فوضى السلاح في الشمال تجعل الثائر قاطع طريق

2020.12.15 | 23:01 دمشق

img_20201214_143152_824.jpg
+A
حجم الخط
-A

لعل مقولة "حامل سلاح بلا عقل يصبح قاطع طريق" هي الأكثر دقة في توصيف المشهد الذي تعيشه مناطق سيطرة المعارضة "المحررة" عموما، ومناطق ريف حلب الشمالي، أو ما تعرف بغصن الزيتون ودرع الفرات، الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني.

على وجه الخصوص، تئن هذه المنطقة تحت وقع ممارسات تجعل منها ما يشبه مجتمع الغاب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، لا يحترم فيها إلا مفهوم القوة، يأكل القوي الضعيف وتغيب لغة العقل والمنطق، في التعامل مع مجريات الأحداث، وتضيع الحقوق ويسفك الدم الحرام، ويعقد المتصارعون مجالس للصلح، على موائد قوامها لحوم الضحايا وأنات الثكالى ودموع أيتام لم تقتلهم طائرات الأسد وبوتين.

ومع تصاعد عمليات القتل والاغتيالات والصراع بين إخوة السلاح، تتحول المنطقة رويدا رويدا، إلى بقعة جغرافية يحكمها واقع لا أخلاقي لتحقيق المصالح الشخصية الضيقة، التي لا تراعي حرمة دم، أو رفقة خندق، أو قضية، ويصبح الإنسان فيها سلعة رخيصة، ثمنه رصاصة بندقية من صديق، أو طعنة سكين من صاحب غاية، أو شظية من عربة ملغمة أعدها عدو يتربص.

في أقل من أربع وعشرين ساعة فقط، تنام المنطقة على وقع جريمة نكراء، راح ضحيتها ناشط إعلامي ذنبه أنه يعد تقريراً مصوراً يسلط الضوء فيه على واقع حياة البائسين في منطقة ترزح تحت تأثير كائن لا يرى بالعين المجردة (فيروس كورونا) الذي جعل العالم يقف على ساق واحدة، يقتل الناشط الإعلامي حسين خطاب في أحد أحياء مدينة الباب ليكون الضحية العاشرة، أو ربما أكثر خلال الأشهر الأخيرة، التي يغتال فيها قطاع الطرق فرائسهم بدم بارد دون أن يسمع صوت لمن هم معنيون بحفظ الأمن وسلامة المواطنين، الذين تشكل غالبيتهم من المبعدين عن ديارهم بغير حق، على أيدي برابرة العصر عصابة الأسد وحلفائهم، ليترك الخطاب خلفه أماً ثكلى وأرملة وأيتاماً لا يعرفون من هو قاتل أبيهم.

لم تصحو المنطقة من وقع الجريمة النكراء في الباب حتى استفاقت على جريمة أشد بشاعة، وأكثر إيلاما، في بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين شمالي حلب القريبة من الباب، تصحو المنطقة على وقع أزيز الرصاص بين رفاق السلاح والقضية وشركاء الخندق، عناصر من حركة نور الدين الزنكي، ومجموعات من مقاتلي ريف دمشق، راح ضحيتها قتيل وخمسة جرحى، على خلفية اعتقال حركة الزنكي، مهجرا من مدينة زملكا في الغوطة الشرقية، بسبب نزاعٍ حول منزل يسكنه المهجر، وتعود ملكيته لعائلة مهجرة من سكان البلدة، وبعد ساعات من الاشتباكات التي لا تختلف كثيرا عن حرب ربما لم نرَ هؤلاء المقاتلين يقاتلون بتلك الشراسة على خطوط المواجهة مع العدو الحقيقي، حرب تحضر فيها كل أنواع الأسلحة وتطلب المؤازرات ينتج عنها سيل من الدماء وأشلاء وضحايا تملأ الشوارع، يخرج بعدها قادة المجموعات بالزي العسكري بهيبة المنتصرين، في صورة نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي، يتوسطهم شرعي لأحد الفصائل العسكرية، يصافحون بعضهم، وربما تبع ذلك وليمة كبرى تحدث فيها الحاضرون عن فضائل الجهاد، ووحدة الصف دون أن يذكروا من قتل أو أصيب إلا قليلا وكأن دماء هؤلاء الضحايا أصبحت ماء عندهم. 

