"لكنّكَ لا تبدو سوريّاً" عن العنصرية في تركيا

2023.05.25 | 05:50 دمشق

آخر تحديث: 25.05.2023 | 05:50 دمشق

"لكنّكَ لا تبدو سوريّاً" عن العنصرية في تركيا
+A
حجم الخط
-A

تحدى منير إرتيغون، سفير تركيا في الولايات المتحدة الذي خدم لعشر سنوات هناك، بدءاً من عام 1934، العنصرية في الولايات المتحدة. دعا الرجل أشهر فناني موسيقى الجاز الأميركيين من أصل إفريقي، لإحياء حفلات السفارة التركية في العاصمة واشنطن. في الوقت الذي كانت فيه العنصرية في ذروتها هناك. فعلها السفير التركي وشكّل نموذجاً مهماً ومبكّراً للكفاح ضد العنصرية، رغم التحذيرات من السياسيين الأميركيين. عندما نصحه أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بإدخال ضيوفه السود من الباب الخلفي للسفارة، أجاب الرجل: "أياً كانوا، نحن لا نستقبل ضيوفنا، إلا من الأبواب الأمامية".

ذهب ولدا السفير أحمد ونصوحي، وهما مؤسسا شركة تسجيلات موسيقية، أبعد من ذلك. نظّما أول حفل موسيقي متكامل في المدينة عام 1942 في مركز الجالية اليهودية. بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنصرية في 21 آذار/مارس الماضي، سيقول موريس جاكسون أستاذ الدراسات الأميركية الإفريقية في جامعة جورج تاون لوكالة الأناضول: "رجلان مسلمان يجلبان موسيقى سوداء إلى مؤسسة يملكها يهودي! أنا حتى لا أعرف إن كان من الممكن حدوث هذا الآن".

"الأتراك عنصريون" جملة يتداولها السوريون اليوم في تركيا. شخصياً لست ألومهم، سوى على اللغة التعميمية، فما يواجهونه في تركيا منذ بضع سنوات، وخصوصاً في الشهور الأخيرة، يبدو لهم تهديداً وجودياً. في ظل سُعار الانتخابات الأخيرة، أصبح السوريون عرضة لحملة كراهية فجّة ووقحة من بعض السياسيين الأتراك. بعد الجولة الأولى من الانتخابات وحصول المرشح الرئاسي سنان أوغان القومي المتطرف، على نسبة أكثر من 5 بالمئة، اشتد خطاب العنصرية لدى المنافس على الجولة الثانية كمال كليتشدار أوغلو، وغدا يعِدُ ناخبيه بترحيل السوريين فور وصوله للسلطة، بعد أن كان خطابه أقل تشدداً.

هذا الأسبوع نشرت بلدية إسطنبول التي يرأسها إمام أوغلو وهو من حزبه، لوحات إعلانية ضخمة تحمل صورة كليتشدار وبجانبها عبارة "السوريون سيرحلون"

كان الرجل يتحدث عن إعادة السوريين خلال عامين من ترؤسه البلاد، ويردد على الدوام بأنه ليس عنصرياً. اليوم اختلفت الأمور، وبدا له أن الحصول على أصوات ناخبي أوغان أمر ممكن فيما لو كرر عباراته المتطرفة اتجاه اللاجئين، فراح يصفهم بعبارات مُسفّة ولا تليق برجل دولة، لم يسبق له أن استخدمها. هذا الأسبوع نشرت بلدية إسطنبول التي يرأسها إمام أوغلو وهو من حزبه، لوحات إعلانية ضخمة تحمل صورة كليتشدار وبجانبها عبارة "السوريون سيرحلون". ازدراها باعتبارها انتهازية انتخابية كثير من الأتراك.

على عكس الأتراك، فإن السوري المقيم هنا، لا يهتم اليوم إن كان أردوغان أفضل لمستقبل تركيا أم أن كليتشدار أوغلو هو من سينقل تركيا لمرحلة جديدة. السوري يصوِّت إن كان حاصلاً على الجنسية التركية، ويكتفي بالتعبير عن أمنياته إن لم يكن كذلك، من موقع الخائف، بل والمذعور على مصيره، غاضّاً النظر إن كان الأول يمينياً والثاني يسارياً، فهذا إن كان يعني له شيئاً قبل هذه الفترة، فهو ليس مجال المفاضلة اليوم. طبعاً هذه السمة العامة لما يخالج السوريين، لا تعني انتفاء وجود من يهتمون بانتماءات المرشح العرقية بل وحتى الطائفية، قبل سياساته ومواقفه من الوجود السوري.

بينما كان الفخر التركي في أوجه قبل عامين، بأن مطوري لقاح كوفيد19 كانا ألمانيين من أصول تركية، فإن نسبة ليست بالقليلة، كانت تردد في ذات الوقت نداءات عنصرية ضد الأجانب في تركيا، خصوصاً السوريين. ستبدو تلك الازدواجية غريبة أكثر، حين نستمع إلى أفراد المجتمع التركي وهو يتداولون باستنكار شديد قصصاً عن العنصرية ضد الأتراك في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى، بينما تساهم شرائح لم تعد قليلة منه، في تكوين صورة نمطية عن الأجانب في تركيا مما يعزز الكراهية والخطاب العنصري!

