هل ستضرب إسرائيل إيران؟

2023.03.17 | 05:50 دمشق

هل ستضرب إسرائيل إيران؟
+A
حجم الخط
-A

منذ خمسة عشر عاماً وإسرائيل تدعي تحضيرها لضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية، كما فعلت مع المفاعل العراقي تموز والمفاعل السوري في الكُبر. فحسب العقيدة الصهيونية يعتبر هذا النوع من التسليح خطاً أحمر، سابقاً وصل حد التحدي الإسرائيلي في التمهيد للضربة أن سافر بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ليخطب في عقر دار وقلب المؤسسة السياسية الأميركية رافضا سياسة باراك أوباما حينذاك الماضية في التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران، والذي تعتبره إسرائيل وعدد كبير من الدول العربية والآسيوية إطلاقاً للمشروع الميليشياوي الإيراني في الشرق الأوسط.. وقف نتنياهو يومها في الكونغرس وصرخ رافضاً الاتفاق النووي ولكن أوباما استطاع الاستمرار في اتفاقه مع إيران.. حينذاك حاول نتنياهو جرجرة العسكر في أميركا إلى حرب بعد ضربة سريعة ينفذها الطيران الإسرائيلي ضد إيران.. ولكن التداعيات الإقليمية والعالمية حالت دون ذلك.

وصل ترامب إلى السلطة وأوقف الاتفاق النووي، وعادت العقوبات أقسى مما كانت، قُتل قاسم سليماني راعي الميليشيات في الشرق الأوسط، وباتت الحرب بين أميركا وإيران قاب قوسين أو أدنى، تدخلت الأطراف الدولية للحؤول دونها.. سقط نتنياهو، صعدت المعارضة الإسرائيلية إلى السلطة، جائحة كورونا اجتاحت إيران، وبدت طهران بحاجة للعالم كله، بدأت الحرب الأوكرانية الروسية، وتأزم الاقتصاد العالمي الذي لم يكن ليتحمل ضربات انتقامية من إيران ضد أكبر منتجي النفط في العالم في الخليج مما يشكل أزمة عالمية مضافة إلى أزماته.

إسرائيل قرأت الاتفاق على أنه "كارت أخضر" للضربة المرتقبة منذ سنوات، نتنياهو يستعد ويجهز تاريخه لأن يكون الزعيم الجديد "للأمة اليهودية" كما يطرح نفسه

اليوم وبعد الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني لإعادة العلاقات بين القوتين الإقليميتين الكُبرَيين في الشرق الأوسط، وبرعاية وتعهد صيني مكتوب لضمان عدم الإخلال المعهود بهذا الاتفاق.. باتت الضربة الإسرائيلية أشد توقعاً، خاصة أن الصين باتت ملزمة أمام العالم بضمان عدم الاعتداء الإيراني على دول الخليج وتهديد أسواق الطاقة التي ستضع العالم في أزمة لا مثيل لها من قبل، الصين دخلت الشرق الأوسط لتكون نظيراً للولايات المتحدة وكضامن موثوق من الطرفين. إسرائيل قرأت الاتفاق على أنه "كارت أخضر" للضربة المرتقبة منذ سنوات، نتنياهو يستعد ويجهز تاريخه لأن يكون الزعيم الجديد "للأمة اليهودية" كما يطرح نفسه، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة يزور مناطق قسد، في زيارة تاريخية لم تعلن أسبابها غير المباشرة، وزير الدفاع الأميركي زار عدداً من الدول العربية..

تحركات غير مسبوقة في الإقليم، إيران ارتكبت أكبر أغلاطها في دعم روسيا في غزو أوكرانيا، مما جعل الطرف الأوروبي يبتعد عن الاعتدال في الملف النووي الإيراني.. المسيرات الإيرانية باتت ضمن العقوبات الأميركية.

