هل الوجود الروسي في مجلس الأمن الدولي شرعي؟

2022.03.26 | 06:37 دمشق

1035364625_0_212_3376_2038_1000x541_80_0_0_c5ec84fc7a223ad05acc1dc1fb3ad55b.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة، المادة /23/ تنص على أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي هم الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفييتية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.

إذاً روسيا لم يرد ذكرها في هذه المادة التي عددت الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي على سبيل الحصر، والنص واضح ثابت غير قابل للتحريف أو التأويل أو لوي العنق فهو قطعي الدلالة بما جاء فيه.

إلا أن الاتحاد السوفييتي (انقرض) من خارطة العالم وتبعثر أشلاء ولم يعد له وجود مادي، وعلى فرض أن هناك رغبة بنقل مقعد الاتحاد السوفييتي السابق إلى "روسيا" باعتبارها إحدى الدول الناشئة عن تمزقه، وعلى فرض أن هذه الرغبة كانت مشروعة لسبب أو لآخر فمن المفترض "وجوباً لا جوازاً" أن يتم تعديل نص المادة /23/ من الميثاق بحيث نستعيض عن دولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية بروسيا….!!

لكن لتعديل الميثاق لا بد من إعمال المادتين / 108 - 109/ والتي نصت: أنه لتعديل أي مادة من الميثاق يجب انعقاد مؤتمر عام لأعضاء الأمم المتحدة جميعا "لإعادة النظر في الميثاق بعد تحديد المكان وأقرب موعد لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة والتعديل يجب أن يكون بأغلبية الثلثين..

لماذا لم يتم دعوة الجمعية العامة للتصويت؟ ولماذا لم يتم تعديل المادة /23/ حتى الآن؟ ولماذا مازال الاتحاد السوفييتي وارداً بالميثاق بصفته عضواً دائماً…؟

وبالعودة إلى السوابق القانونية في هذا المجال وجدت أنها تسير على ذات المنوال حينما اعتمدت الجمعية العامة التعديلات التي أدخلت على المواد 23-27-61 بتاريخ: 17/2/1963 وكذلك التعديلات التي أجريت على المادة /109/ والتي أصبحت نافذة في 12/6/1968.

فما الذي حدث في موضوع توريث روسيا مقعد الاتحاد السوفييتي المنقرض في مجلس الأمن الدولي عام 1991 لماذا لم يتم دعوة الجمعية العامة للتصويت؟ ولماذا لم يتم تعديل المادة /23/ حتى الآن؟ ولماذا مازال الاتحاد السوفييتي وارداً بالميثاق بصفته عضواً دائماً…؟

بالعودة لما جرى في ذلك العام بعد تفكك الاتحاد السوفييتي تم التوقيع على بروتوكول "ألما أتا" من قبل بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي معلناً نهايته والموافقة على أن تتولى روسيا مقعد الاتحاد السوفييتي وكتبت روسيا للأمم المتحدة رسالة تطلب تعديل المادة /23/ بحيث تستعيض عن روسيا بالاتحاد السوفييتي وألا يتغير شيء.. يعني بالمختصر المفيد تزوير..!

لكن خبراء القانون الدولي في ذلك الوقت شككوا بشرعية هذا الإجراء المخالف لصريح المادة /24/ من الميثاق التي جاء فيها: رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعاً فعالاً يعهد أعضاء الهيئة "الجمعية العامة" إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات وعلى مجلس الأمن أن يعمل وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها وعليه أن يرفع تقارير بذلك للجمعية العامة للأمم المتحدة..

 *إذا العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي ليست حقاً مكتسباً للعضو الدائم وقد سبق لأعضاء الجمعية العامة وأن عهدوا للاتحاد السوفييتي السابق بما فيه من /13/ جمهورياته /27/ قومية بالقيام بالتتبعات الرئيسية لحفظ الأمن والسلم الدوليين وليس لأحد مكوناته.

*  ثم إنه بموجب المادة /24/ فإن العضوية بمجلس الأمن نيابة وتوكيل، وبموجبه تخول الجمعية العامة لأعضاء معينين محددين القيام بتبعات معينة لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

* على العضو الدائم "النائب أو الوكيل" أن يتقيد بحدود ما فوض به والمتمثلة بالعمل وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة وأن لا يخرج عن حدود الوكالة الممنوح له، وبالتالي فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي السلطة العليا التي على مجلس الأمن أن يرفع إليها التقارير وليست مجرد جمهور من النظارة والمصفقين والمطبلين.

وبالتالي: نحن هنا أمام مركزين قانونيين مختلفين ولكل منهما آثاره القانونية والتي لا يمكن الجمع بينهما، فإما أن نأخذ بالمادة /24/ من الميثاق والذي بموجبه تكون العضوية الدائمة في مجلس الأمن نيابةً وتفويضاً للأعضاء الخمسة بأداء التتبعات الرئيسية لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتعهد به أمام الجمعية العامة، وفي هذه الحالة فلا يجوز للنائب أو الوكيل الخروج عن حدود التفويض، وإلا يمكن عزله إذا تجاوز حدود ما فوض به أو خالف مقاصد الأمم المتحدة وإلا فما فائدة تقديم التقارير للجمعية العامة؟

وفقاً لهذه الحالة فإن العضوية الدائمة بمجلس الأمن.. مسؤولية والتزام.

