لسبب أو لآخر، من هذا المصير الذي يهدد حياتهم أينما كانوا؟

في ظل ما يحدث في العالم وفي المنطقة العربية تحديدا، لم يعد مجديا انتظار الحلول من المجتمع الدولي، لا أحد بات معنيا بسوريا، إن كنا شعبا على قدر أهمية ما ندعيه عن أنفسنا فعلينا البدء في ابتكار حلول تنقذ من ليس له وطن غير سوريا ولا يحمل جنسية غير جنسيتها، وإلا فلنلق السلام على اسم سوريا بعد دفنه ودفن أنفسنا خجلا من هذا العجز الذي نحن فيه.