خلال دعوة إفطار في رمضان 2022، قال السفير التركي في برلين "على الرغم من مرور أكثر من 60 عاماً على وجودهم في ألمانيا، لا يزال الأتراك يواجهون تهديدات عنصرية" وهذا أمر حقيقي. فالأتراك بمن فيهم حاملو أعلى الشهادات الأكاديمية، يعانون من التميييز العنصري في ألمانيا، يصل أحياناً إلى ارتكاب جرائم القتل. حتى المواقف التي تبدو على شكل مجاملة يتلقونها من الألمان تستبطن تمييزاً عنصرياً.

في تحقيق أنجزته د.غوتاي توركمان عام 2019، وهي باحثة في جامعة غوتنغن الألمانية تكتب: كانت مفاجأة لي أن قال لي أحد الألمان حين عرف هويتي: "لكنك لا تبدين تركية". وتصل إلى نتيجة مفادها أن الصورة النمطية والتصور المسبق أمر راسخ في ألمانيا عن التركي الذي لا ذنب له سوى أنه أتى من تركيا.

للمفارقة، فإن بعض الأتراك الجدد في ألمانيا بدت لديهم في ذات التحقيق، نزعة عنصرية واضحة، بل ويتفهون بدرجة كبيرة العنصرية الألمانية. تقول ميرف، كيميائية أتت إلى ألمانيا لدراسة الدكتوراه: "بمرور الوقت، وجدتُ أننا يجب أن نتعاطف مع الألمان، فهم يعيشون مع الأتراك منذ سنوات، وليس كل تركي في ألمانيا متعلم ومتطور مثلنا. حالياً، كلما عدت إلى تركيا، أشعر بالانزعاج من عدد العرب والأكراد في مسقط رأسي. فأضع نفسي مكان الألمان وأسأل: هل أريد أن يذهب طفلي إلى المدرسة مع أطفال سوريين؟".

لا يختلف المجتمع السوري في تركيا، من حيث التنوع والاختلافات بين أفراده، كثيراً عن التنوع التركي في ألمانيا، ومع ذلك يخضع للتنميط العمومي في الذهن التركي. والأدهى أن كثيراً منا يقعون في فخ الصورة النمطية عن السوري، حتى لو كنا ضد ذلك. شخصياً ضبطت نفسي في عدد من الحالات، عندما أرى مخالفة أو تصرفاً سيئاً من شخص ما في الشارع هنا في إسطنبول، أهمس: "أخشى أنّه سوري".

الأخبار الكاذبة والمعلومات المتعلقة باللاجئين السوريين تتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد ثبوت زيفها. وفي أغلب الأحيان يتم دفن المعلومات الصحيحة تحت وطأة المعلومات الكاذبة

كما بالنسبة للأتراك في ألمانيا، كثر من السوريين تلقوا ما يشبه هذا النوع من المجاملات العنصرية في تركيا "لكنك لا تشبه السوريين". وغالبا حين تحدثوا عن الأمر تلقوا تعليقات سورية متهكمة من مثل: وهل كانوا يعتقدون أنك سويدي! نعم في تركيا أيضاً هناك صورة محددة عن اللاجئ السوري، الذي يتم تناوله بخطاب ازدرائي غالباً، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول بكير بيرات أوزبك البروفيسور في جامعة ميديبول إسطنبول، والباحث في شؤون اللاجئين لموقع ديلي صباح باللغة الإنكليزية: "الأخبار الكاذبة والمعلومات المتعلقة باللاجئين السوريين تتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد ثبوت زيفها. وفي أغلب الأحيان يتم دفن المعلومات الصحيحة تحت وطأة المعلومات الكاذبة".

يوجد اللاجئ السوري على وسائل التواصل لدى الأتراك، غالباً حين الحديث عن التحرش أو السرقة أو حتى بسبب أية مخالفة بسيطة. وتوجد اللاجئة كأم فقيرة وأحياناً بصورة أكثر سلبية، وغالباً هي عالة على المجتمع. يركّز الإعلام المتطرف ضد اللاجئين على الادعاء بأن تركيا تنفق بسخاء على رعاية اللاجئين، وربما تفضلهم على المواطنين الأتراك الذين يعيشون في ضائقة. لن يكون هناك مثل هذا الانحياز في الشارع لو قيل للأتراك إن الدولة لا تطعم اللاجئين، ولا تدفع لهم رواتب. وإن الأموال التي يدفعها الهلال الأحمر التركي للمحتاجين منهم، إنما هي مُقدّمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن منظمات دولية أخرى.

بالعودة إلى التوصيف التعميمي "الأتراك عنصريون". رغم كل ما يحدث اليوم، شخصياً لا أرى تلك الصفة ثابتة في المجتمع التركي، وجميعنا يذكر المبالغة في الترحيب خلال السنوات الأولى، وأجدها حالة عرضية تنامت بسبب أزمات خانقة يواجهها المواطن التركي منذ سنوات، وساهم في تنميتها واستغلها سياسيون عنصريون. ومع ذلك سيكون لهذه الموجة أثر سيئ على مستقبل تركيا، فقد حفرت العنصرية عميقاً في المجتمع وفي وجدان الكثيرين. أما نحن، فقد نعود يوماً إلى سوريا التي هُجِّرنا منها قسراً، وقد نتذكر بين حين وآخر ما حدث هنا بحلوه ومرّه.