أو أن نأخذ بالنظرية الروسية والتي تعتبر العضوية الدائمة حقاً عينياً مغتصباً أو مكتسباً للعضو الدائم وبالتالي يقع على العضوية جميع ما يقع على الحقوق العينية من آثار ونتائج وبالتالي يمكن لها أن تنتقل بالإرث كما حدث سابقاً والحق الذي ينتقل بالإرث ممكن أن ينتقل بكلّ وسائل انتقال الملكية كالبيع أو الرهن أو غيرها، كما يمكن لصاحب الحق أن يقوم بالإضافة لأعمال التصرف بأعمال الإدارة "الإيجار" مثلا وفي هذه الحالة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي إثراء بلا سبب أو لسبب غير مشروع.

اليوم العضوية بمجلس الأمن الدولي "إثراء وليست مسؤولية" بدليل ما حدث حينما شحن الرئيس الروسي نظيره السوري بشار الأسد إلى موسكو منفرداً بطائرة شحن عام 2015 حيث تخلي الأخير عن أرصدة مصرفية بقيمة / 45 / مليار دولار لابنة الرئيس الروسي في مقابل /16/ فيتو بمجلس الأمن بالإضافة إلى ضمان استمراره بالسلطة عنوة وتكريس العقاب الجماعي للشعب السوري إما بوضعه تحت الخيام بقية عمره أو حصاره وتجويعه.. نلاحظ هنا قيام الرئيس الروسي بعمل من أعمال الإدارة لحقه المكتسب في مجلس الأمن الدولي.

هم يفضلون في قرارة أنفسهم أن يقنعوا أنفسهم ومن ثم يحاولوا إقناع العالم من حولهم أنهم موجودون في مجلس الأمن بمفاعيل مكانتهم الحضارية التي يستحقونها

مشكلتنا أن الأعم الأغلب من خبراء القانون الدولي المسموعي الصوت الذين تخصص لهم ولجامعاتهم ومراكز أبحاثهم الأموال والمساحات الإعلامية وترهف لهم الآذان إما أميركيين وإنجليزا أو فرنسيين ولا مصلحة لأي منهم بالخيار الأول ومن الصعب أن يتحلى أي منهم بالنزاهة الفكرية والأمانة العلمية أو سعة الصدر الأكاديمية التي تجعله يقبل أن يقال له إن عضوية بلاده في مجلس الأمن الدولي "مسؤولية و ليست امتيازً أو حقاً مكتسباً" وإنه من المفروض عليها أن تعمل وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين وإنه يمكن للجمعية العامة أن تنهي التفويض إذا خرجت دولته عن حدود ما فوضت به.

هم يفضلون في قرارة أنفسهم أن يقنعوا أنفسهم ومن ثم يحاولوا إقناع العالم من حولهم أنهم موجودون في مجلس الأمن بمفاعيل مكانتهم الحضارية التي يستحقونها لسبب أو لآخر أو في أسوء الأحوال بحكم ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها دولهم وتهدد بها شعوب الأرض ويمنعونها عن الآخرين وإن كانوا يخجلون من التصريح بذلك علناً لاعتبارات قد تكون أخلاقية أو أكاديمية.

لذلك التزموا الصمت المريب ولفرض الأمر الواقع تمسكوا برأي فقهي متناقض ومهلهل للسفير الروسي السابق في بريطانيا ألكسندر فلاديميروفيتش باكوفينكو جاء فيه: إن الدولة الخلف ويقصد روسيا هي دولة جديدة تشكلت من تفكك الدولة السابقة ويقصد "الاتحاد السوفييتي" وليس لها حقوق أو التزامات مستمرة ويجب إعادة التفاوض على جميع الحقوق والالتزامات التي كانت للدولة السلف.. إلى هنا كلام معقول ومقبول.. لكنه أردف..

ومع ذلك فإن الدولة المستمرة هي الجزء الأكبر بعد انفصال جزء صغير منها، إنها تحافظ على الحقوق والالتزامات السابقة للبلد القديم بما في ذلك العضوية بالمنظمات الدولية والسفارات وبالتالي فإن روسيا دولة مستمرة وليست خلفاً….

لا أعرف كيف تكون خلفاً حيناً ومستمرةً حيناً آخر… يبدو بحسب المصلحة بمعنى فيما يتعلق بالديون والالتزامات التي كانت على الدولة المنقرضة فإن روسيا خلف وفيما يتعلق بالمميزات فهي مستمرة…؟

ثم كيف لرأي فقهي لدبلوماسي متقاعد أن يخالف صريح النص القانوني الملزم والثابت بالمادة /24/ من ميثاق الأمم المتحدة، وكيف عاشت البشرية منذ عام 1991 وحتى الآن مع مجلس أمن دولي  من دون شرعية سواء من حيث تركيبته أو من حيث قراراته.

للإجابة عن هذا السؤال نجيل الطرف شرقاً نحو مخيمات اللجوء السوري التي تضم بين جنباتها جيلاً كاملاً من الأطفال محروماً من التعليم خرج مع حواضنه المدنية والبشرية التي تضم أكثر من نصف عدد السكان في سوريا بتهمة "الإرهاب الإسلامي" ومن ثم تجيل الطرف غرباً لنجد الآلة الدموية الروسية الجارفة تجتاح أوكرانيا وتكنس أمامها ملايين اللاجئين إلى أوروبا تمهيداً لمصير مجهول لن يكون بالتأكيد بقتامة مصير الشعب اليتيم في سوريا لأن العيون الزرق تشفع لأصحابها عند دهاقنة مجتمع الغاب الدولي ومن قبل أوكرانيا كانت جورجيا ومن قبلها أحرق الروس كروزني ولا يعلم إلا الله من هي الضحية التالية بعد أوكرانيا ما دامت العضوية في مجلس الأمن الدولي حقاً مغتصباً بالحديد والنار والترسانة النووية.