صعود اليمين الأوروبي.. خيار أم تصويت عقابي؟

2022.09.29 | 04:51 دمشق

صعود اليمين الأوروبي.. خيار أم تصويت عقابي؟
+A
حجم الخط
-A

اليمين المتطرف الأوروبي وصف يُطلق على تيار سياسي يتركز بشكل أساسي في أوروبا، يتسم بتمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، كما أن لديه ميل شديد للمحافظة الدينية المسيحية.

ورغم اختلاف مشارب أحزاب اليمين الأوروبي تبعا للظروف الخاصة بكل بلد إلا أنها تتميز بخصائص عامة ومرتكزات إيدلوجية تميزه كتيار سياسي متجانس أهمها، النزعة الوطنية المفرطة الرافضة لأي شكل من أشكال الاندماج كالفيدرالية والكونفيدرالية وغيرها وذلك لحماية السيادة الوطنية، كما يتسم التيار اليميني المتطرف بنزعة نحو معاداة الليبرالية والرأسمالية ليس لذاتهما بل خشية من التحولات وخاصة في القيم والأخلاق التي عادة ما ترافقهما، إضافة إلى رفض الهجرة ومعاداة الأجانب بكل أشكاله بحجة حماية الهوية الأوروبية المسيحية والخوف من انحسارها مع تزايد أعداد اللاجئين إلى القارة العجوز.

أثـبتت هـذه الأحـزاب فشلها في إدارة الدولة وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن الأوروبي

عام 2015 شهد الاتحاد الأوروبي موجة من صعود اليمين المتطرف إلى الحياة السياسية في عدد من الدول كالنمسا وهنغاريا وإيطاليا وألمانيا، ولكن سرعان ما أفل نجم هذا الصعود بعد أن أثـبتت هـذه الأحـزاب فشلها في إدارة الدولة وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن الأوروبي.

واليوم ومع فوز حزب "أخوة إيطاليا" في الانتخابات البرلمانية ووصول جورجيا ميلوني التي تعود جذور حزبها إلى الفاشية الجديدة، وكذلك تكليف رئيس الحزب السويدي المحافظ أولف كريسترسون رسميا بتشكيل حكومة بعد فوز كتلة اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية في السويد، يمكننا القول إن موجة جديدة من اليمين الراديكالي بدأت تجتاح دول الاتحاد الأوروبي.

أما في أسباب هذا الظهور فيمكن القول بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد جائحة كورونا وحـرب أوكـرانيا والـعقوبـات الـتي ارتـدت بـشكل عكسي على أوروبا وحــالـة الغـضب فـي الشارع الأوروبي مـن السياسات الكلاسيكية التي قادتها الأحزاب الأوروبية التقليدية وخاصة في إيطاليا وعدد من دول الاتحاد الأخرى. بالإضافة إلى وجود توجه داخل الشارع الأوروبي رافض لسياسات اللجوء والهجرة التي تتبعها عدد من دول أوروبا خاصة مع تزايد موجات اللجوء من بؤر التوتر في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو الأمر الذي يتوافق مع برامج الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة.

ولكن هل تستطيع أحزاب اليمين أن تخرج الناخب الأوروبي من أزماته وهواجسه؟ هنا سنعود إلى التاريخ القريب الذي أخبرنا بشكل واضح بـأن أحزاب اليمين الأوروبي لا تمتلك مشاريع اقتصادية فاعلة وحقيقية تساهــم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للناخبين الأوروبيين الـذيـن صوتـوا لـهم، وحدث هـذا بـالنمسا مـع وصول الـيمين المتطرف إلى الحكم قـبل انهياره بفضيحة كبرى وتم اختبار هـذه المشاريـع مـع ماريـن لوبان وحزبها فـي فرنسا فـي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بـالإضافـة إلى اختبار مبدئي قاده اليمين المتطرف فـي إيطاليا عـبر سالـفيني وحزبـه الرابطة الذي شارك في ائتلاف حكومي إيطالي سابق من دون تحقيق أي نتائج.

هل تحول البوصلة في أوروبا نحو أقصى اليمين هو حقيقي بشكل كبير، أم أنها مجرد موجة من الغضب والتصويت العقابي ضد الأحزاب الكلاسيكية وسياساتها؟

إذا فأوروبا اليوم دخلت في موجة جديدة من المد اليميني المتطرف بعد وصوله إلى إيطاليا والسويد، فهل ستجتاح هذه الموجة المزيد من دول الاتحاد؟ وهل ستنحسر كما سيرة الموجة الأولى؟ أم أن الأحزاب قد تستفيد من تجاربها السابقة، إن الإجابات على هذه الأسئلة مرهونة بمزاج الناخب الأوروبي في ظل العوامل التي ذكرناها سابقا والمتغيرات التي ستطرأ على المناخ العام والإجابة على هذه الأسئلة ستقودنا إلى الإجابة على سؤال أعمق وأشمل وهو هل تحول البوصلة في أوروبا نحو أقصى اليمين هو حقيقي بشكل كبير، أم أنها مجرد موجة من الغضب والتصويت العقابي ضد الأحزاب الكلاسيكية وسياساتها؟ هذا ما سيخبرنا به المستقبل القريب في أوروبا.