نهاية حزب الله ولعبة الاحتضار الطويل

2020.06.04 | 00:07 دمشق

ghsan10.jpg
+A
حجم الخط
-A

يدخل حزب الله جدياً في نفق الاحتضار. فلم يسبق أن تضافرت مجموعة من التحولات والظروف ضده كما في هذه اللحظة، وتحول إلى الوباء العالمي الفعلي في زمن جائحة الكورونا، لدرجة أن أخبار مكافحته وتوفير سبل التخلص منه، وضعته في صدارة الأخطار والنوائب.

كان الحزب المذكور سابقاً شديد السرور بعالميته وانتشاره في شتى بقاع الأرض، وكان يوزع هذا السرور على مريديه بوصفه دلالة لا تخطئ على سطوته وقوته وتجاوزه التام لضوابط العوامل المحلية والإقليمية، وتحوله إلى منظومة مفتوحة لا يمكن مقارنتها سوى بالقوى العظمى.

الاستثمار الإيراني الأبرز نما وتطور لدرجة لم يعد فيها حاملاً لمشروعها الإقليمي ومنافحاً بالحديد والدم عن أحلامها التوسعية، بل باتت إيران حالياً وكأنها الجناح الإقليمي لحزب الله العالمي، وظهرت وكأنها غارقة في حدود الإقليم بينما يسبح حزب الله في المحيطات ويعبر القارات والحدود.

منذ عدة أعوام تسبب شح تدفق المال الإيراني النظيف إلى الحزب بتحولات عميقة طالت بنية العلاقة التي تجمع بينهما، لدرجة يمكن معها الاستنتاج أن الحزب قد بات ممولاً لإيران بالمال وبالأوراق التفاوضية، ولكن هذا التحول كان يقتضي فصل المسارات لتوسيع دائرة التفاوض والحرص على نيل أكبر قدر من المكاسب.

الاستثمار الإيراني الأبرز نما وتطور لدرجة لم يعد فيها حاملاً لمشروعها الإقليمي ومنافحاً بالحديد والدم عن أحلامها التوسعية، بل باتت إيران حالياً وكأنها الجناح الإقليمي لحزب الله العالمي

اقتضى ذلك أن لا تستطيع إيران التفاوض على حزب الله. الكباش الخاسر مع الأميركيين بشأن العراق الذي كان الرئة الأوسع التي تتنفس منها ماديا وسياسيا، كشف عن حالة الضعف والهشاشة التي بلغتها بحيث تمخض عن سلسلة تراجعات متدرجة سرعان ما تبلورت في أكبر صفعة وجهت لإيران منذ عقود مع وصول الكاظمي إلى رئاسة الحكومة والشروع بسحب يدها الغليظة عن الأجهزة الأمنية، ورفع أي غطاء عن أعمال القمع.

في هذه الأثناء كان التعامل مع حزب الله يجري بشكل مستقل ومختلف عن التعامل مع إيران وكأنه قد بات ينظر إليه وكأنه كيان قائم بحد ذاته. ما جرى ببساطة هو أن ما كانت إيران تسعى إلى ترسيخه لكي تلعب من خلاله قد انفجر في وجهها تماما.

بذلت إيران جهودا كبيرة لتحويل حزب الله إلى كيان عالمي تستفيد منه من أجل تمكين طموحاتها التوسعية الإقليمية، وسعت إلى تحويله إلى بعبع دولي في سبيل خلق شبكة تأثيرات دولية يتم استثمارها في مقايضة، تضمن لها ليس بقاء نظامها وحسب بل الاعتراف الدولي بنفوذها في كل المنطقة. هذا السياق الذي بدا أنه نجح في مرحلة سابقة ووصل إلى درجة من الثبات والاستقرار حتى بات مقياسا يمكن من خلاله قراءة مستقبل المنطقة ومصيرها، هو تحديدا ما يشهد حاليا انقلابا تاما.

عالمية حزب الله التي كان القاصي والداني يعلم أنه لا يمكن مواجهتها بلا سياق عالمي وضعت في إطار مواجهة دولية، بعد أن اقتنعت أوروبا مع الأميركيين أن كلفة التفاهم معه أعلى بكثير من كلفة مواجهته.

انطلقت الحرب عليه من جهتين أولاهما كانت عبر تفريغ استثماره الدموي الأبرز في سوريا من المعنى والدلالة، فها هو يطرد منها من دون أن يكون جزءا من لعبة تقاسم النفوذ، ويتركه حليفه الروسي نهبا لمحطات قصف إسرائيلي شبه يومي تقضي على عناصره وعلى عتاده.

الجهة الثانية كانت بإخراجه من دائرة الشرعية والقدرة على العمل والوجود في أوروبا تحت سقف مقونن، وبذلك بات مشكلة أمن داخلي لكل البلاد التي شرعت بتصنيفه كتيار إجرامي إرهابي بشكل كلي، وخرجت من دائرة التوصيفات الشعرية التي تفصل بين جناحيه العسكري والسياسي.

أُخرج الحزب من دائرة السياسة ككل وتحول إلى عصابة دولية وتاليا لم يعد ممثلا لطائفة أو تيار او حاملا لطقوس أو ممتلكا لكيان يمكن التعامل معه كتنويع ثقافي

أُخرج الحزب من دائرة السياسة ككل وتحول إلى عصابة دولية وتاليا لم يعد ممثلا لطائفة أو تيار أو حاملا لطقوس أو ممتلكا لكيان يمكن التعامل معه كتنويع ثقافي، أو التساهل معه على مستوى السماح له بنشر طقوسه في مدن أوروبا، بل صار كل ما يصدر عنه ملحقا بالتوصيف الإجرامي.

سحب ذلك من الحزب ليس القدرة على العمل وحسب، ولكنه سحب منه القدرة على التوظيف الفعال للأيديولوجيا والغيبيات التي طالما كان تعميمها يرتبط بالمصالح المادية المباشرة، وأجبرته على الدخول في الميدان الذي لا يبرع فيه كثيرا وهو ميدان الواقع المر.

ترجمة هذه العودة تتلخص في إجباره القسري على الانحصار في سياق لبناني بدأت ملامحه بالتكشف منذ أن جاء بحكومة حسان دياب إلى لحظة قبوله بالتفاوض المستحيل مع صندوق النقد الدولي، وما لحق ذلك من تحوله إلى مهرب مازوت وطحين على حساب اللبنانيين إلى النظام في سوريا والذي لا يتوقع له البقاء والاستمرار. لم يعد حزب الله عالميا بل أجبر على الغرق في وحل محلية لا يتوفر له من يفاوضه عليها، بل تجتهد العقوبات في تحويلها إلى نوع من المرض القاتل الذي لا أدلّ من بدء سريانه في جسم الحزب الإلهي من وضع سلاحه في دائرة الاستهداف الفعلي وهو ما لم يكن أحد ليحلم به.

يواجه الحزب هذه الحروب كلها بالملل وتحويل احتضاره إلى فعل قادر على الاستمرار لفترة طويلة مستفيدا من آليات العمل الدولية، فالتفاوض المحكوم بالفشل مع صندوق النقد الدولي، أو عملية الشروع في نزع السلاح إذا ما سلكت دربا جديا ستكون عملية طويلة وممرحلة، يمكنها أن تحتضن مشروع حرب أهلية أو مجاعة عامة وإفلاس تام، يراهن الحزب عليه في سبيل تمويت كل ما بقي في البلاد من حياة وأمل.