متى يصبح الثائر قاطع طريق؟؟

لعل أبرز ما يجعل المقاتل وصاحب القضية قاطع طريق عندما تضيع البوصلة ويصبح السلاح وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية الضيقة لا وسيلة للخلاص من عدو ظالم يتربص بهم، ولا يلتزم حامله بأخلاقيات القضية التي يمثلها نتيجة ضعف التربية والسقوط الأخلاقي، فيصبح قائده هواه ويزين له شيطانه ما يصنع، يصبح الثائر قاطع طريق، عندما يكون قائده، أي قائد مجموعته أو فصيله بمثابة فرعونه الذي لا يريه إلا ما يرى، وما يهديه إلا سبيل الرشاد، فيتحول المقاتل عندها إلى بيدق وأداة لتنفيذ رغبات قائده الذي غرته قوته وعصبته، التي تقوى على تحريك ساكن أمام ما يتهدد المنطقة المحررة من عدو متربص، فيتحرك بأمر قائد دون وعي أو محاكمة عقلية فيكون اليد الضاربة له ضد كل من يخالفه حتى في الرأي، ولو كان رفيقه في الخندق قبل يوم واحد، يصبح الثائر قاطع طريق عندما تبهره قوة السلاح في يده دون أن يدري أن هذا السلاح وجد ليكون بوصلة الخلاص من الظلم والاستبداد لا أن تدفعه الحماسة لارتكاب الموبقات باسم الثورة وأن هذا السلاح ما وجد في يده إلا لحماية أهله والدفاع عنه لا أن يكون سيفا مسلطا على رقابهم، يصبح الثائر قاطع طريق عندما يلقنه قادته وزبانيتهم أن كل من يخالفك الرأي أو المصلحة فهو عدو يحل قتله.

كيف السبيل إلى الخلاص من فوضى السلاح؟؟

لعل أبرز ما يجب فعله للخلاص من ذلك الواقع المنحدر إلى أدنى معايير الاخلاق والتزام المقاتلين بأخلاقيات الحرب وآدابها في منطقة دفع سكانها ما تنوء الجبال على حمله في سبيل نيل حريتهم وكرامتهم، فغدا جلهم مهجرين مبعدين من ديارهم هربا من ظلم وقع عليهم، فيجب تربية المقاتلين على خير الأخلاق والفضيلة والآداب، وتوضيح الهدف والغاية من حمل السلاح، بعيدا عن الرياء والسمعة والإخلاص للقضية التي خرج من أجلها السوريون لتسقط الرغبات الشخصية والمصالح الخاصة، وعدم انصياع المقاتلين لأوامر قادتهم الذين جعلوا من مواقعهم بوابة لجمع ثرواتهم والتسلط على الشعب وغرتهم مناصبهم التي وصلوا لها على كاهل هؤلاء العناصر، وتفعيل دور المؤسسات الثورية والقضاء ليكون الفيصل بين المتخاصمين وتحكيم لغة العقل بعيدا عن البطولات الوهمية والضرب بيد من حديد على كل من يتهاون بدماء الأبرياء ويعيث فسادا في هذه المنطقة.

ختاماً... إن سلوك بعض الأفراد والمجموعات التي تحمل السلاح جلب التهمة للثورة السورية بأنها مزيج من الفوضى وعدم المسؤولية رغم أنها من أعظم الثورات التي عرفها التاريخ، وعلى من يحمل السلاح الالتزام بالأخلاق العالية، ومراعاة ضوابط ومعايير حمل السلاح، وفهم الغاية والهدف من حمله، ومعرفة العدو الحقيقي الواجب قتاله والرأفة والرحمة بسكان المنطقة التي أثقلت كاهلهم عشر سنوات عجاف.