في أي سياق يقرأ السوريون قانون مناهضة التطبيع؟

2024.02.24 | 07:09 دمشق

آخر تحديث: 24.02.2024 | 07:09 دمشق

 قانون مناهضة التطبيع
+A
حجم الخط
-A

يتساءل أحد السوريين: كيف يمكن لنا أن نفهم إقرار الولايات المتحدة لقانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري وهي الدولة التي لطالما تآمرت على الثورة السورية؟ إن في هذا تناقضا مع الصورة النمطية المطبوعة في الأذهان عن الولايات المتحدة الأميركية بأنها شيطان هذا العالم. وبالتالي هو تساؤل مشروع، ولعله تساؤل يراود الأغلبية الساحقة من السوريين، فما هي القصة؟!

من لديه المقدرة على البحث في المصادر الغربية بتجرد وحيادية يستطيع أن يتيقن أن لدى الغرب رأي يقول: إن النظام الدولي يتعزز بنشر الديمقراطية الليبرالية، وإن من واجب الأسرة الدولية أن تحقق ذلك، ولا سيما أن تجسد تصورها لحقوق الإنسان عبر تحرك دولي. لكن هذا الرأي يصطدم بمعارضة قوى كبرى من خارج المنظومة الغربية بدعوى أن هذا السلوك يعتبر انتهاكا لسيادة الدول وتدخلا في شؤونها الداخلية، وهو ما يعني تناقضا صارخا مع مبادئ الأمم المتحدة التي أقرتها جميع الأمم.

بعد نهاية الحرب الباردة ارتفع صوت معتنقي النظرية الليبرالية في العلاقات الدولية، وأصبحت أطروحاتهم تلقى قبولا واسعا في مراكز صنع القرار في العواصم الكبرى، وازداد تفاؤل الليبراليين بشأن احتمالات قيام نظام عالمي جديد يقوم على حكم القانون والدبلوماسية العلنية والأمن الجماعي. في المقابل خفت صوت أصحاب النظرية الواقعية الذين كانوا يعتقدون أن رؤية الليبرالية تتسم بالسذاجة، ولعل ارتفاع صوت الليبراليين في مقابل تراجع الواقعيين يرجع لاستفراد القوى الغربية في الساحة الدولية في ظل ضعف الخصوم المحتملين آنذاك.

حاولت المدرسة الإنجليزية تقديم نظرية للعلاقات الدولية تتفادى عقم الواقعية وسذاجة الليبرالية. وتدفع هذه المدرسة بأن المجتمع الدولي إنجاز محفوف بالمخاطر، وتشدد على أنه بدون المجتمع الدولي من غير المحتمل أن تنشأ تطورات سياسية أكثر راديكالية.

نتيجة فشل بعض التجارب الهادفة لنشر الديمقراطية، وصعود القوى الأوراسية أصبحت أطروحات الليبراليين موضع شك، وتحدث "هنتنجتون" عن صراع الحضارات فيما يبدو كأنه رد أو تصحيح لمقولات "فوكوياما" الذي اعتقد في كتابه "نهاية التاريخ" أن العالم دخل بالفعل مرحلة صارت الحرب فيها لاغية بوصفها أداة للدبلوماسية الدولية. ومع ازدياد عدد المجتمعات التي تحمل ثقافة مناهضة للديمقراطية بدأ الشك يلقي بظلاله على الاعتقاد بأن العالم غير الغربي يسعى لتقليد الطريقة الغربية في التحديث السياسي.

حاولت المدرسة الإنجليزية تقديم نظرية للعلاقات الدولية تتفادى عقم الواقعية وسذاجة الليبرالية. وتدفع هذه المدرسة بأن المجتمع الدولي إنجاز محفوف بالمخاطر، وتشدد على أنه بدون المجتمع الدولي من غير المحتمل أن تنشأ تطورات سياسية أكثر راديكالية. فرغم أن بعض أعضائها قدم دفاعا أخلاقيا عن إقامة نظام عالمي أكثر عدالة، إلا أنهم يعتقدون أن الدول لديها تصورات مختلفة عن حقوق الإنسان والعدالة العالمية، بالإضافة إلى معتقدات متصارعة بشأن كيفية وضع تلك المثاليات موضع التنفيذ.

