حزب الله واليوم التالي: الالتفاف على الأزمات الكبرى بحوارات هامشية

2024.04.04 | 05:54 دمشق

4562345
+A
حجم الخط
-A

يعيش حزب الله أزمة سياسية في المنطقة أهمها أنه بات يلمس تضعضع في الجبهة الداخلية في لبنان وسوريا، لذا فمثل هذه المنغصات في حالات الحرب تصبح نتائجها أكثر خطورة من الحرب العسكرية، خصوصاً لدى مقاربة الحزب للموضوع من زاوية أمنية. لأن أي اختلال في التوازن الداخلي والخارجي سيؤدي إلى انهيارات متتالية على خط العلاقات السياسية بين قوى اجتماعية وسياسية مختلفة، وستكون نتائجها وتداعياتها سلبية ومؤثرة جداً.

من هذا المنطلق يروج الحزب إياه لسردية تقوم على أنه يعكف على إنتاج وثيقة سياسية لبنانية تحاكي هواجس الأطراف وتكرس "لبنانية الحزب"، وعلى الرغم من صعوبة تصديق هذا الكلام لموانع كثيرة، إلا أن الحزب في الذكرى الـ42 لانطلاقته كفصيل يتبع للحرس الثوري الإيراني، يختبر اليوم مستوى غير مألوف من المعارك العسكرية في الميدان اللبنانية، فالحزب الذي أعلن نفسه "مقاومة وحيدة" في تصفيته للمجموعات المقاومة الأخرى في جنوب لبنان، أعاد تكريس وجوده في معاركه الميدانية مع حركة أمل فصيلاً شيعياً على الأرض.

أما في نهاية تسعينيات القرن الماضي فأعاد ترسيخ قوته بصفته المسؤول الأول عن تحرير جنوبي لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، أما في 2006 عزز دوره الداخلي في معادلة "توازن الردع" بقتاله أكثر من شهر في وجه دبابات الميركافا، ومع دخوله أتون وأد الثورة في سوريا، اكتسب مقاتلو الحزب لنحو عقد من الزمن أساليب قتالية جديدة وفّرها لهم قتال من نوع آخر على الأرض في وجه معارضة مسلحة مستجدة على القتال تواجه مجموعة طائفية متمرسة.

إضافة لتجاربه في تصدير القتال والمعارك والخلايا المتنقلة بين اليمن والعراق ودول الخليج، وبات يجاهر صاحب النفوذ الأكبر في لبنان وسوريا والعراق واليمن، من هذا المنطلق خسر الحزب كل أرصدته الشعبية التي اكتسبها جماهيرياً في دول المنطقة مع أول مجزرة ارتكبها مقاتلوه في حمص السورية، ما سبّب حالة عداء بينه وبين أكبر مكونات المنطقة وهو المكون السني.

مع زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى الإمارات، بدا حزب الله أمام مسارات جديدة وبخطاب مستحدث في تاريخ انتمائه الإيراني، عبر حديثه عن صياغة عوامل الاستمرار لليوم التالي بعد انتهاء الحرب في غزة والجنوب، وهو يوحي أن انعكاسات هذه الحرب لن يقتصر على غزة والقضية الفلسطينية فحسب، بل يطول خريطة المنطقة، وتحديداً كل ما يتعلق بمصير دول الطوق لإسرائيل. وبالتالي فإن لبنان وسوريا معنيان بشكل مباشر بأي ترتيب سياسي محتمل، لا سيما أنه من خلال وجوده في جنوبي الليطاني وقرى القنيطرة فهو يشكل خطراً على أمن إسرائيل في الجليل الأعلى والجولان.

من هنا يشيع حزب الله أجواء في الصالونات السياسية تشير إلى أنه بات بحاجة إلى استغلال الموقف والمبادرة من جهة، والتجاوب مع المبادرات من جهة أخرى، وحاجته الماسة إلى حسم كل خياراته في الشروط الموضوعة على الطاولة وأهمها حضوره الإقليمي وترسانته الصاروخية، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاق حدودي يشبه اتفاق الحدود البحرية لتحويل المنطقة إلى منطقة آمنة لأن أقل من ذلك لن يكفي لاستكمال دورة الانفتاح وترتيب المشهد المقبل.

