كوميديا الانتخابات السورية

2021.06.04 | 05:18 دمشق

zh24.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعتذر لـ "الكوميديا"، هذا النوع الراقي من الفنون الذي يُقَدَّمُ على المسرح، والإذاعة، والسينما، والتلفزيون.. لإقدامي على جمع اسمها مع الانتخابات السورية، وأؤكد على اقتناعي بفكرة توصلت إليها أثناء ما كنت أرى ما يُفْعَل ويُكْتَب ويُقَال بمناسبة انتخاب بشار الأسد رئيساً لسورية المنكوبة، سبع سنوات قادمة، هي: (أن ديكتاتورية كاملة، صماء، يحكم فيها الديكتاتور الشعبَ مدى الحياة، أقل سوءاً من ديكتاتورية يستمر فيها حكم الرئيس نفسه مدى حياته، بموجب انتخابات مزورة، فيسيء بذلك للشعب وللديمقراطية التي تُعتبر الانتخاباتُ إحدى تجلياتها).

حدوث الكوميديا بمعنى إثارة الضحك ليس ممكناً مع نظام يقوم على الاعتقال والقتل والتدمير والتهجير، فالمشهد تراجيدي صرف، وإذا حصل أن ضحك المرء خلال مشاهدته، فسيكون ضحكه هستيرياً مشحوناً بالألم. ومع ذلك يمكننا أن نستذكر مواقف اقترن حدوثُها بنوعية الانتخابات التي اخترعها نظام حافظ الأسد (ونظام صدام حسين في العراق)، وهي أن الدستور الذي وضعه هذا المجرم بنفسه ينص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، وعليه فإن القيادة القطرية ترشح أحد الرفاق البعثيين لرئاسة الجمهورية مرة كل سبع سنوات، وتُحيل اسمه إلى مجلس الشعب الذي يقرر إنزاله للاستفتاء الشعبي عليه، والشعب في هذه الحالة، لا يختار رئيسه بل يقول عن هذا المرشح: نعم أو لا.. ومن هنا يبدأ ما سمّاه الإعلام السوري: عرس الديمقراطية.

يجب علينا أن نعتذر كذلك لـ (الديمقراطية)، بسبب إيراد اسمها ضمن هذه المزبلة السياسية الديماغوجية، ولا يمكننا كذلك أن نقول إن هذا "تهريج"، فمفهوم التهريج ليس سيئاً بالمطلق، إذ يمكن للمهرج أن يُضحك الناس بالفعل، لا سيما إذا كان المتفرجون مسرورين قبل أن يحضروا عروضه فيصبح أمر إضحاكهم سهلاً.

نسبة التصويت على اسم حافظ الأسد يمكن أن تزيد عن عدد أعضاء القيادة القطرية الفعليين، ولكنها لا يجوز أن تنقص

ترتبت على هذه الآلية أمور ذات طبيعة صلبة، بل فولاذية، لا يمكن بأي شكل من الأشكال، كسرُها أو لَيُّها.. أولها، أنه لا يجرؤ عضو قيادة قطرية (أخو أخته) أن يفكر، مجرد تفكير، بترشيح نفسه للتداول داخل قاعة الاجتماعات في القيادة مقابل اسم حافظ الأسد، وثانيها، أنه لا يوجد عضو (ابن أمه) يمكن أن يقترح اسم مرشح آخر غير حافظ، وثالثها، أن نسبة التصويت على اسم حافظ الأسد يمكن أن تزيد عن عدد أعضاء القيادة القطرية الفعليين، ولكنها لا يجوز أن تنقص فلو نقصت لفُتح تحقيق فوري موسع القصد منه معرفة اسم العضو الحاقد المتآمر المرتبط بالدوائر الإمبريالية الصهيونية الذي تجرأ فامتنع عن التصويت لحافظ ضمن هذا العرس الديمقراطي الفظيع.

الأمر نفسه، ولكن على نحو أكثر طراوة (وفكاهة) يحصل في مجلس الشعب. فالأمين القطري المساعد حينما يأتي إلى مجلس الشعب حاملاً الرسالة التي تنص على ترشيح حافظ الأسد بنسبة 100% من أعضاء القيادة، لا يمكنه العبور إلى داخل المجلس بسهولة، إذ لا بد أن يصطدم بمجموعة من أعضاء المجلس وقد جدلوا الشملات، واتخذوا وضعية الدبكة، يتخاطفون ورقة الترشيح من يده ويحتضنونها ويرقصون بها مثلما كنا نرقص، في أعراس بلدتي معرتمصرين، حاملين "بقجة العريس" ثم يدخلون إلى تحت قبة مجلس الشعب رقصاً، على طريقة غوار وحسني وأبي صياح حينما دخلوا إلى اللجنة الفاحصة للقبول في التلفزيون وهم يغنون:

