منصة الائتلاف السوري بين مستوى التمثيل وسقف التوقعات

2023.09.19 | 07:27 دمشق

منصة الائتلاف السوري بين مستوى التمثيل وسقف التوقعات
+A
حجم الخط
-A

لعل حجم الخيبات وعمقها لدى السوريين من الجهات والهيئات المحلية منها والدولية مرتبط بسقف التوقعات والآمال المعقودة على هذه الجهات، ولا سيما التي تُعلن عن تمثيلها أو دعمها لحقوقهم وتطلعاتهم، وسقف التوقعات هذا مرتبط بمستوى تمثيل هذه الجهات والهيئات لإرادة وآمال وحقوق السوريين. يُعد الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة من الهيئات التي أورثت السوريين سلسلة من الخيبات والرهانات الغادرة، من خلال التناوب على إدارة هذا الكيان من قبل مجموعة من الأشخاص الذين سرقوا شرف تمثيل الشعب السوري الثائر وفرطوا بحقوقه. ولعل قراءة الأحداث في سياقها الطبيعي والمنطقي والتاريخي، يساعدنا في فهم وتحليل ما آلت إليه ممارسات الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة من خلال سلوكيات الأشخاص المتحكمين بصناعة القرار داخل أروقة هذه المؤسسة وإدارتها بعقلية الشللية الانتهازية والارتهان لمشاريع سياسية ومصالح دولية أبعد ما تكون عن مصالح السوريين.

متى وكيف أسس الائتلاف؟

بتاريخ 11/11/2012 تم الإعلان عن تشكيل الائتلاف في الدوحة عاصمة دولة قطر، وجاء هذا التشكيل بعد ضغوط واقتراحات دولية وفي مقدمتها الضغوط الأميركية الداعية لتوسيع تمثيل السوريين بما يتجاوز حالة "المجلس الوطني السوري" آنذاك. وما إن تم الإعلان عن ولادة هذا الكيان حتى سارعت الدول بالاعتراف به ممثلاً للسوريين، وكانت فرنسا وتركيا وبريطانيا وأميركا في مقدمة هذه الدول، بالإضافة إلى دول الخليج العربي والجامعة العربية ماعدا (العراق والجزائر ولبنان)، وبعد انعقاد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري بتاريخ 12/12/2012 في مراكش - المغرب وصل عدد الدول التي اعترفت بالائتلاف قرابة 100 دولة.

وهذا يؤشر إلى بداية دعم دولي لإرادة السوريين وصوتهم الذي كان آنذاك يعانق عنان السماء ويصدح بطلب الحرية ملء الكون، ويرفع هذا الصوت ملايين السوريين على الأرض من خلال تظاهرات وأهازيج وحراك مدني سلمي ملوَّن بالطيف السوري كله دون استثناء.

أعلن الائتلاف حينذاك عن أهدافه المتمثلة بالنقاط الآتية:

- إسقاط نظام بشار الأسد ورموزه.

- تفكيك الأجهزة الأمنية السورية.

- توحيد الجيش السوري الحر ودعمه.

- رفض الحوار والتفاوض مع حكومة الأسد ومساءلة المسؤولين عن قتل وتهجير السوريين.

- إنشاء صندوق دعم الشعب السوري بتنسيق دولي.

فاستقبل السوريون خبر ولادة الائتلاف كممثل لهم ولصوتهم بارتياح كبير وأمل بتوحيد الجهود وتنسيقها، ولعل من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن التنسيقيات المحلية سجلت نحو 497 نقطة تظاهر في سوريا تؤيد وتدعم هذا الكيان آنذاك.

وهنا وانطلاقاً مما آلت إليه الأمور اليوم يحق لنا التساؤل عما إذا كان ذلك كله دعماً وتأييداً دولياً أم هو احتواء وتدجين وضبط إيقاع الحراك الثوري من خلال استخدام هواة سياسيين وراغبي سلطة هانت عليهم أنفسهم وكرامتهم قبل هوان حقوق السوريين عليهم؟ وهل رفع السوريون سقف التوقعات من هذا الكيان الوليد إلى حد يفوق قدراته واستطاعته؟

ما هو مستوى تمثيل السوريين في الائتلاف؟

ضم هذا الائتلاف تشكيلات وكيانات معارضة وثورية عديدة، من بينها المجلس الوطني السوري والهيئة العامة للثورة السورية، ولجان التنسيق المحلية، وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحركة معاً من أجل سورية حرة وديمقراطية، والكتلة الوطنية الديمقراطية وتيار مواطنة، وقيادة الجيش الحر، والمجلس الثوري لعشائر سوريا، والحراك الثوري، ورابطة العلماء السوريين، واتحادات الكتاب، والمنتدى السوري للأعمال، وتيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، والمجلس الوطني الكردي، الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، والمكون التركماني، والمنبر الوطني الديمقراطي، والمجالس المحلية للمحافظات، إضافة لبعض الشخصيات الوطنية وممثل عن المنشقين السياسيين.

