icon
التغطية الحية

درعا البلد.. الأصابع ما زالت على الزناد

2019.12.04 | 14:11 دمشق

daraa-1.jpg
محمد علي - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

يمكن القول بعد عام و4 أشهر من اتفاق الجنوب السوري، إن مدينة درعا ما زالت خارج ‏سيطرة النظام وما زال المقاتلون السابقون من فصائل الجيش الحر يمتلكون آليات للحشد ‏والتعبئة في حال حاول النظام تهديد وجودهم، وهذه الآليات تحول بشكل أو بآخر من أن يقدم ‏النظام على خطوة تصعيدية في منطقة لم تستتب فيها السيطرة له بشكل مطلق حتى الآن.‏

وضمن هذا الواقع المعقد ضمن خريطة سيطرة غير مرسومة، حيث ما زال السلاح الخفيف ‏والمتوسط في أيدي المقاتلين السابقين، يحاول من رفض الخروج إلى الشمال السوري الحفاظ ‏على وجودهم الآمن نسبياً، بطريقة متوازنة تتراوح بين التصعيد بالسلاح والتفاوض عبر ‏‏"اللجنة"، وإرسال عدد من المقاتلين السابقين إلى داخل صفوف النظام ومخابراته كنوع من ‏الاختراق الأمني وللاستفادة من وجودهم في هذه الأماكن.‏

خريطة سيطرة متداخلة

وقال قائد سرية في لواء شهيد حوران سابقاً، محمد أبازيد، لموقع تلفزيون سوريا "قبل ثماني سنوات بدأت الثورة تربينا خلالها على أخلاق الثورة ومبادئها فليس من السهل علينا أن نحرف المسار خلال يومين، النظام بأجهزته الأمنية وقواته هو عدو بالنسبة لنا ولا يمكن أن يتغير رأينا في يوم وليلة. هناك أعداد قليلة من الشباب الذين انقلبوا بعد التسوية إلى كفة النظام، لكنهم لا يتحركون ضمن المنطقة التي نوجد بها، في حين دخل بعض الأشخاص في صفوف النظام للحيلولة دون اعتقال باقي الشباب المقاتلين المتبقيين في مدينة درعا".

وقد أظهر المقاتلون قدرتهم على الحشد والتعبئة للمرة الأولى في أواخر تموز من العام ‏الماضي، عندما تجمّع 300 مقاتل على الأقل بسلاحهم لطرد قوات النظام من مزرعة قرب ‏المدينة على خلاف الاتفاق، وذلك بعد أيام من انسحاب النظام من حي سجنة ضمن الاتفاق مع ‏روسيا، وعند وصولهم طلب منهم الضابط الموجود فترة قصيرة للخروج، فجاء الرد حينها من ‏جهاد مسالمة قائد غرفة عمليات البنيان المرصوص سابقاً أن معه مهلة مدتها ثلاث دقائق فقط ‏للانسحاب، فرد الضابط انه يحتاج وقتاً أطول لنقل المعدات من المزرعة، فرد عليه المسالمة ‏بأن يرسل سيارات مدنية لنقلها لاحقاً، مما اضطر النظام للانسحاب من المزرعة خلال دقائق ‏من وصول المقاتلين.‏

ومن الجدير بالذكر أن مدينة درعا تتفرد بهذه الحالة من دون باقي قرى ومدن المحافظة، وباقي ‏المحافظات التي جرت فيها اتفاقيات التسوية مثل الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ‏وغيرها من المناطق.‏

وفي الحديث عن عودة المقاتلين إلى أعمالهم السابقة أوضح أبازيد "نحن كمقاتلين بشكل خاص ‏لم نكن ندخل إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام في الفترة الأولى لأكثر من 8 أشهر، ‏ثم بدأنا بالعودة إلى أعمالنا في درعا المحطة بشكل تدريجي، بداية من عناصر التسويات ومن ‏بعدهم الموظفون السابقون، بعدها عاد عدد لا بأس فيه من المقاتلين السابقين إلى أعمالهم ‏السابقة، لكن المبدأ ما زال واحداً لم يتغير بالنسبة لنا كمقاتلين في مدينة درعا".‏

