رمضان كريم

2022.04.21 | 06:16 دمشق

photo_2022-03-28_20-15-01.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ طفولتنا كانت الكلمة المعهودة على لسان الجميع وعلى شاشات التلفزة في الشهر الفضيل "رمضان كريم" وكان رمضان كريماً بالفعل على الجميع.

طقوس نفتقدها اليوم، فلم تعد مائدة الإفطار كما في الماضي، تتنوع فيها الأطباق -بسكبات- الجيران، يتبادلون المأكولات والحلويات وبعض الفاكهة أحياناً... طقوس السهرات المشتركة بين العائلة والأصدقاء على أسطح المنازل وفي الشرفات، خاصة عندما يحل الشهر في الربيع أو الصيف كما هو الحال في هذا العام، حتى يحين موعد السحور ليذهب بعدها كلٌ إلى منزله بعد أن قضى أمسية سيتذكرها لاحقاً وطويلاً بعد سنوات من الهجرة القسرية والفقد الذي طال الجميع.

الآن لم تعد هذه الكلمة، كلمة المعايدة المعتادة مناسبة، خاصةً لأهلنا في الداخل، الذين يعانون النقص المجحف في كل شيء، وليس أهمها المال فالمال إن توفر لن تتوفر بوجوده الحاجات الأساسية للعيش، فما بالك بالرفاهيات.

بقيت الكثير من المشكلات والحقائق مكبلة بمقص الرقيب الذي لم يحد حتى اللحظة عن نهجه بجعل الدراما حقلاً لتبييض ساحته رغم كل ما مر بالبلاد خلال السنوات الماضية

أتابع منذ بداية الموسم الرمضاني الدرامي عملين سوريين هما مع وقف التنفيذ، وكسر عضم، والشهادة لله مسلسلان يجعلان القلب يعتصر لما فيهما من مصداقية بنقل الواقع المزري للحياة الحالية، وإن كان ما يطرحانه من قضايا فساد ليس جديداً على الطغمة الحاكمة ومنذ عقود، وعلى ما يبدو فقد رفع الخط الأحمر عن هذه القضايا فقط، فيما بقيت الكثير من المشكلات والحقائق مكبلة بمقص الرقيب الذي لم يحد حتى اللحظة عن نهجه بجعل الدراما حقلاً لتبييض ساحته رغم كل ما مر بالبلاد خلال السنوات الماضية.

واليوم، لست بصدد الحديث عن الدراما وكتابها وآلية صناعتها -خاصة وأنني لست من المتابعين الأوفياء لها- داخل منظومة إنتاجية تابعة للنظام، وتحت مقصلة الرقيب الأمني من ألفها إلى يائها، لكن ما لفتني هو كيفية تقديم الفقير السوري المهجر داخلياً في عشوائيات دمشق وفي قلب العاصمة أيضاً.

بالأمس كان لي حديث طويل مع صديقة لي ما تزال تعيش في قلب دمشق، لا أستطيع أن أعتبرها فقيرة فهي ميسورة الحال وتستطيع حتى اليوم تأمين احتياجات منزلها الأساسية سواء على تلك البطاقة المسماة ذكية، أو بطرق أخرى بات السوري خبيراً بها كي يستطيع أن يعيش جزءاً من آدميته المسلوبة، أبارك لها الشهر وأسألها عن مائدتها فيه وهي المشهود لها بذوق التقديم وطعامة المذاق، تقول لي ضاحكة "كان زمان" تقتصر مائدتها اليوم على نوع واحد من الطعام، وأبسط وصفات الحلويات وأقلها تكلفة وتحمد الله أنها ما تزال تستطيع أن تقدم لعائلتها ما يحافظ على طقوس تشبه طقوس شهرهم شبهاً من بعيد على حد تعبيرها.

لفتني في كلامها النقص الحاد في كل شيء والذي لا يخفى على أحد، فكلنا بتنا نعلم الحال، وهنا تنبهت للصورة التي قدمها مع وقف التنفيذ وكسر عضم للحياة اليومية لطبقة جهد المسلسل بتقديمهم بأنهم فقراء.

