هل اتّخذ قرار دوليّ بفتح حرب ضدّ حزب الله في لبنان؟

2021.10.21 | 09:28 دمشق

lebanon_2_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهر نصر الله في خطابه الأخير عنوان الـ 100 ألف مقاتل في وجه سمير جعجع وحزب القوات اللّبنانيّة بحثًا عن عدوّ داخليّ، أبرزت الوقائع أنّه ليس موجودًا بالشّكل الّذي يصوره نصر الله سوى في خياله ورغباته.

الفيديوهات الّتي خرجت إلى النّور مؤخرًا تكشف أنّ القتيل الأوّل في المعركة سقط برصاص جنديّ في الجيش، وكذلك ظهرت تقارير عديدة تنفي وجود قنّاصين، وتؤكّد أنّ القتلى سقطوا من مسافة قريبة، وأنّ علامات الإصابات على أجسادهم تقول إنّ من أطلق عليهم النّار كان على نفس مستوى الارتفاع، وهو ما يسقط كلّ الرّواية التي سوّق لها الحزب وروّجها.

قيادة الجيش قالت بعد ظهور الفيديوهات إن الجندي الّذي أطلق النّار موقوف ويخضع للمحاسبة.

نصر الله كان هادئًا للغاية في موقفه من هذا الموضوع، وبدا مقتنعًا وراضيًا بما جاء في بيان الجيش، ولكنّه في الوقت نفسه أصرّ على تصوير الخطر القواتيّ على أنّه الخطر الأساسيّ والجوهريّ الّذي يهدّد بشكل خاص عموم المسيحيّين ومن بعدهم كلّ اللّبنانيّين.

لا يمكن أن يتخذ الجيش قرار ا بالدّفاع عن المناطق المسيحيّة بالنار والدم، ما لم يكن الموضوع مغطى خارجيًّا، وبشكل خاص من الأميركيّين

ما الذي يقلق نصر الله إلى هذا الحد في مرحلة بات فيها الجميع يعترفون له بسيطرته على مفاصل البلاد؟ لا يمكن تقدير أنّ الحزب يخشى من الدّاخل، ولكنّ ما جرى يؤشّر إلى تحوّلات في الخارج لم يكن ما جرى سوى صداها.

لا يمكن أن يتخذ الجيش قرارا بالدّفاع عن المناطق المسيحيّة بالنار والدم، ما لم يكن الموضوع مغطى خارجيًّا، وبشكل خاص من الأميركيّين الّذين أبرزت حركتهم المتزايدة في الفترة الأخيرة في لبنان عن اهتمام خاص بمؤسّسة الجيش، وحرصًا على دعمها ومنعها من السّقوط تحت وطأة الأزمات الاقتصاديّة المتمادية.

دعم الجيش في هذه اللحظة بعد أن كان الحزب يدفع في اتجاه إسقاطه بالضربة الاقتصاديّة القاضية مع وصول راتب العسكري إلى أقل من 50 دولاراً، يعني أنّه يتم تحضيره لأداء دور كبير برعاية أميركيّة يمكنها أن تخلق شبكة تحالفات من دول ترى أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه، يؤثّر على مصالحها وصراعاتها مع الرّاعي الإيراني لحزب الله.

ومن ناحية أخرى يبدو أنّ الزّعيم الدّرزي وليد جنبلاط اشتم رائحة الرّغبة في فتح مواجهة عسكريّة مع حزب الله، فتوجه للقاء بري وأطلق تصريحات في هذا الصدد يؤكد فيها أنّ الحرب ليست مستبعدة، وأنّ هناك دولة عربية تدعم هذا المناخ وتشجعه.

لا يخفى على أحد أن ما يقصده جنبلاط هو الدّعم السّعودي الواضح للقوات اللّبنانيّة وهو ليس سريًّا، ولكنّه كان يأتي تحت عنوان المساعدات الإنسانيّة، وما إلى ذلك ولكنّ حديث جنبلاط يؤكّد أنّ عنوانه الجديد هو تمويل الحرب ضدّ الحزب.