ويركّز من تبقى من مقاتلي الجيش الحر سابقاً على مواجهة أي انتهاك للنظام، وإظهار الحزم ‏والقدرة على المواجهة والتصعيد لحماية أنفسهم، وقبل شهر تم إغلاق حواجز الأمن الجوي في ‏محيط مدينة درعا، بعد اعتقالهم لثلاث مقاتلين في المدينة لاقتيادهم للخدمة الإلزامية، وبعد أن ‏تدخلت "اللجنة" في وقتها واستغلت الخلاف بين فرعي الأمن الجوي والعسكري، تم إطلاق ‏سراح المقاتلين الثلاثة.‏

وما زال حتى الآن عدد قليل من المقار السابقة للفصائل العسكرية في درعا البلد، متمثلة ‏بمقرات "اللجنة" وبعض المقرات السابقة التي بقيت على حالها، ويتم فيها تجمع المقاتلين في ‏حال حدث أي استنفار أو مشكلة في المدينة.‏

وللنظام في مدينة درعا مخفر حي العباسية فقط، ويقتصر عمله على إثبات حالات الوفاة وضبط محاضر فقدان الأوراق الثبوتية، وعيّن النظام بداية في رئاسة هذا المخفر، عقيداً من الشرطة كان ينهال عليه المقاتلون على الحواجز بالضرب لأنه لا يتبسم لهم أثناء المرور من الحاجز، ليتم استبداله بعد فترة قصيرة بضابط من عناصر التسوية في الغوطة الشرقية والذي بدوره كان يقوم بتوصيل الأهالي من حاجز الجيش الحر إلى حاجز النظام وبالعكس أثناء دخوله وخروجه من البلد، كنوع من الخدمة المجانية.

خطة قادمة لتشكيل جسم عسكري جديد

أما في ريف المحافظة الغربي فقد التحق عدد من المقاتلين بصفوف قوات النظام بعد اتفاقات التسوية، في حين رفض ذلك كثيرون على غرار معن الزعبي أحد المقاتلين السابقين في الجيش الحر الذي يسعى الآن لتحصيل رزقه بعد أن عاد إلى عمله السابق.

وقال الزعبي لموقع تلفزيون سوريا "مستعد للانضمام إلى القبر على أن أنضم إلى هذا النظام المجرم"، لافتاً إلى أن هنالك أعداداً من المجموعة التي كان يقاتل في صفوفها التحقت بقوات النظام بعد اتفاق التسوية.

أما عن القيادات البارزة السابقة في الجيش الحر، أشار الزعبي إلى أن عدداً منهم ما زال في مدن وبلدات اليادودة وطفس وبصرى الشام مثل أبو مرشد البردان وأحمد العودة وأبو عبادة وكاسر قداح وغيرهم، عدا عن القادة الذين خرجوا قبل عقد اتفاق التسوية وبعده أمثال إياد قدور وأبو سيدرا وأبو عمر النابلسي.

وكشف معن الزعبي لموقع تلفزيون سوريا عن أنباء لدى المقاتلين السابقين والقيادات العسكرية المتبقية في المحافظة، بأن اجتماعاً أجراه عدد من قادة الفصائل السابقين في الأردن، بهدف تشكيل جسم عسكري جديد يشمل كامل الجنوب بقيادة أحمد العودة وأحمد الحريري وأبو عمر النابلسي والكايد.

وأشار إلى أن عدداً من القيادات السابقين لفصائل الجيش الحر خارج سوريا ينوون العودة إلى محافظة درعا بعد فترة لتنفيذ هذا المشروع، وأكد على أن غالب المقاتلين الذين رفضوا الانضمام إلى قوات النظام ينتظرون عودة القيادات للبدء بتشكيل جسم عسكري جديد.