وفي المشهد الأخير لانتخابات الائتلاف شاركت المكونات التالية: مجلس القبائل والعشائر السورية 5 أعضاء، الإخوان المسلمون 2 عضو، تيار المستقبل الوطني 2 عضو، التيار الوطني السوري 2 عضو، المجلس التركماني السوري 9 عضو، المجلس الوطني الكردي 11 عضواً، المنظمة الآشورية الديمقراطية 2 عضو، رابطة المستقلين الكرد 3 أعضاء، مجالس محلية 6 أعضاء، مجالس تمثيل محافظات 9 أعضاء، شخصيات مستقلة 15 عضواً، ممثلو الفصائل العسكرية 15 عضواً.

لو نظرنا بعين الموضوعية والواقعية لكل هذه المكونات فهل يستقيم حكمنا على نسبة تمثيل هذه الكيانات والهيئات للشعب السوري؟ وكيف ومتى تشكلت معظم هذه التيارات؟ وما مدى ارتكازها الشعبي والوطني السوري؟ لا سيما وأن الائتلاف أسس بواقع 63 مقعداً وبعد التوسع وصل إلى 113 مقعداً ثم تقلص العدد إلى 83.

الشخصيات التي تولت المناصب ولعبت الأدوار

تم انتخاب معاذ الخطيب لرئاسة الائتلاف دون أي منافسة، وانتخب أيضا رياض سيف وسهير أتاسي نائبين للرئيس، ومصطفى الصباغ أمينا عاما.

بعد استقالة الخطيب من منصبه في 24 مارس/آذار 2013، تولى جورج صبرا الرئاسة، حيث بدأت تظهر أسماء وتتكرر في عمليات تداول المناصب وتدوير المكاتب مثل أحمد الجربا وأنس العبدة وهادي البحرة ونذير الحكيم وأحمد رمضان ومحمد فاروق طيفور ونصر الحريري وبدر جاموس وسالم المسلط وعبد الحكيم بشار وغيرهم، إلى أن تبلورت ظاهرة الشخصنة والاصطفاف والشللية والانتهازية وتشكيل اللوبي صانع القرار داخل الكواليس، والمعروف بـ مجموعة ال (4 ج) الفور جي والمرتبطة بقوى خارجية، مما أدى لإضعاف فاعلية وتمثيل هذه المؤسسة، وبدأت تُعرف بقضايا الفساد السياسي والمالي، مثل صفقة بيع جوازات السفر المزوّرة للسوريين واستغلال حاجتهم لها، والتسول باسم الشعب السوري وتسلم مبالغ مالية كبيرة تقدر بملايين الدولارات من دول عديدة دون وجود رقابة ولا جهاز تتبع لهذه المبالغ، بالإضافة إلى ضلوعهم بمسارات سياسية أفضت إلى التفريط بحقوق السوريين مثل مسار أستانة التفاوضي ومسار اللجنة الدستورية، وانقطاع الصلة مع تطلعات السوريين ومصالحهم، في الوقت الذي كانت تتفاعل فيه الأحداث العسكرية والسياسية على الساحة السورية بصورة معقدة ومتسارعة، ممثلو الائتلاف منشغلون بصراعاتهم البينية.

هذا ما يُعيدنا مرة ثانية إلى مشروعية سؤال التمثيل، فهل الشخصيات السابق ذكرها وبصفتها الاعتبارية، واستدلالا بسلوكياتها تمثل السوريين أم تمثل مصالحها وارتباطاتها؟

وربما المشهد الأخير من هزلية انتخابات الائتلاف وإعادة تدوير الطرابيش، كان له وقع خاص ومبرر لدى السوريين، لاسيما في ظل ظروف ومتغيرات مستجدة على الساحة السورية مثل حراك الكرامة في محافظة السويداء، وتجدد الحراك الشعبي في درعا والشمال السوري، وما يجري من مواجهات في منطقة شرق الفرات وحراك دير الزور، مما سلط الضوء على حجم الفجوة بين ما هو مأمول من مؤسسة الائتلاف وبين ما هو واقع لأدائها المخزي والمحبط.

في الختام يمكننا الاتفاق على أنه من المُجدي أن يتم تجاوز هذا الكيان أو المنصة التي لا تمثل سوى المرتزقين منها وإسقاطها من حسابات السوريين وعدم الانشغال بأخبارها ونزع الشرعية الشعبية منها بصورة مطلقة، والانشغال بإنتاج ما يمثلنا ويحمل قضايانا وتطلعاتنا إلى جميع السوريين بكل مكوناتهم وتطلعاتهم ومخاوفهم، بصيغة مؤسساتية تحمي ذاتها من تغول الأفراد والكيانات وأطماعهم من خلال آليات عمل واضحة وقواعد حاكمية رشيدة، وبشكلٍ موازٍ ملء الفراغ والحضور في الهيئات الدولية والأممية والمحافل المختلفة بالاعتماد على سوريين مؤهلين وذوي كفاءة وفاعلية وهم كُثرُ وموجودون في جميع أنحاء العالم.