مستقبل السوريين في تركيا إلى أين؟!

2019.07.22 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مع كل استحقاق انتخابي تركي، ومع حدوث أي مشكلة اجتماعية تتعلق بالأجانب، تعود مسألة وجود السوريين في تركيا إلى السطح من جديد بشكل أكثر قوة وتشنجاً، ومع كل حدث جديد يظهر عمق هذه المشكلة، والحاجة إلى الإسراع باتخاذ التدابير العاجلة والاستباقية لكي لا تصل الأمور إلى حالة من الانفصام والطلاق الثقافي والتخندق الاجتماعي بين اللاجئين والمضيفين.

تعتبر تركيا- وبإشادة كثير من الدول الأوربية- من أكثر الدول المجاورة لسوريا نجاحاً بالتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، فلا يمكن حتى مجرد المقارنة بين أوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار وبين وضعهم بتركيا التي قامت بكثير من التسهيلات والخطوات الجبارة لاحتواء هذا العدد الهائل من اللاجئين وما يحملونه معهم من اختلافات فكرية وثقافية وهموم ومشكلات وتعقيدات وتحديات.

كل هذا النجاح والتقدير لا يجب أن يجعلنا أن لا نرى بعض الإخفاقات في كثير من الملفات التي لم تعالج بشكل كاف أو التأخر بكثير من القرارات.

ما يعيشه السوريون بالأيام الأخيرة من خوف وهلع وترقب واختباء بالبيوت خشية الاعتقال والترحيل، وما حصل من حالات ترحيل تعسفي عنيف وتشتيت للعوائل وعدم مراعاة للأوضاع الإنسانية ...أكبر دليل على أن ثمة تقصيراً ونقصاً وإخفاقاً في علاج هذه المسألة، ودليل على أنه ما تزال هناك كثير من العقبات والتحديات تحتاج للتوقف عندها بإمعان...هذا التعثر والتأخر يتحمله

ثمة أسباب عديدة وأخطاء وتراكمات، أوصلت المسألة السورية إلى هذه المرحلة التي جعلتها تبدو كأنها معقدة ومستعصية

السوريون والدولة المضيفة... من دون أن نغفل الأيادي الخفية المخربة التي تسعى إلى إحراج الحكومة التركية أمام مواطنيها، وتشويه سمعتها أمام السوريين وأمام الرأي العام و المجتمع الدولي.

إذاً ما نزال أمام مشكلات كثيرة وملفات عالقة تحتاج للحل، وما نزال أمام تحديات تتطلب الجرأة بالطرح والعلاج.

ثمة أسباب عديدة وأخطاء وتراكمات، أوصلت المسألة السورية إلى هذه المرحلة التي جعلتها تبدو كأنها معقدة ومستعصية بينما هي -برأيي– ليست بهذه الدرجة من الصعوبة والتعقيد.

بداية الحل بقبول الأخطاء والتعثرات التي حصلت... وقبول النقد الذاتي هي الخطوة الثانية للحل... والتشخيص الصحيح الخطوة الثالثة والجرأة بالطرح هي مقدمة الحل والنجاح.

الطرف السوري يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فشل الائتلاف السياسي بتمثيل السوريين والشرخ بينه وبين المواطنين، وعلاقته الضعيفة مع منظمات المجتمع المدني وفقدانه للكوادر المهنية وانشغاله بالأمور السياسية جعله مؤسسة بعيدة عن ملامسة هموم اللاجئين اليومية ناهيك عن تقديم الحلول ومتابعة تنفيذها.

ربما يعترض كثيرون لتعويلي على دور الائتلاف، وهذه أيضاً من سلبيات العقلية السورية التي تستسهل هدم المؤسسات لا إصلاحها.

والمؤسسات أيضا هي الأخرى يجب أن تكون قابلة للتغيير والنقد والاصلاح... وأن تكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة.

تعدد منصات المجتمع السوري وتسابقها فيما بينها، وتقمص أدوار بعضها، بدل تكامل أدوراها، وحرص كل منصة لتصدر المشهد وحدها، وسعيها لتكون الناطق الرسمي والوصي باسم السوريين، جعل عدد المرجعيات يتفاقم ويسبب حرجاً وإشكالاً عند الدولة المضيفة للتعامل مع كل هذه المرجعيات المختلفة.