وحدها الصين تسابق نفسها للتهدئة، في إقليم يتجهز للمرحلة الجديدة من الأزمة، لا حباً بالسلام العالمي، وإنما خوفاً من انهيار اقتصادي يفكك ساحتها الداخلية، تركيا في انتخابات مفصلية غارقة في لملمة جراحها بعد الزلزال المدمر.. إيران في أسوأ لحظاتها منذ تأسيس الثورة، فما يسمى حلف المقاومة منهار اقتصادياً تماماً، في سوريا ولبنان والعراق وإيران بالطبع، الضغط الداخلي يزداد.. ولا مجال للخروج من كل هذه الأزمات إلا بإطلاق العنان للصقور لتعديل أوراق اللعب على الطاولة. فالحرب ترتب الأوراق دوماً وتفرض قواعد جديدة، والجناح المتشدد في إيران لم يعد قادراً على النزول من شجرة التوقعات الكبيرة التي نادى بها أمام شارعه.. فمن غير الممكن التنازل الآن عن المشروع النووي الذي بات صليباً فوق ظهر "الثورة الإيرانية" حيث بدأ النظام هناك يتحشرج اختناقاً من حجم البلدان التي ابتلعها ولم يعد قادراً على هضمها وتذويبها كما اعتقد. السعودية مشغولة تماماً في عملية التحول الأساسية التي تقوم بها من نظام إلى نظام، وعود التنمية الكبرى التي طرحتها تحتاج إلى استقرار إقليمي كبير وأية حرب جديدة ستؤثر على معدلات النمو فيها.

فما المخرج إذاً؟

يتحدث المراقبون عن قبول إيران تسليم مفاعلاتها النووية أمام ضربات إسرائيلية مرتقبة، من أجل النزول من فوق الشجرة ورفع العقوبات أو التخفيف منها، وضمان استمرار النظام الذي لا شاغل يشغله سوى استمراره بعيدا عن بقية ملفات التنمية في بلاد فارس، إسرائيل نتنياهو ستحقق وعودها في البطش بأي قوة تحاول الوصول إلى القدرات النووية دونها. وسترتفع أسهم من اتخذ القرار انتخابياً.

في سوريا سيكون لخروج القوات الإيرانية والميليشيات دور كبير في تحديد حجم النظام السوري، إن لم تتدخل روسيا من جديد

الجميع يعلم أن بنوداً غير معلنة ضُمنت في الاتفاق السعودي الإيراني، فمطالب إيران واضحة من السعودية، وتتجسد في العقوبات وتخفيف الضغط ومنع سقوط النظام. ودمج ميليشياتها في الحياة السياسية في الدول التي تنشط فيها. ولكن السعودية ترى في ذلك تحايلاً جديداً على الواقع السياسي، وترفض أن يكون ثمن استفزاز واشنطن فقط لجم الميليشيات والتدخلات الإيرانية في دول الشرق الأوسط. ما طلبته السعودية يتجسد في تصريحات بندر بن سلطان، بضمان إيراني لإحداث تغييرات شاملة في الشرق الأوسط تبدأ من اليمن الذي يجب أن يسلم فيه الحوثيون مقاليد العاصمة إلى حكومة انتقالية. وانتخاب رئيس محايد سيادي في لبنان يضمن الحد من نفوذ حزب الله هناك. في سوريا سيكون لخروج القوات الإيرانية والميليشيات دور كبير في تحديد حجم النظام السوري، إن لم تتدخل روسيا من جديد.

كل شيء سيتحدد في فترة الستين يوماً التي يتطلبها الاتفاق الأولي حتى إعادة السفراء إلى العاصمتين، هذه الفترة في عهدة نتنياهو هي الخطر.

فهل سيتم تقاسم الشرق الأوسط حسب عقيدة أوباما التي عبر عنها في مجلة الأتلانتيك، وبرضا جو بايدن النائب السابق لأوباما..أم سيكون للصراع جولات أخرى وطويلة؟