حماس إلى دمشق.. الأسد إذ يجمّل صورته بدماء الفلسطينيين

2022.06.24 | 07:56 دمشق

بشار الأسد وإسماعيل هنية
+A
حجم الخط
-A

بات واضحاً أن المسار الذي تتخذه القيادة السياسية لحركة حماس يؤشر لشيء واحد وأساسي أن الحركة الفلسطينية وضعت خياراً واضحاً بإعادة العلاقة مع النظام السوري، وهذا المسار ليس وليد المصادفة بل ترجمة عملانية لطريقة عمل وتفكير الجناح الممسك بخيارات الحركة منذ سنوات، أي فصيل السنوار -العاروري، اللذين يفضلان الالتصاق بإيران وحرسها الثوري وتفصيل كل السياسات "الحمساوية" انطلاقاً من هذا الخيار الاستراتيجي.

ولا يخفي السنوار عن كل من يلتقيهم أن خيار الابتعاد عن سوريا والذهاب لحد معاداة النظام في دمشق كان أمراً خطيراً، وهذا الموقف عززته تقارير سلمت للرجل عند اللحظات الأولى لتسلمه موقعه في قيادة شؤون الحركة على مستوى الداخل شكلياً وعلى مستوى القرار العام بشكل تفصيلي، وهذه التقارير وصلت للسنوار عبر شخصيات مقربة من الحرس الثوري الإيراني مفادها أن خلايا الحركة في الخارج عملت في السنوات الأولى للثورة بتدريب ودعم فصائل المعارضة السورية وتزويدهم بتقنيات عسكرية لمواجهة النظام السوري في إطار تبني قيادة حماس لثورات الربيع العربي منذ اللحظات الأولى لاندلاعها في المنطقة.

وهذه الملفات أثارت انزعاج قائد حماس الجديد والذي يميل إلى التركيز على الاستفادة من حليف وغير خفي أنه الإيرانيون وحزب الله، وجرت حينذاك مساع سياسية رعتها حركة الجهاد الإسلامي بداية مع الحزب والإيرانيين بغية إعادة وصل ما انقطع بينهم وبين حماس على خلفية مجاهرة خالد مشعل برفض دعم النظام وسلسلة الانتقادات التي وجهها الرجل لبشار الأسد وحاشيته والذين يمعنون بالقتل والمجازر، ولم يخف الإيرانيون ومن خلفهم حزب الله حماستهم بإبعاد مشعل عن الواجهة المباشرة لحماس وإقصاء تياره داخل الحركة وتحديداً موسى أبو مرزوق وعزت الرشق وشخصيات أخرى في السياسة والمؤسسات كممر إلزامي لإعادة العلاقة مع حماس.

لكن خريف مشعل لم يطل في الحركة، وتحديداً في ربيع العام 2021 حيث عاد الرجل زعيماً للحركة في الخارج ممسكاً بكل الملفات المفصلية والتي لا تقل أهمية عن ملفي غزة والداخل، وعودة مشعل أعادت فتح قنوات التواصل بين حماس من جهة وبين دول عربية وإقليمية من جهة أخرى وتحديداً تلك العواصم التي ما تزال مستعدة للعب أدوار والاستثمار بالورقة الفلسطينية، وهذه القنوات التي أغلقت لسنوات مع السعودية والأردن والكويت وسلطنة عمان آثر مشعل فتحها دون تردد انطلاقاً من قناعة راسخة لدى الرجل أن حركته تنطلق من بُعد عربي وإسلامي لا تستطيع إيران ولا نظام فقد شرعيته في سوريا  إعطاءه للقضية الفلسطينية.

بالمقابل بات لدى السنوار  قناعة مهمة بأن سوريا باتت أرضاً خصبة للعمل العسكري طالما أن حدودها مشرعة لكل القوى الإقليمية، وأن دمشق التي سمحت لحماس سابقاً باستخدام أرضها لتجارب صاروخية قد تتيح الفرصة مرة أخرى طالما أن التحديات التي تواجهها الحركة على مستوى المساحات الآمنة للعمل العسكري لم تعد متاحة بعد الانقلاب في السودان والخروج من سوريا.

هناك مشروع لدى السنوار يقول إن لبنان وسوريا مساحات يمكن استخدامها في أي معركة لاحقة مع إسرائيل في المنطقة ويبدو هذا من خلال التسريبات المتواترة عن تنشيط حماس لبنيتها العسكرية في المخيمات الفلسطينية بالتنسيق مع حزب الله

وهناك مشروع لدى السنوار يقول إن لبنان وسوريا مساحات يمكن استخدامها في أي معركة لاحقة مع إسرائيل في المنطقة ويبدو هذا من خلال التسريبات المتواترة عن تنشيط حماس لبنيتها العسكرية في المخيمات الفلسطينية بالتنسيق مع حزب الله بغية هذا الهدف، وسابقاً جرى انفجار في مخيم البرج الشمالي استهدف مخزن أسلحة للحركة وأدى لمقتل قيادي أمني في الحركة يدعى حمزة شاهين.

وعليه فإن الزيارة الأخيرة لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية إلى لبنان في هذا الإطار وهناك من يتحدث أن زيارة بيروت تندرج في مساعي حزب الله وضع اللمسات الأخيرة على ترتيب العلاقة بين حماس والنظام السوري، وتسربت معلومات دبلوماسية تقول إن هنية سيلتقي مسؤولاً أمنياً سورياً بحضور قيادات لحزب الله بغية التحضير لزيارة هنية لدمشق ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، والعمل على إعادة انتقال لمكاتب وقيادات حمساوية لدمشق.