ناهيك عن افتقار لكثير من هذه المؤسسات للمهنية والكفاءة والحرفية للتعامل مع القضايا الحقوقية، وتعقيدات اللجوء، ومشكلات الاندماج... فهي أقرب للجمعيات الخيرية منها إلى منظمات المجتمع المدني.

وهذا ليس عيباً أو خللاً كبيراً، بسبب الولادة الجديدة لهذه المؤسسات، وطبيعة المرحلة التي تعيشها، والحالة الاستثنائية التي تعمل ضمنها.

منظمات المجتمع المدني هي التي تقوم بدراسات وتقدم عرض للمشكلات وتقدم الحلول والتوصيات العلمية المهنية، وتنتقد الأخطاء أثناء التطبيق وتسعي إلى تصويبها، وليس بالضرورة أن تكون متصدرة المشهد، ولا تسعى إلى الوصاية والهيمنة.

كل هذا جعل الساحة خالية من الجهة السورية المهنية والحرفية، من أصحاب الكفاءات العلمية والأكاديمية، التي تدرك الوضع الحقيقي لطبيعة المجتمع المضيف، ونمط تفكيره، والضغوطات والصعوبات التي تعيشها الدولة المضيفة.

وتسطيع تشخيص المشكلات مهنياً، وتقديم الحلول، والجرأة والشجاعة مع المنطق والحكمة لطرح الحلول وقناع الطرف الآخر بهذه المقترحات وتنفيذها.

تركيا هي الأخرى لم تكن مستعدة لتحمل هذا العدد الهائل من اللاجئين ولم تكن تتوقع أن الأزمة تطول لهذه السنيين، كانت الحسابات في البداية على أنها مجرد أشهر قليلة وتنتهي لذلك كانت الإجراءات كلها تحمل صفة"مؤقتة" من حكومة ومدارس ومراكز صحية وغيرها.

لكن بعد طول الأزمة بدأت تطفو على السطح كثير من المشكلات وبدأت الحلول تتأخر مما يزيد بتعقيد العلاج وتفاقم المشكلات.. ساهم بذلك اعتماد الدولة المضيفة على قنوات تواصل مع المجتمع السوري غير كافية، وعدم الاستماع للمقترحات والحلول المقدمة من بعض الجهات المهنية والثقة بالنفس التي جعلت بعض القرارات تأتي بنتائج على عكس ما تشتهي السفن.

ملف اللاجئين ليس بالأمر السهل، يزيد من تعقيده أمور خارجية وداخلية، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية متراجعة، وتنامي

تشخيص المشكلات على أسس قانونية حقوقية وبشكل مهني وعلمي، ووضع الحلول بناءً على هذه الأسس والقواعد

للشعور القومي ومعاداة للأجانب في كل مكان من العالم المعاصر، وضغوطات أجنبية وتعثر وتأخر وربما استعصاء للحل السوري الداخلي.

كل هذا يستوجب الإسراع بالحل والعلاج قبل استفحال كثير من مضاعفات هذه المشكلة...

برأيي الحل يتمحور في عدة نقاط أهمها:

أولاً: التوجه نحو الرأي العام التركي، لتعديل وإصلاح وتغيير النظرة السلبية التي تشكلت، لأسباب كثيرة وعديدة، منها الذاكرة التاريخية، ومنها طريقة التعامل مع المسألة السورية، وبعض المظاهر وسلبيات التصرفات السورية وغيرها.

تغيير هذه القناعة يحتاج لجرأة ومواجهة ومكاشفة، لكنها خطوة ضرورية وأساسية.

ثانياً: تشخيص المشكلات على أسس قانونية حقوقية وبشكل مهني وعلمي، ووضع الحلول بناءً على هذه الأسس والقواعد.

ثالثاً: أن ينظم السوريون أنفسهم من جديد، بناء على فهم المتغيرات الحقيقية والسياسية التي تجري داخل تركيا وخارجها... فهم الواقع كما هو، وليس كما نتمنى، بعيداً عن العواطف والأمنيات والأحلام، والعمل بصمت ومن دون ضجيج وتجييش واستفزاز، فكل عمل وله ردة فعل عن الآخر المتربص بتركيا والسوريين على السواء..

فهل نعمل على الإصلاح قبل فوات الأوان...!!؟؟

 

كلمات مفتاحية