يا بو عيون اللويزي

تدبح بحد قزيزي

لن أسترسل في وصف الأفراح والليالي الملاح التي يشهدها مجلس الشعب في ذلك اليوم كلها يكفي أن أشير إلى أن اجتماعات مجلس الشعب العادية يغيب عنها نحو ثلث الأعضاء تقريباً، لأسباب شخصية متفرقة (سفر، مرض، كسل، شغل، زراعة، تجارة، موسم).. وأما اجتماع رسالة القيادة القطرية المتضمنة ترشيح حافظ، فيحضره جميع الأعضاء فإذا صادف أن كان أحد الأعضاء مستلقياً على ظهره في أحد المستشفيات، فلا بد من نقله والمنفسة على أنفه، والسيروم يتدلى من يده إلى المجلس، يحتفل بقرار القيادة القطرية ثم يعاد إلى حيث كان.

(بالمناسبة: اجتمع المجلس بكامل أعضائه يوم قرر نظام بشار الأسد الردح لعبد الحليم خدام 31/ 12/2005، وقيل يومئذ إن الأعضاء الذين يسكنون في محافظات بعيدة مثل الحسكة وحلب نقلوا يومئذ إلى دمشق بالطائرات).  

قد يسهو مَن يشاهد هذه الاحتفالية، برهة من الزمن فينسى أنه أمام جلسة تهريج سياسية دستورية قانونية برلمانية استثنائية، فتتابع عيناه يدي رئيس مجلس الشعب، وهو يتسلم المغلف المختوم من الأمين القطري المساعد، ويحمل سكين فض المغلفات، ويستخرج الرسالة من قلب المغلف، يفتحها ويقرأ، ويتهيأ لهذا الساهي أن قلوب أعضاء مجلس الشعب المساكين واقفة على شعرة وهم ينتظرون معرفة اسم المرشح الذي توصلت إليه القيادة القطرية في اجتماعها الاستثنائي، ثم يتنفسون الصعداء حينما يعرفون أنه الرفيق حافظ بن علي الأسد، ووقتها ينتفضون ويتحولون إلى جوقة كبيرة العدد، وهم يهتفون: بالروح بالدم نفديك يا حافظ.. وتنتهي الجلسة بخروج قسم من الأعضاء المتحمسين من تحت قبة المجلس رقصاً، بينما يخرج الذين يتمتعون ببقايا كرامة بشكل طبيعي.

لا يمكن أن أضيف إلى ثقافة الإنسان السوري جديداً عندما أحكي عن مسيرات التأييد المليونية التي تعم المحافظات السورية، ويغطيها التلفزيون العربي السوري بقنواته الثلاث على مدار شهر أو أكثر، وتحمل عنوان "أفراح الشعب السوري بتجديد البيعة"، وأعجز عن وصف عمل المخابرات في إجبار الناس على الخروج من بيوتهم (بالصرماية) لكي يهتفوا ويعيشوا الشخص الوحيد الذي سينتخبونه (بالصرماية أيضاً)، بالرغم من معرفتهم أنه يعتقل أبناءهم ويميتهم تحت التعذيب، وعندما ينصرفون إلى بيوتهم ينسون، والأصح يتناسون ما كانوا فيه من ذل، ولا يوجد لدى أحدهم فضول ليعرف نتيجة الانتخابات، فالنتيجة بحد ذاتها لا تتغير، والشيء الوحيد الذي يختلف من استفتاء إلى استفتاء هو الكسور التي تأتي على يمين الـ 99%.

الدكتاتورية إذا كانت دون انتخابات، أقل سوءاً من الديكتاتورية المترافقة مع انتخابات

بشار الأسد عدل الدستور، وسمح بترشح من يشاء للرئاسة في مواجهته.. وهنا سأذهب إلى تأكيد الفكرة الأساسية التي زعمت أنها صائبة، وهي أن الدكتاتورية إذا كانت دون انتخابات، أقل سوءاً من الديكتاتورية المترافقة مع انتخابات، وأسأل من يعارض هذا الرأي:

- من كل عقلك أن مَن قتل مليون إنسان، وأتى بجيوش وميليشيات لتساعده في القتل والتخريب والتهجير، لأجل أن يبقى جالساً على كرسي الحكم، يمكن أن يخوض انتخابات تنتهي بفوز نكرة اسمه محمود مرعي، مثلاً، فيسلمه الحكم، ويقول له: عن إذنك، أنا رايح ع الدار؟!