وعلى الرغم من تهرب هنية من أسئلة صحفيين التقوه في بيروت، مساء أمس الأربعاء، حول إعادة العلاقة إلى سابق عهدها مع دمشق إلا أن كل الأجواء المحيطة باتت توحي بذلك، على الرغم من الانقسامات الحادة التي شهدتها حماس ومكتبها السياسي حول "العودة الدمشقية".

وهناك وجهة نظر داخل حماس يقودها مشعل وتقول إنه على الرغم من أن المفاوضات بين حماس ودمشق وصلت إلى حدود متقدمة إلا أنها تشهد بعض المعوقات والتي قد توقف هذه الاندفاعة، لأنه كما أن القطيعة مع سوريا سببت خسائر لحركة حماس، كذلك الاقتراب من النظام المنبوذ عربياً ودولياً سيسبب خسائر واسعة للحركة واهتزازات في بعض علاقاتها الإقليمية وتحديداً مع الأتراك والقطريين، كذلك مع الجمهور المؤيد للحركة على امتداد المنطقة، وهذا الجمهور لا يبدي تعاطفاً مع الحركة فحسب بل يقدم تبرعات مالية بمبالغ ضخمة تستعين بها الحركة للإنفاق على مؤسسات داخلية وخارجية.

لكن الحقيقة التي ترفض حماس الاعتراف بها أن النظام السوري وعلى الرغم من محاولات قوله إنه بحاجة لوقت لنسيان ما اقترفته حماس بحقه، فإن الحقيقة تقول إن الأسد أكثر حرصاً من غيره على إعادة حماس لدمشق لكونه بحاجة لإضفاء شرعية على خياراته وممارساته عبر قوى حية كحماس أكثر الفصائل مجابهة لإسرائيل والقول إن زحفاً عربياً لدمشق بدأ بالعودة وإن نظامه أعاد إخضاع كل من اعترض على سلوك نظامه القمعي والإجرامي، لذا تبدو حماس حاجة للأسد وليس العكس.

وزيارة هنية للبنان تحمل معها مجموعة من الأهداف تعمل حماس على استمرارها ونجاحها، الأول اجتذاب الجمهور الفلسطيني في المخيمات في ظل الصراع القائم داخل حركة فتح بين أجنحة متصارعة، وهذه الرغبة تأتي في ظل أزمة وجودية يعيشها لبنان على مستويات اقتصادية واجتماعية وتأثيراتها على المخيمات الفلسطينية أشد وقعاً وخطورة.

لذا وبالتوازي فإن الحركة تخوض معركة شرسة بغية الحصول على حقوق إنسانية ومدنية للاجئين في المخيمات وتنظم حملات إغاثة وخاصة أن هنية أشار سابقاً إلى أن وضع المخيمات الفلسطينية فيه أقسى من أوضاع المخيمات في غزة. وتبع ذلك إطلاق حملة "حماس حدك" الاجتماعية، في تنافس مستمر مع فتح والتي وعد عودة المخصصات المالية لها أعادت تفريغ مئات الشبان في المخيمات الفلسطينية.

يحمل هنية معه ملفات أساسية إلى لبنان أهمها التأكيد على استمرار التنسيق في غرفة العمليات العسكرية المشتركة بين حماس والحزب والتي ترجمت نشاطها في "معركة سيف القدس" الأخيرة على غزة

بالمقابل يحمل هنية معه ملفات أساسية إلى لبنان أهمها التأكيد على استمرار التنسيق في غرفة العمليات العسكرية المشتركة بين حماس والحزب والتي ترجمت نشاطها في "معركة سيف القدس" الأخيرة على غزة وهذه الغرفة وفقاً لما يقوله مسؤولون في حماس  ساهمت في رفع مستوى التبادل المعلوماتي بين الجانبين، وثمة ملفات يحرص هنية على إعادة إحيائها لبنانياً عبر توحيد جهود حلفائه في لبنان.

وتجلى ذلك من خلال المصالحة التي رعتها الحركة بين حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان واصطحاب هنية معه أمين عام الجماعة عزام الأيوبي للقاء نصر الله بالإضافة إلى محاولات الحركة ترتيب تحالف انتخابي بين الحزب والجماعة لكن الظروف السياسية للطرفين حالت دون هذه المعركة الانتخابية، لكن هذا الواقع لم يمنع من استمرار التنسيق بين الجانبين في ملفات مشتركة سياسية وعسكرية، بالمقابل رشحت العديد من المعلومات والتي تتحدث عن رعاية هنية سابقاً لحوار بين الإيرانيين والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وجرى عقد لقاءات في عدة عواصم أهمها التي جرت في بيروت وبغداد.

لذا فإن ما تبديه حماس وتمارسه على المستوى السياسي "حصراً"، بات يوحي أنها حسمت أمرها بالالتصاق بشكل مباشر مع خيارات محور الممانعة وخاصة أن جهات قيادية باتت تتحدث في غرف مغلقة عن خشيتها من التقارب التركي-الإسرائيلي والذي انعكس بالطلب من قيادات سياسية بمغادرة تركيا، بالمقابل هناك خشية يبديها العديد من الشخصيات الحمساوية من تراجع محتمل لقوة الحزب الحاكم في تركيا وإمكانية خسارته في الانتخابات المقبلة أمام توحد المعارضة والتي تتخذ من الوجود العربي مبرراً للتوحد وما قد ينعكس مستقبلاً على اللاجئين هناك، لذا تسعى الحركة للبحث عن أماكن جديدة لحضورها السياسي والاجتماعي والأمني.