لبنان ضحية المشروع الإيراني

2021.08.22 | 06:44 دمشق

s.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما يحصل في لبنان ليس معزولا عما يجري في سوريا، بل إن انفجارات الوضع السوري تجد تجلياتها اللبنانية من خلال الأزمات السياسية والاقتصادية والمعاشية، التي تفاقمت في الآونة الأخيرة إلى حد باتت فيه الحياة غير ممكنة بالنسبة للشريحة العريضة من اللبنانيين. وأشد الأزمات ضغطا تتمثل حاليا في الكهرباء والوقود والأدوية والمواد الأولية، ويبدو يوما بعد آخر أن لبنان الذي تعايش لزمن طويل مع الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ، استنفد كل طاقاته على التكيف واحتواء الأزمات، وبات يقترب من الانهيار الشامل. وما يعيشه البلد اليوم هو عبارة عن أزمة مركبة متعددة الأوجه، من أبرزها تعطيل تشكيل الحكومة من قبل الرئيس ميشيل عون وحلفائه في حزب الله، الأمر الذي يعكس نفسه على بقية الأزمات ويزيد من حدتها، ففي غياب حكومة تقود الدولة، وتخطط للاقتصاد وتنظيم حياة الناس اليومية، من الطبيعي أن يستفحل الغلاء، ويرتفع صرف الدولار إلى أسعار جنونية، وتختفي المحروقات والمواد الأولية من الأسواق، ويتم احتكارها والمتاجرة بها في السوق السوداء. ويكاد أن ينفرد لبنان من بين بلدان العالم بعدم وجود حكومة تسيّر شؤون البلد، وهذا الأمر تكرر عدة مرات في السابق، ولكنه تجاوز العام هذه المرة منذ استقالة حكومة حسان دياب، بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي.

في حال اعتذار ميقاتي فإنه من المتعذر وجود شخصية سنة وازنة تقبل مهمة العمل مع عون، الذي يتصرف من موقع تحالفه القوي مع حزب الله

ولاحت فرصة لوقف عجلة الانهيار الشامل، من خلال معالجة تداعيات انفجار المرفأ، وشكلت المبادرة الفرنسية فرصة دولية جادة لإنقاذ لبنان، بعد أن رفع المجتمع الدولي يده لزمن طويل، وانسحب من المسؤولية السياسية والأخلاقية لمساعدة هذا البلد الذي يغرق منذ عدة عقود في بحور الصراعات الإقليمية والدولية. ولترجمة تلك المبادرة زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت، وأجرى مباحثات مع الأطراف كافة، ونقل نتائج زيارته إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكان التجاوب جيدا، ولكنه مشروط بتشكيل حكومة تتولى الإصلاح، مخافة أن تذهب المساعدات الدولية إلى جيوب الزعامات السياسية الفاسدة بلا استثناء. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يصر الرئيس ميشيل عون على تعطيل تشكيل حكومة، وأفشل الإجماع الاقليمي والدولي من حول ترشيح سعد الحريري للمهمة، بعد أن ظل يماطل عدة أشهر. ويبدو أنه ذاهب في الاتجاه ذاته مع نجيب ميقاتي رئيس الوزراء المكلف، والذي يتأرجح بين تشكيل الحكومة والاعتذار، بسبب شروط عون التي لا تنتهي. وهناك إجماع على أن ميقاتي يشكل الفرصة الأخيرة وسط العاصفة، ليس لأنه الربان المثالي لقيادة السفينة وسط الأمواج، بل لأنه قبل هذه المهمة التي باتت تشبه "الرقص فوق رؤوس الثعابين" على حد تعبير الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وفي حال اعتذار ميقاتي فإنه من المتعذر وجود شخصية سنة وازنة تقبل مهمة العمل مع عون، الذي يتصرف من موقع تحالفه القوي مع حزب الله، وهدفه هو إيصال صهره جبران باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وهذا أمر يشجعه النظام السوري وإيران وروسيا.

شكل قرار حزب الله استقدام الوقود والأدوية من إيران خطوة في اتجاه مصادرة الدولة اللبنانية، وربط لبنان أكثر فأكثر بالمشروع الإيراني

توفر إيران مظلة لتحالف أطراف تعطيل إصلاح الوضع في لبنان، ويشكل الحلف الجهنمي، من الطبقة السياسية المكونة من زعماء الطوائف وأمراء الحرب ومافيات الفساد والتهريب وحزب الله، رافعة لمشروع تخريب لبنان وفق سياستي إشعال الحرائق في كل مكان، وتعميم الفوضى. وتهدف هذه الاستراتيجية الإيرانية إلى تدمير مقومات البلد الفعلية، وأولها الاقتصاد الذي بقي يحافظ على قدر من الحيوية تسمح لأهل البلد بممارسة حياتهم بالحد الأدنى، وما يحصل من سنة هو ضرب الحد الأدنى حتى تهاجر الفئات التي تشبثت بالبقاء من منطلق الحفاظ على ما تبقى من البلد، وتحملت في سبيل ذلك أكبر قدر من المصاعب. ومن شأن هجرة هذه الفئات تفريغ لبنان كي يسهل احتواؤه من دون أي معارضة في المشروع الإيراني، وهذه الاستراتيجية لا تقتصر على لبنان، بل هي في أوج عملها بسوريا والعراق، ومن ثمارها التغيير الديموغرافي الذي شمل عدة مدن في سوريا والعراق مثل دمشق، حلب، وبغداد، والتي جرى تهجير الكتل السكانية الأصلية والاستعاضة عنها بسكان من المذهب الشيعي، وهذه ضمانة بقائها تحت السيطرة الإيرانية الكاملة. ويشكل قرار حزب الله استقدام الوقود والأدوية من إيران خطوة في اتجاه مصادرة الدولة اللبنانية، وربط لبنان أكثر فأكثر بالمشروع الإيراني، ولا يمكن تفسير موافقة عون إلا من باب الالتحاق بهذا المشروع.