"محور أستانا" فرصة ذهبية لأنقرة في ضرب خصومها

2022.12.08 | 06:16 دمشق

ئءؤر
+A
حجم الخط
-A

لم تثمر الاجتماعات الأخيرة المتعلقة بالملف السوري على ما يبدو، فيما يتعلق بالسوريين أنفسهم، إلا أنها تبدو الآن أكثر من أي وقت مضى فرصة للدول الضامنة لتحقيق أهدفها، التي تتقارب حينا وتتنافر في أحيايين أخرى. تشير المعطيات إلى توافقات بين العواصم الثلاثة، أو ما يعرف بالدول الضامنة لاجتماعات أستانا أنقرة وطهران وموسكو على ضرب قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وتلك فرصة ينتهزها الأتراك للحصول على ضمانات من الشركاء والخصوم في آن معاً. 

تبدو علمية المخلب - السيف التي أطلقتها أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا والعراق هي مقدمة التحركات التركية واستمرارها وتطورها إلى عملية برية أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى، نظراً لجملة من المحددات التي تدعم الموقف التركي من قبل شركائها في أستانا، إذ تتقاطع المصلحة التركية الإيرانية في ضرب القوات الكردية والتي تعتبرهم طهران أحد المحركين الرئيسيين للحراك الشعبي في إيران إضافة إلى الهجمات المتكررة التي يستهدف فيها تركيا، وكان آخرها التفجير في شارع الاستقلال في منطقة تقسيم وسط إسطنبول، بعد أن أظهرت التحقيقات التي كشفت عنها الاستخبارات التركية، عن ضلوع عناصر منتمين إلى حزب العمال الكردستاني بالتفجير، كما كشفت عن تلقي منفذة الهجوم تدريبات على أيدي أمنيين في حزب العمال، في مناطق يسيطر عليها التنظيم الذي تصنفه أنقرة بالإرهابي في عين العرب ومنبج، وهي المنطقة التي تلوح أنقرة باستهدافها في العملية العسكرية المقبلة.

أما إيران التي يتوسع فيها الحراك الشعبي وينتشر كالنار في الهشيم في عموم المدن الإيرانية، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني على أيدي الشرطة الأخلاقية، وتتهم طهران الأكراد بدعم هذا الحراك نتيجة انتماء الشابة مهسا إلى المكون الكردي، ما يجعلها تغض الطرف عن تحركات أنقرة في سوريا ضد هذه التنظيمات، رغم أن حكومة طهران تقمع المعارضة الكردية المسلحة في كردستان إيران، إلا أنها تدعم ميليشيا حزب العمال الكردستاني والتنظيمات القريبة منه في العراق وسوريا، كما أنها تستخدم هذه الميليشيات لضرب الوجود التركي في شمال العراق وشمال سوريا.  

وعلى الرغم من الضغط التركي وبعض التفاهمات بين أنقرة وطهران، لم تنخرط إيران في أي محاولة حقيقية لقمع حزب العمال الكردستاني، وفي المقابل استهدف الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني بشدة من قبل قوات الأمن الإيرانية، وقد تغض إيران الطرف عن التحركات التركية ضد حزب العمال في سوريا نتيجة الحراك الذي يعصف في المدن الإيرانية.

العلاقات الروسية التركية والحرب الأوكرانية 

أما روسيا التي تشير تصريحاتها إلى أنها ليست بصدد معارضة تركيا، كما كانت تفعل دائماً، وتكتفي بلعب دور الوساطة والتلميح لجميع الأطراف بضبط النفس، فترى أن قوات سوريا الديمقراطية، التي لم توافق على المساعي الروسية لإجراء مصالحة سياسية مع نظام الأسد، والتي تضمن حماية "قسد" من التمدد التركي ونشر قوات النظام على الحدود السورية التركية، وهو ما سعت إليه موسكو خلال الفترة الماضية؛ إلا أن قسد بقيت مصرة على تعطيل هذا المسار، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق مع القوات الأميركية والتحالف الدولي في المنطقة، وهو ما يزعج موسكو، التي تسعى للتمدد في شمال شرقي سوريا حيث منابع النفط والثروات، وهو ما أشارت إليه تحركاتها الأخيرة مع انحسار القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا. 

وما يعزز موقف أنقرة وضمان غض الطرف الروسي، التنسيق عالي المستوى بينها وبين موسكو، خلال الحرب الأوكرانية، والذي كانت له نتائج إيجابية على العلاقات بين الطرفين، من خلال الموقف التركي الحيادي، وعدم دخول أنقرة في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا، ونجاح الرئيس التركي في إنجاز اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة، واتفاق إنشاء مركز للغاز الروسي على الأراضي التركية، ما يجعل العلاقات الروسية التركية في أحسن حالاتها وتلك فرصة ثمينة يمكن لأنقرة اللعب عليها وضمان سكوت الروس عن توغلها البري في مناطق سيطرة قسد. 

واشنطن والموقف المتردد 

لا يبدو الموقف الأميركي ثابتاً تجاه ما يحصل في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث يعلن المسؤولون في واشنطن عن مخاوف من أي عملية عسكرية ضد "قسد"، بحجة تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، في حين يبدي آخرون أحقية أنقرة بحماية حدودها الجنوبية من أي هجمات، وحقها في الدفاع عن أمنها القومي، خصوصا بعد تفجير إسطنبول. 

حيث قال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إن تركيا تواصل مواجهة تهديد إرهابي، ولها الحق في الدفاع عن نفسها. في حين قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" باتريك رايدر، إن العمليات العسكرية التركية "تهدد أمن الجنود الأميركيين في سوريا، نتيجة استهداف القوات التركية مواقع لقسد تنتشر فيها القوات الأميركية"، وعبّر عن قلق "البنتاغون" إزاء تصاعد التوتر شمالي سوريا والعراق وفي تركيا، زاعماً أن "التوتر المتصاعد يهدد التقدم الذي يحرزه التحالف الدولي منذ سنوات لإضعاف وهزيمة داعش، وأن الغارات الجوية التركية الأخيرة في سوريا تشكل تهديداً مباشراً لأمن الجنود الأميركيين ممن يعملون مع الشركاء المحليين، حسب تعبيره. 

فرصة ذهبية لأنقرة 

وأمام تلك العوامل والمعطيات ومواقف الدول الفاعلية تبدو أنها فرصة ذهبية لأنقرة لمواصلة عملياتها العسكرية، ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما تؤكده تصريحات المسؤولين الأتراك، حيث يقول وزير الدفاع خلوصي أكار: "إن العملية البرية قادمة لا محالة وإن عملية المخلب السيف مستمرة لضرب أهداف المجموعات التي يصفها بالإرهابية" إضافة إلى التحركات على الميدان حيث أفادت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا أن الاستعدادت للعملية العسكرية مستمرة وتم توزيع محاور القتال على مجموعات الجيش الوطني، إضافة إلى التعزيزات العسكرية التركية التي رصدتها حسابات إعلامية متجهة إلى الأراضي السورية عبر معبر باب السلامة، بانتظار ساعة الصفر التي قد يتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة.