عن شرعية المعارضة السورية ومبدأ الفعالية

2024.02.14 | 06:20 دمشق

عن شرعية المعارضة السورية ومبدأ الفعالية
+A
حجم الخط
-A

منذ انطلاق الثورة السورية حتى يومنا هذا شكلت مسألة الشرعية الدولية معضلة حقيقية بالنسبة للمعارضة السورية، وذلك بسبب استيلاء النظام السوري على هذه الشرعية والاستفادة من مزاياها التي لا تعد ولا تحصى، والتي تعد - في آن معا - بمنزلة القيود لقوى الثورة والمعارضة. قيود يصعب كسرها؛ خاصة بعد أن تبين أن سحب الشرعية من جهة ومنحها لجهة أخرى مسألة شائكة لا تحل بمجرد تصريح يفيد بفقدان الشرعية، فهي تخضع لاعتبارات قانونية وسياسية بالغة التعقيد.

إحدى هذه المزايا التي برزت بقوة في هذه الفترة أن المماحكات السياسية والمناوشات العسكرية التي تدور في منطقة الشرق الأوسط بسبب حرب غزة أجبرت القوى المنخرطة في الصراع الدائر على مخاطبة النظام السوري – سواء بشكل مباشر أم عن طريق وسطاء – كسلطة أمر واقع لا يمكن تجاوزها. وبالتالي؛ أصبح بإمكان النظام السوري الاطلاع على حقيقة ما يدور في أروقة صناعة القرارات على أعلى المستويات، وهذا ما يعني مقدرة أكبر على التكيف مع خصوصيات الأزمة.

في الواقع؛ لا فضل للنظام السوري باحتكاره الشرعية، فالاعتراف بالدولة يشمل الاعتراف بالحكومة. ومن الناحية القانونية؛ لا يهم كون السلطة الحاكمة ملكية أو ديكتاتورية أم ديمقراطية، وذلك تحت غطاء مبدأ "كل دولة تختار النظام الذي ترتضيه". بمعنى آخر: قبض النظام السوري على الشرعية بمجرد استيلائه على الحكم. ولكن رغم ذلك، تبقى مسألة التشبث بالشرعية مقابل ضعف شرعية المعارضين قابلة لأن تكون مؤشرا على نجاحٍ ما في مقابل فشلٍ ما.

تناقص هذه الفعالية قد يضعف قدرة الدولة على المناورة وتنقص حريتها واستقلاليتها، ويكون ذلك في حالات الاضطرابات الداخلية وانعدام الأمن والحرب الأهلية

إن التعقيد المرتبط بمسألة منح الشرعية أو سحبها لا يصل إلى مستوى الجمود التام، فالمعيار المستعمل للاعتراف بالحكومات هو ما إن كانت هذه الحكومات تتمتع أم لا، باستقرار معقول، وولاء من الشعب ومراقبة فعلية على أكبر قسم من إقليم الدولة. وهو ما يشار إليه في المراجع القانونية بمبدأ الفعالية، والذي هو المعيار المفضل لقياس قدرة الدولة على ممارسة اختصاصاتها بما في ذلك حفظ النظام والأمن على المستوى الداخلي، وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية، وهذا أحد الشروط الواردة في المادة (4) من ميثاق الأمم المتحدة.

تناقص هذه الفعالية قد يضعف قدرة الدولة على المناورة وتنقص حريتها واستقلاليتها، ويكون ذلك في حالات الاضطرابات الداخلية وانعدام الأمن والحرب الأهلية. كما يحدث ذلك عند عدم تمكنها من إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية وإثقال كاهلها بالديون الذي يؤدي إلى تبعيتها ماليا واقتصاديا، مع كل ما ينجر عن ذلك من تهديد لحريتها وسيادتها. وفي حالات الحروب الأهلية والثورات الشعبية يحصل أن تتنازع سلطتان على إقليم ما؛ سبق لإحداهما الحصول على اعتراف شرعي، ثم اعتراف بالثانية دون إسقاط الاعتراف بالحكومة الأصلية.

توصيفا لهذه الحالة جادت قريحة المستشارين والفقهاء القانونيين باعتراف على درجتين، اعتراف قانوني كامل، واعتراف واقعي. ويرى بعض من هؤلاء أن الفرق بين الاعترافين يكمن في أن الاعتراف القانوني لا يمكن سحبه بينما الاعتراف الواقعي هو عرضة للسحب. ويعتقد أستاذ القانون الدولي محمد بو سلطان أنه فيما يخص الحكومات فكلا الاعترافين قابلا للسحب من الناحية السياسية. من هنا يمكننا النظر إلى مسألة التشبث بالشرعية وفقدانها على أنها تصلح لأن تكون مؤشرا عن نجاح ما في مقابل فشل ما.

لم يتمكن النظام السوري من إحداث خرق واضح على مستوى الفعالية (رغم محاولاته الحثيثة بهذا الشأن)، فما زال العجز يلاحقه على كل المستويات

بالعودة إلى أواخر عام 2012، وتحديدا لمؤتمر مراكش حيث اعترفت أكثر من 120 دولة مشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية "ممثلا وحيدا للشعب السوري"، ومقارنة ذلك الدعم الذي حصلت عليه المعارضة السورية بواقعها اليوم يمكننا القول إن عددا كبيرا ووازنا من وحدات المجتمع الدولي منحت الائتلاف اعترافا شبه واقعي (لأنه لم يكن سلطة فعلية) لكنه بدل من استثمار هذا الاعتراف وتطويره لمستويات أعلى؛ وصل لمرحلة يمكن أن نقول عنها: إنها مرحلة سحب الاعتراف.

في المقابل؛ لم يتمكن النظام السوري من إحداث خرق واضح على مستوى الفعالية (رغم محاولاته الحثيثة بهذا الشأن)، فما زال العجز يلاحقه على كل المستويات. وكل ما يمكنه أن يفاخر به أنه أسهم في إفشال المعارضين، سواء عن طريق إقحام العملاء في صفوفهم أم عن طريق جهوده السابقة بحرمان الشعب السوري من الممارسة السياسية. وبالتالي سذاجة في الممارسة، وصعوبة بالعمل معا، ومعاناة في التوافق. بمعنى آخر: تمسك النظام ببقايا الشرعية القانونية دونما مقدرة على تطويرها، واتجه لتقزيم خصومه وتجريدهم من كل مكتسباتهم.

اليوم يحتكر النظام السوري الاطلاع على حقيقة ما يدور في أروقة صناعة القرارات على أعلى المستويات، ويحتكر إمكانية التكيف مع خصوصيات الأزمة. وغدا سيحتكر أشياء أخرى ما لم يُعِد المعارضون لشرعيتهم فاعليتها، والمدخل مبدأ الفعالية، والفشل هنا لا يمكن نسبه للائتلاف وحسب، وإنما لكل معوقات الفعالية.