اللجنة: قيادة توازنات السلم والحرب

تابع أبازيد "في الوقت الحالي لا يوجد مجموعات عسكرية بالمعنى المعروف بالنسبة لنا، الآن ‏يوجد ضمن مدينة درعا ما يسمى (اللجنة) وكل المقاتلين في المدينة لا يخرجون عن طوعها ‏حيث إنها تمثل إلى حد ما الواجهة السياسية وينضوي تحتها كل العسكريين ويقدر عددنا ‏‏1000 مقاتل، ويتركز عمل اللجنة في الوقت الحالي على فض النزاعات ومفاوضة النظام في ‏الملفات الحالية العالقة من مفاوضات الشهر السابع من العام الماضي".‏

وتتكون اللجنة من عدة شخصيات عسكرية ومدنية كانت قد تصدرت الواجهة في فترة ‏التفاوض مع الروس والنظام بعد أن تم توقيع اتفاق التسوية، وكان لها الدور الأبرز في تمديد ‏بطاقات التسوية في مدينة درعا بحيث تم التجديد في البداية لستة أشهر وبعدها لسنة كاملة وإلى ‏الآن لا تزال بطاقات التسوية سارية المفعول، والآن يتصدر الواجهة العقيد محمد الدهني أبو ‏منذر، قائد فرقة 18 آذار سابقاً، والمحامي عدنان مسالمة والدكتور عبد الرحمن مسالمة ‏والشيخ فيصل أبازيد، ويمثل هؤلاء الأربعة لجنة المفاوضات داخل اللجنة.‏

ويضيف محمد أبازيد "للجنة الدور الكبير في فك أسر المعتقلين الذين اعتقلهم النظام مؤخراً عن ‏طريق التواصل مع الأجهزة الأمنية للنظام".‏

وبحسب أبازيد، لم يعد للقيادات العسكرية السابقة أي سلطة لهم على المقاتلين الموجودين في ‏درعا، ويتلقى من تبقى من المقاتلين السابقين معظم الأوامر من لجنة المفاوضات داخل إطار ‏اللجنة، بحيث يتحقق أكبر مصلحة لأهل البلد بأقل قدر ممكن من الخسائر.‏

ما زالت حرية الحركة لدى من تبقى من المقاتلين السابقين محدودة ضمن حدود مدينة درعا، ‏لأن اللجنة لا تملك أي سلطة خارج هذه الحدود، وفي حال أراد أحد الخروج من درعا فعليه ‏المرور على حواجز النظام المنتشرة في المحافظة والخضوع للتفتيش، مع احتمال كبير ‏بتعرضهم للاعتقال.‏

كيف استفاد المقاتلون من التناحر الروسي – الإيراني؟

أكد محمد أبازيد بأنه لا يوجد هناك رأي موحد ضمن القوات الأمنية للنظام، كما أن هناك ‏تناحرات بين أفرع الأمن الجوي الذي يتبع لإيران والأمن العسكري التابع لروسيا بحيث إن ‏المناطق الخاضعة لسيطرة النظام هي شكلية لا أكثر وفي الواقع هي موزعة بين الأفرع ‏كمناطق سيطرة وبسط نفوذ إيراني روسي، إذ يستطيع أي شخص يتم القاء القبض عليه ‏تخليص نفسه بمبلغ لا يتجاوز 500 ليرة سوري طالما أنه لا يزال في منطقة نفوذ الفرع ‏الأمني الذي ألقى القبض عليه.‏

وبالعودة إلى حادثة اعتقال المقاتلين الثلاث قبل شهر، كمثال لتوضيح كيفية استفادة اللجنة من ‏هذا التناحر القائم بين فرعي الأمن التابع كل منهما لروسيا ولإيران، فحينها استطاعت اللجنة ‏إطلاق سراح هؤلاء المقاتلين وغيرهم كثير، عندما طلبت اللجنة من رئيس الأمن العسكري ‏‏"لؤي العلي"، والذي لبّى مطلبهم.‏

ويحاول رئيس الأمن العسكري "لؤي العلي"، تلبية طلبات اللجنة إلى حد كبير في محاولة منه ‏لاستمالتهم إلى جانب فرعه ذي الولاء الروسي.‏

وفي النهاية ختم ابازيد حديثه بالقول: "نحن أيقنا في النهاية بأن معركتنا ليست مع شخص ‏بعينه أو دولة واحدة، نحن نقاتل نصف العالم، وهذا لا يعني أننا تنازلنا عن حقوقنا ومطالبنا ‏لكن نحاول أن نتحول من الميدان العسكري للمعركة والتوجه إلى طرق مختلفة من القتال".‏