هل ستساهم العقوبات بإنهاء بوتين؟

2022.03.17 | 04:53 دمشق

2022-03-13t140108z_1712820784_rc2p1t9eprhu_rtrmadp_3_ukraine-crisis-germany-protests.jpg
+A
حجم الخط
-A

كل ما شهده القرن الواحد والعشرون خلال سنواته الاثنتين والعشرين الأولى من أحداث وحروب وأزمات، لم تكن الآراء الأوروبية والأميركية فيها متوافقةً كما هي اليوم تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا.

ما إن أعلنت روسيا استقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك، وبانت نيتها باقتحام أوكرانيا، حتى سارعت أميركا بالتزامن مع دول أوروبية عدة لفرض عقوبات اقتصادية ضد موسكو، عقوبات جعلت روسيا في مقدمة الدول الأكثر معاقبة في التاريخ قبل إيران وسوريا وكوريا الشمالية، في محاولة لإضعاف روسيا من دون التدخل العسكري المباشر في مواجهة قد لا تحمد عقباها بين قواتهم الرسمية وقواتها على الأرض الأوكرانية.

وفي الوقت ذاته سمحت الدول الأوروبية لمواطنيها بالتطوع للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الأوكرانية.

بالطبع تهدف هذه العقوبات كما قلت إلى إضعاف موسكو لتجنب كارثة لا تنحصر عواقبها في منطقة محددة، بل من الممكن أن تكون سبباً في نشوب حربٍ عالميةٍ ثالثة تهدد كامل الكوكب والحياة عليه.

فهل ستكون روسيا قادرة على تحمل هذه المخاطر الاقتصادية؟

تفاصيل الميزانية الوطنية الروسية غامضة، حتى إنها تحتوي على خطوط سرية، مثل مثيلاتها من الديكتاتوريات، خاصة تلك المتعلقة بالدفاع، بحسب تاتيانا كاستويفا جان مديرة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، لذلك من الصعب إجراء قياس دقيق للتأثير المحتمل للعقوبات الأوروبية.

 يبلغ معدل التضخم الآن في روسيا 8٪ في عام واحد، وهو رقم قياسي مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، وانخفضت القوة الشرائية للمواطن الروسي بنسبة 10٪ في أقل من عقد.

وتظهر أحدث نشرة عن التجارة الخارجية الأوروبية أن روسيا لا تزال أحد الشركاء الرئيسيين للاتحاد الأوروبي، على الرغم من انخفاض التجارة الدولية البينية بالنسبة للعام الفائت 2021 ، فقد صدرت روسيا 158 مليار يورو إلى أوروبا، أي أكثر من المملكة المتحدة بـ 146 مليار يورو، وهنا تظهر أولى المبشرات إذا علمنا أن الاقتصاد الروسي اقتصاد غير متنوع لذلك يمكن أن يؤدي وقف التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي إلى عجز في واردات القطع المالي إلى روسيا، ما سيؤثر على تمويل الحرب - بالرغم من أن العقوبات ستكون نتائجها المباشرة على المواطن بالدرجة الأولى قبل الحكومة - مع واقع الحرب الذي يستنفد كلّ مقدرات البلاد على العملية العسكرية في أوكرانيا.

روسيا تعاملت من قبل مع العقوبات وباتت خبيرة بالتحايل عليها فهي بالفعل تخضع لعقوبات اقتصادية ضدها منذ ضم شبه جزيرة القرم منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين تعلمت روسيا كيف تحافظ على ميزان تجاري رابح، فتنتج أكثر وتستورد أقل

لكن روسيا تعاملت من قبلُ مع العقوبات وباتت خبيرة بالتحايل عليها فهي بالفعل تخضع لعقوبات اقتصادية ضدها منذ ضم شبه جزيرة القرم منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين تعلمت روسيا كيف تحافظ على ميزان تجاري رابح، فتنتج أكثر وتستورد أقل، فعلى سبيل المثال أصبحت روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، وهذا ما تقدّر عائداته بضعف ما تجنيه من بيع الأسلحة، بالمقابل تبقى منتجات الطاقة هي العمود الفقري لاقتصاد البلاد، وهي تمثل أكثر من 60٪ من الصادرات، وهذا بالتحديد ما أثر على أسعار الوقود في العالم بعيد فرض العقوبات مباشرة.

بوتن كان مدركاً تماماً أن خطوته تلك سيترتب عليها الكثير، وستكون العقوبات الاقتصادية أولها قبل العسكرية والتي من المستبعد حدوثها على المدى المنظور خاصة أنها تعتمد كلياً على نتاجها المحلي من الصناعات العسكرية ولا تحتاج لشراء أي سلاح من الدول الأخرى.

وعلى ذلك من الممكن ألا يكون لهذه العقوبات المفاعيل المرجوة منها، فإنْ توقفَ التبادل الأوروبي، فالتبادلُ دائم ومتاح ومُجدٍ مع الصين، التي تشكل بديلا استراتيجيا لروسيا خاصة بالنسبة للمواد الخام، إذ تعد بكين بالفعل أكبر شريك تجاري للصين منذ 12 عاماً.

اليوم تشهد وحدة العملة الروسية الروبل تدهوراً متسارعاً أمام الدولار، تدهوراً لم يعرفه الروبل منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق – كنسبة وليس كقيمة- وهنا يحاول البنك المركزي الروسي التدخل للحد من الأضرار ولكن من الواضح أن محاولاته تبوء بالفشل، فقد رفع سعر الفائدة الرئيسية بنسبة 20٪ للحفاظ على العملاء وتقديم مزيد من الإغراءات لمنع سحب الودائع، كخطة بديلة لعدم خسارة الاحتياطي النقدي، إضافة إلى دعم العملة الوطنية، كما يتعيّن على المصدّرين الروس تحويل عائدات صادراتهم إلى روبل حصراً ووقف التعامل بالدولار الأميركي لتنظيم سوق رأس المال، لذلك يُحظر على المقيمين الروس تحويل أموالهم إلى الخارج، وبالنظر إلى عدم وجود اتصال آمن على التحويلات الدولية، يتعيّن على الشركات الروسية الاعتماد على وسائلها الخاصة لإرسال أوامر التحويل، مما سيعيق التجارة الدولية  نتيجة لذلك. إضافة إلى أن بوتين قد دعا مواطنيه والشركات الروسية إلى عدم الوفاء بديونهم تجاه الدائنين الأجانب، مما قد يؤدي إلى تخلّف روسيا عن سداد ديون خارجية بقيمة 478 مليار دولار، وبالرغم من أن هذا الأمر لن يكون ملموساً في الأيام المقبلة لكن زيادة المديونيّة ستضعف الاقتصاد الروسي على المدى الطويل.

ويبقى الأمل المتبقي أمامنا للتخلص من التسلط الروسي على العالم الذي كانت جزيرة القرم أولى ضحاياه خلال الأعوام القليلة الماضية ثم سوريا والآن أوكرانيا، يبقى الأمل بازدياد انخفاض سعر الصرف للروبل وازدياد بالتضخم، أي أن أسعار المنتجات والخدمات اليومية سترتفع بمرور الوقت، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى انكماش في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15٪ على أقل تقدير، أي ضعف ما حدث بعد الأزمة المالية التي عانت منها روسيا في عام 2009، ما قد يقود إلى نقمة داخلية ضد بوتين تدفع خصومه وبعضاً من الوطنيين الروس للإطاحة بنظامه، ربّما من خلال انقلاب .