عهد الفراغ القوي يستميت دفاعاً عن مستقبل الفراغ

2021.11.26 | 05:08 دمشق

000-9.jpg
+A
حجم الخط
-A

اجتهد منظّرو عهد الرئيس ميشال عون في إسباغ صفات القوّة والصلابة على فترة حكمه. شاع وصف العهد القويّ وانتشر كعلامة أرادوا لها الالتصاق الدائم بصورة الرئيس وكلّ ما يصدر عنه من أفعال وخطابات ومواقف.

وتيرة الانهيار المتسارعة لم تتأخر في تحويل هذا الوصف وكلّ الهوامات التفخيمية حول موقع الرّئاسة وشخص الرئيس إلى مادّة دسمة لسخريّة عنيفة وحادّة.

ولكنّ ساكن القصر شاء تحويل السّخريّة إلى رعب عبر الصّيغة الانقلابيّة الواضحة الّتي رسّخها في حديثه الأخير حول نيّته رفض تسليم البلد إلى الفراغ بعد انتهاء فترته، وانتهاء زمان الرّؤساء غير الأقوياء.

لم يسبق أن تبنت أيّ شخصية لبنانيّة صيغة تفكيك مباشر لدستور البلاد، وقوانينها، وخصوصيّتها، وعلاقاتها، وأمنها واقتصادها كما يفعل هذا الشخص عن سابق تصوّر وتصميم.

يعلن بوضوح أنه سيخرق القانون والدستور ولن يترك القصر عند انتهاء ولايته إلا إذا تم انتخاب رئيس جديد قوي على هواه.

ومن نافل القول التأكيد أنّ الشخص الوحيد الّذي يحظى بصفة القوة هو صهره العظيم جبران باسيل.  

يبني الرئيس مقاربته هذه على جملة فتاوى دستوريّة، يجهّزها له طباخو الفتاوى في فريقه وعلى رأسهم وزير العدل السابق سليم جريصاتي.

تناسلت الفراغات في عهده واتصلت حتى باتت سلسلة متماسكة ومحكمة، ويصعب فك حلقاتها كما يصعب عدّ الفراغات وحصرها لأنها باتت تشمل الفراغ الأمنيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ، وصولًا إلى الفراغ الأخلاقيّ والحياتيّ والوجودي

 هذا النزوع يبقى مجرد وجهة نظر ما لم تتوفّر له القوة الداعمة والمؤثرة والّتي تسمح بتحويله إلى واقع ميداني.من هنا لا يبقى هناك من شك أنّ الرّافعة الفعليّة الّتي يستند إليها ليست سوى حزب الله وسلاحه، مسجلّا بذلك سابقة تهديد رئيس للناس ولكلّ الأطراف في البلد بميليشيا إرهابية.

على الرّغم من التباينات الواضحة بين الرئيس وتياره وبين حزب الله، والتلميحات التي وجّهها الحزب له حول نيّته دعم ترشيح سليمان فرنجيّة منافس باسيل الأبرز في السّباق الرّئاسي، فإنّ عمق التحالف المصلحيّ بين الطرفين عميق وفعال.

باسيل لا يمانع في أيرنة العهد والبلد، في حين أن فرنجيّة المرتبط ببشار الأسد والّذي لا يتمتع بشعبية مسيحية كبيرة، يبقى خيارا يرمى به في واجهة الكباش والابتزاز والتفاوض ليس أكثر.

المسار الّذي يركّبه الحزب في هذه المرحلة يقضي بأن يكون المشهد إيرانيًّا بالكامل.

العهد القوي نجح في أيرنة المشهد اللّبناني فبات يوصف بأنه نوع من مستعمرة إيرانية مفتوحة ونموذجيّة، يتيسر لإيران فيها من عناصر التمكن والتحكم ما لا يتيسر لها في أيّ من مناطق نفوذها الأخرى. لقد استثمر ميشال عون في الفراغ الّذي يمثله وأفرغ البلد من كلّ سبل مقاومة الاحتلال الإيراني.

تناسلت الفراغات في عهده واتصلت حتى باتت سلسلة متماسكة ومحكمة، ويصعب فك حلقاتها كما يصعب عدّ الفراغات وحصرها لأنها باتت تشمل الفراغ الأمنيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ، وصولًا إلى الفراغ الأخلاقيّ والحياتيّ والوجوديّ.

ملأ العهد القويّ كلّ شيء بفراغه الهائل حتى بتنا أمام حالة فراغ تام، يضعنا تحت احتلال إيراني مطلق، ويتعهّد على رؤوس الأشهاد أنه لن يرحل قبل أن يضمن كمال الاحتلال في شخص صهره الّذي سيجعل الفراغ مستقبلنا ومصيرنا.

لا نفهم ماذا يدور في خلد هذا الرّئيس الثّمانيني، وما الّذي يريده بعد من الحياة ومن البلد؟هل يسعى لأن يكون خالدا في إدامة موتنا إلى الأبد عبر تمديد الفراغ إلى ما لا نهاية لكي يبقى حيًّا فيه ومن خلاله؟ 

يعدّ اللّبنانيون الأيام الباقية من عهده بوصفها عمرًا مسروقًا، قد يسترجعون حين تنتهي حيواتهم، وصفاتهم وملامحهم، لكنه يقول لهم إن أملهم ليس سوى وهم وسراب.

لم يحدث أن كان عهدٌ ما مقرونا بالموت كما هو حال هذا العهد.

في بلد تاريخه حافل بالحروب والمجازر والأزمات نجح عهد الرئيس عون القوي في أن يكون استثناءً تصعيديّا جحيميًّا في كل المجالات.لقد خلق حنينًا إلى زمان الحرب وغيرها من المحطات المرعبة في تاريخ البلد لأنها كانت تتيح، على الرّغم من قسوتها ومرارتها، فرصة ضئيلة للنجاة.

لا نجاة ممكنةً في العهد القوي بفراغه العميم، الهائل والشّامل.

يرمي اللّبنانيون أنفسهم في قوارب الموت هربًا من البلاد، وتسجّل حالات انتحار عابرة للطّوائف بوتيرة بلغت حالةً كلّ ست ساعات، وتخرج مواقع الأخبار العاجلة لتفيدنا بأننا سنموت بسبب عجزنا عن دفع ثمن الدواء، أو سنموت جامدين ويائسين بسبب عجزنا عن التحرك بسبب السّعر الخرافيّ الّذي يرجح أن تصل إليه تنكة البنزين، أو سنموت من البرد بسبب عجزنا عن دفع ثمن تنكة المازوت.

بدأت اللّغة العامة في البلد تنحصر في الموت ومفاهيمه. أيّ مراقب لما ينشر يلاحظ أنّ العهد القوي ألقى بظلّه على اللّغة فتقلصت إلى حدود الحديث عن الموت وحوله، وشرح تفنّن هذا العهد في تمكين أسبابه ومدّه بكلّ ما يحتاج إليه كي ينتشر وينمو ويتكاثر.

الموتى لا ينتخبون ولا يمارسون السّياسة ولا التفكير ولا الاحتجاج. جمهورية الجثث المأهولة بالفراغ هي البلاد الّتي  يقول السّيّد الرّئيس ميشال عون إنه لن يقبل ولن يطمئن إلا إذا تأكّد من تحقّق شروطها تحت راية وليّ عهد الفراغ الفارغ والصّهر النوعيّ جبران باسيل.