ولعل النقاشات التي دارت حول ما إذا كانت هناك لحظة مناسبة لتأييد التدخل الإنساني في حالة الأنظمة المتهمة بارتكاب انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان توضح نوعية الاختلاف الأخلاقي الذي تعتبره المدرسة الإنجليزية سمة نمطية للمجتمع الدولي، ويشدد أعضاء المدرسة الإنجليزية على أن الجهود النبيلة لتطوير السياسة الدولية لها قابلية إنتاج اختلافات أخلاقية هائلة؛ بمقدورها تعكير صفو العلاقات بين الدول والإضرار بالنظام الدولي. بمعنى آخر؛ هم يعتقدون أن استقرار النظام الدولي إنجاز لا يجوز التفريط به مهما كان الثمن.

ضمن هذا السياق. أي؛ الرغبة في نشر الديمقراطية وتعميم الرؤية الأميركية لحقوق الإنسان من جهة، والتخوف من الإضرار بالنظام الدولي من جهة ثانية. بمعنى التخوف من الاصطدام مع القوى الكبرى المعترضة؛ نستطيع أن نفسر قول "كيسنجر": "قد تستطيع الولايات المتحدة أن تعدل تطبيق آرائها حول حقوق الإنسان وفقا للأولويات الاستراتيجية. غير أن أميركا لن تتمكن أبدا – في ضوء تاريخها وقناعات شعبها – من التخلي الكلي عن هذه المبادئ". وإلى هنا من المفترض أن تكون الإجابة وصلت عن تساؤل كثير من السوريين.

بكل تأكيد؛ لن يقبل كثيرون بهذه الإجابة، فالقضية ليست بهذه البساطة؛ ذلك لأن الدول والجماعات المعترضة لم تكتف بإعلان اعتراضها وحسب، وإنما نظرت إلى هذه القضية كخطر وجودي يجب التصدي له بكل الوسائل، ولعل شيطنة الغرب بالعموم، والولايات المتحدة على وجه التحديد كانت أهم استراتيجية اتبعتها الأنظمة والأيديولوجيات المتضررة من فكرة عولمة القيم الغربية. وهكذا أصبح النظر إلى الولايات المتحدة كشيطان لا يصدر عنه سوى الشر نسقا اعتقاديا للأغلبية الساحقة من شعوب الأنظمة الدكتاتورية. وعندما يتعلق الأمر بمعتقدات راسخة يجب أن نتوقع صعوبة في تقبل معلومات تخالف هذه المعتقدات.

بطبيعة الحال؛ ليست عملية فحص أنساق المعتقدات وإعادة تقييمها بالعملية السهلة إطلاقا، فمعظمنا نحن البشر جميعا ننشغل بعملية إدراك انتقائية. فخلال استعدادنا لرؤية الأشياء التي نود رؤيتها، فإننا نتجاهل كثيرا من الأشياء التي لا تتواءم تماما هي مع تصورنا القائم عن العالم. وتحت ضغط هذه الآلية فإننا عندما نحاول التشكيك بمعلومة ما بعد إقناع صاحبها بأن مصدرها غير موثوق، وأنه صاحب مصلحة بترويج هذه المعلومة المشوهة؛ تأتيك الإجابة: ولكن الوقائع تثبت ذلك.

في الجزء الثاني من كتاب "لماذا تنشب الحروب؟" تحدث المؤلف "جرج كاشمان" بشكل مفصل عن هذه القضية، ثم أشار لعدة تقنيات تستخدم للحفاظ على الصورة الأصلية عندما تواجه أمثال هذه المعلومات المتنافرة على الشكل التالي:

1 – الاكتفاء بتجاهل المعلومة الجديدة أو رفضها.

2 – التشكيك في مصدر المعلومة الجديدة.

3 – بوسعنا ليُّ أو تحريف المعلومة أو إعادة تفسيرها على نحو يجعلها متوافقة هي وصورتنا الحاضرة.

4 – بإمكاننا البحث عن معلومة تتوافق مع صورتنا الحاضرة.

5 – الاكتفاء بالنظر إليها كاستثناء.

إذاً؛ من أجل فهم السياق الذي جاء به قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري علينا إما مراجعة نسق معتقداتنا والتحقق من مدى صلاحيتها، أو اللجوء لإحدى التقنيات التي ذكرها "جرج كاشمان".