وثمة اعتقاد أن الخوف الأبرز الذي يواجه الحزب وقاعدته هو التهويل الحاصل والذي قد يتحول إلى اتساع مطرد في رقعة النار الإسرائيلية في ظل التباين المستمر بين إسرائيل وإدارة بايدن على كيفية خوض معركة رفح، في ظل ما يحكى عن رغبة أميركية بمنع نتنياهو من القيام باجتياح عسكري واسع لرفح. في المقابل، يسعى نتنياهو ومعه كل أركان حكومة اليمين إلى التصعيد في جبهات مختلفة للتعويض عن ذلك، ومن هنا أتت عملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.

من هنا يحاول حزب الله اللعب على عامل الفراغ القاتل والوقت المتقطع لخلق مسارات واختراقات سياسية في سوريا ولبنان عبر مجموعة من التحركات وهي:

أولاً: يسعى حزب الله من خلال بعض الأكاديميين والمثقفين الذين يدورون في فلكه فتح ثغرة في جدار العلاقة مع بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة السورية والحوار معها في أفق الحل السياسي المحتمل في سوريا، وهذه الحوارات التي يحاول الحزب تعزيزها في المرحلة المقبلة عنوانها الرئيسي تخفيض التوتر القائم بينه وبين جزء محدد من قوى المعارضة السورية، وعلى الرغم من أن تلك الحوارات الحاصلة لم تصل إلى أي مكان لكنها جزء من سردية الحزب الحاصلة منذ معركة غزة والتي تقوم على فكرة "التوحد ضد العدو الأكبر"، وهذه التحرك يتزامن مع محاولات السعودية استضافة مؤتمرات حوار بين نظام الأسد وبين المعارضة والتي تحتاج لتنسيق مسبق مع روسيا وتركيا وقطر.

ثانياً: على المستوى الإقليمي تكرس مراكز الحوار والدراسات التابعة لحزب الله كل نشاطها الإقليمي لخلق حوارات مع مراجع دينية سنية في العالم الإسلامي بهدف تبريد الجو، وعلى الرغم من عدم استجابة الأزهر أو مراجع دينية خليجية لمشروع الحوار واللقاء، تفاعلت بعض الجماعات الإسلامية، كما شارك علماء دين مقربين من إيران في المؤتمر السنوي لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد سنوات من الانقطاع بسبب الثورة السورية.

ثالثاً: على المستوى اللبناني فتح حزب الله وحماس حواراً رئيسياً حول سبل استنهاض الساحة السنية اللبنانية في أي مشروع للمقاومة في المستقبل، من هنا يجري البحث عن طرق استنهاض الجماعة الإسلامية بعد مشاركتها جناحها المسلح في أعمال القتال وإطلاق الصواريخ، ورفدها على صعد عدة بهدف خلق حليف سني لبناني بعد الحرب يسهل على الحزب التغلغل بالبيئة السنية بسلاسة تامة، من هنا أتت حالة الاعتراض السياسي من نواب سنة على الجماعة لاستقطابها شبان لبنانيين من مختلف المناطق في جناحها العسكري.

وعليه فإن حزب الله المأزوم سياسياً في لبنان بعد انكفاء جزء من الحلفاء وتحديداً الحليف المسيحي جبران باسيل وتياره وتمترس المعارضة اللبنانية خلف جبهة "رفض سليمان فرنجية"، يسعى اليوم الحزب لتكريس التفاف على أزماته بالتفكير باليوم التالي في مساحات أخرى تخفف من حجم خسارته المتوقعة، لذا فإن الحزب بات يدرك أنه أمام مقصلة التاريخ المفصلية، فإما الالتحاق بقطار التسويات المنطقة الذي تسعى ايران لركوبه وإما سيخوض آخر حروبه وحيداً دون حليف وازن.