إذا كان هذا المناخ صحيحًا فهذا يعني أنّ هناك قرارا قد اتّخذ بتغيير المعادلة في لبنان، ومنع الحزب من الاستفادة من الظروف القائمة للإمساك التّام به عبر الانتخابات.

المجلس النّيابيّ صدّق على تقريب موعدها وحدّده في الـ 27 من آذار 2022 في ظل مناخ يشي بتركيب حلف رباعيّ، يضم إضافة إلى الحزب حركة أمل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ، وتيار المستقبل، ويمكن لهذا الحلف أن يصبح خماسيّا مع ضم التّيار العونيّ إليه.

يعني ذلك أنّ عنوان المواجهة الذي رفعه جعجع في وجه حزب الله، وإن كان لم يركن إليه على الأرض في موقعة الطيونة ليس عنوانًا انتخابيًّا كما يقال.

المناخ الدولي الميّال إلى التصعيد يكشف عن نوايا لا ترتبط بالعنوان الانتخابيّ بل يعمل على نسفه، لأنّه سيضع البلد تحت سلطة مطلقة للحزب من شأنها تعقيد ملف التّفاوض مع إيران وغيرها من الملفات الكبرى.

قرار تسليم البلد لإيران كان يبدو أنه اتّخذ، ولكنّ الجديد لا يفصح عن رغبة في إنقاذ اللّبنانيّين من براثن إيران بقدر ما يبدو قرارا لا يبالي بتكسيره على رؤوس الجميع، لمنعها من توظيفه في أي شأن تفاوضي.

تريد إيران أن تكون سيطرتها على لبنان امتيازًا ويبدو أن هناك من يريد أن يحوله إلى أزمة مفتوحة قد تكون أولى نتائجها تطيير الانتخابات، بعد تطيير التّحقيق في ملف تفجير المرفأ.

أشباح الحرب تلوح في أفق البلد وقد تبدأ ملامحها عبر مشاريع التقسيم فما أبرزته موقعة الطّيونة، يؤكّد أنّ ما يمكن أن يسمح للحزب بتشكيل جبهة تحالفات تحت عنوان الانتخابات ليس سوى تقاسم للحصص تحت رعايته وإدارته.

خارج هذا العنوان، وإذا ما اتخذت الأمور طابعًا حربيّا، لا حلفاء له على الإطلاق.

على ما يبدو فإنّ طريق السّيطرة على البلد عبر الانتخابات دونه حرب، يعلم الحزب أنّه ليس في مقدوره ربحها إذا ما تيسّر للرّاغبين الكثر في فتحها معه على السّاحة اللّبنانيّة رعاية خارجيّة

العواطف التي ظهرت بعد واقعة الطيونة تظهر أن الجمهور المسيحيّ عمومًا وليس القواتيّ حصرًا، كان يعبّر بشكل صريح عن ارتياحه لما جرى، وكذلك الأمر في ما يخص جماهير السّنة والدّروز.

الرّكض المحموم إلى الانتخابات النّيابيّة هو السّياق الّذي يدفع الحزب بكل ما أوتي من قوة في اتجاهه.

حديث الـ 100 ألف مقاتل ليس سوى أحد عناوينه. ولكن على ما يبدو فإنّ طريق السّيطرة على البلد عبر الانتخابات دونه حرب، يعلم الحزب أنّه ليس في مقدوره ربحها إذا ما تيسّر للرّاغبين الكثر في فتحها معه على السّاحة اللّبنانيّة رعاية خارجيّة.

لعل نصر الله أوّل من يعلم هذه الحقيقة، ولذلك قال مباشرة إنّ حزب الله وحده يملك 100 ألف مقاتل. إنّه وحده وكل من حوله ليسوا سوى طبقة أنتجها فساده وخرابه، ولكن من جهة أخرى لا أحد سيقاتل مع الحزب في حربه.

 من هنا ربما تكون القوى الدّوليّة والإقليميّة قد خرجت بخلاصة مفادها أنّ الظّروف سانحة لفتح مسار تفاوض مع إيران وحزبها في لبنان بالحرب.