في منزل حليم -غسان مسعود- "مع وقف التنفيذ" سجين الرأي السابق والذي لا دخل له إلا من عدة مقالات يكتبها هنا وهناك، تعمر سفرة الفطور التي يعدها لأبنائه بالجبنة واللبنة والزيتون والخضروات، الفطور السوري الذي بات يشبه الحلم لكثير من العائلات محدودة الدخل، ولم نلحظ أي تنويه لأي نقص في منزل هاشم -فادي صبيح- وهو المترزق على باب الله كما يقولون بل شعرنا بأنه بأحسن حالاً خاصة أن مصاغ زوجته وزوجة أخيه ووالدته لا يزال صامداً بعد عشر سنوات من القحط والحرب والنزوح والعودة (بحسب ما أوضح المسلسل أن سكان الحارة عائدون إليها حديثاً بعد نزوح)، ناهيك عن السهرات العامرة في مطعم صافي -سيف سبيعي- أو في سهرات ابنة حليم الشابة.

أما في منزل الطلبة الذين يسكنون عند أحد زملائهم في مسلسل كسر عضم وجارتهم شمس –نادين تحسين بك- فتشعر أن السماء زرقاء والعصافير تزقزق، مدفأة الكهرباء -شغالة على طول– وتزين معظم المشاهد، وفناجين القهوة رفيقة صباحاتهم هم وجارتهم وما شاء الله الغاز متوفر والبن رخيص والجيران مثل السمنة والعسل، حتى جارتهم التي لا تعمل وبين فترة وأخرى قد تبيع لوحة من لوحاتها وكأن الحركة الفنية في سوريا رائعة منذ زمن- فهي تعيش حياة أقرب ما تكون للرفاهية وهي اليتيمة المهجرة مع أختها.

أعود وأثني أن هذا العام لم تستعرض الدراما السورية في هذين المسلسلين على الأقل طاولات الطعام العامرة ومشاهد الأكل المستفزة للفقراء لكن بالمقابل لم تحاول الاقتراب من الوضع المزري الحقيقي لمعيشة المسحوقين في البلاد.

لكن ما استفزني حقيقة اليوم، كان مسلسلاً جديداً تماماً لم أتابعه ولم أسمع به من قبل، ولكنه ظهر أمامي فجأة، وأغراني بمتابعة إحدى حلقاته ففي الإعلان عنه كانت صورة سيدة الكوميديا السورية الكبيرة سامية الجزائري، فقررت أن أتابع أحدث حلقاته فإن أعجبني أعود لمتابعته من البداية لاحقاً.

المسلسل بعنوان "حوازيق" اخترت آخر حلقة مرفوعة على موقع المشاهدة وبدأت المتابعة، لأصاب بحالة من الاستفزاز لم أقو معها على استساغة أي من المشاركين بالعمل، ولا القدرة على متابعة أي مضمون مهما كان، ولا حتى على التعاطف مع عمل سوري ينتمي للكوميديا التي لم نعد نراها منذ زمن.

كميات من الكوسى تتلفها شكران مرتجى في محاولة إضحاك سمجة لمواطن يعتبر كيلو واحداً من الكوسى كنزاً قد لا يقوى على الحصول عليه

كانت الحلقة عبارة عن استعراض تافه لإتلاف كميات من الطعام أجزم بأن جل السوريون يتمنون لو يستطيعوا الحصول على جزء ضئيل منها.

(سحاحير) من الكوسا والبندورة والبصل والفول ذهبت إلى القمامة، البندورة التي يتبجح أحد المسؤولين منذ أيام بأنها غير ضرورية للمواطن الفقير، تظهر في مشهد مكدسة بين يدي شكران مرتجى.

كميات من الكوسى تتلفها شكران مرتجى في محاولة إضحاك سمجة لمواطن يعتبر كيلو واحداً من الكوسى كنزاً قد لا يقوى على الحصول عليه.

انفطر قلبي، شعرت بالقهر والقرف معاً، ما الغاية من تصوير هكذا مشهد في بلد بات يعتبر فيه طبق من السلطة ضرب من الرفاهيات، عمن تتكلم هذه الدراما؟ عن السوريين؟ عن من؟