"حلفاء" السوريين و"أعداؤهم"

2020.09.28 | 00:05 دمشق

bwtn-lsd-hsn-rwhny-620x330.jpg
+A
حجم الخط
-A

"حلفاؤنا أو أصدقاؤنا الروس" و "حلفاؤنا أو إخوتنا الإيرانيون" عبارات تتردد في سرديات نظام الأسد وعلى ألسنة أتباعه، عندما يتحدثون في مختلف الشؤون السورية وصفاً وتعليقاً وتحليلاً. أما التوصيف الذي يطلقه هؤلاء على أي جهة أخرى تتدخل بالشأن السوري فهو "داعمو الإرهاب".

بداية، السوري الوطني، الحريص على وحدة وسيادة وحرية وأمان بلده، لا يريد أي جهة خارجية أن تتدخل، أو تعبث ببلده، كيفما كان شكل هذا التدخل. وهذا السوري لم يكن متسبباً بدخول تلك القوى أساساً؛ بل إن تلك السلطة الحاكمة هي التي استدعت "الحلفاء والأصدقاء والإخوة الإيرانيين، والروس" بحجة محاربة الإرهاب. وحقيقة الأمر، إنها دعتهم لحماية نفسها من شعب ثار عليها طلباً للحرية. وبذا حوّلت سوريا إلى بلد مستباح، وأهله بالويل.

المفارقة الواضحة والمؤلمة في سردية منظومة الاستبداد، أن بعض بلاد "داعمو الإرهاب" تلك، قد استقبلت ملايين السوريين الهائمين على وجوههم هرباً من براميل النظام، وصواريخ سوخوي "الأصدقاء الروس"، وسواطير "الإخوة في إيران"؛ أما بلاد "الأصدقاء والإخوة" فلم تسمح لسوري ابن سوري هارب من الاستبداد أن يصلها، أو أن تكون له ملجأً.

وجد المستجيرون من نار النظام "وأصدقائه" على الأقل أماناً واحتراماً وإنسانية ورعاية صحية وتعليماً من "داعمي الإرهاب"؛ بينما "الأصدقاء" لم يكونوا أقل قسوة وشراسة وإهانة على الإنسان السوري من نظامه الاستبداد.

يتذكر السوريون تدمير "الأصدقاء" الروس لما يقارب المئتي مدرسة، ومئة وتسعين مشفى ونقطة طبية، وستين سوقاً؛ مستخدمين أكثر من مئتي صنف سلاح أثبتت فاعليتها العالية. يتذكرون ارتكاب ميليشيات "الإخوة" الإيرانيين وميليشيات حزب الله المجازر التي ارتكبوها بحق السوريين. يتذكرون استمرار تدفق الإيرانيين إلى سوريا دون اكتراث بصحة السوريين وقت حظر/كورونا/. ويتذكرون عبث الإيرانيين في مناهج التعليم السورية وأدلجتهم للمجتمع السوري. يكفي ما قدّمه لهم "الإخوة" الإيرانيون- بالتعاون مع حزب الله "المقاوم"- من مخدرات، كي يبقى الشباب السوري "مزهزهاً" منتظراً للمهدي؛ كي يتم تدمير جيل سوري بالكامل.

في الجانب الاقتصادي، يتذكر السوريون كيف وضع "الأصدقاء" الروس و "الإخوة" الإيرانيون يدهم على معظم موارد وخيرات سوريا عبر عقود وامتيازات لسنين طويلة؛ ويتذكرون أنه عندما

الأصدقاء الروس والإخوة الإيرانيون ساهموا بإفراغ البنك المركزي السوري من الأموال مقابلاً وثمناً لحماية السلطة الحاكمة

احتاج السوري رغيف الخبز وكمشة وقود وساعة كهرباء؛ لم يتقدم "الأصدقاء والإخوة" لنجدته. وحتى عندما شبّت الحرائق في الغابات والمزروعات السورية، غاب "الأصدقاء"؛ ولكن أحدهم كان حاضراً بقوة لإطفاء حرائق مشابهة عندما نشبت في إسرائيل، التي تحتل أرضاً سورية.

الأصدقاء الروس والإخوة الإيرانيون ساهموا بإفراغ البنك المركزي السوري من الأموال مقابلاً وثمناً لحماية السلطة الحاكمة.... أي أنهم تقاضوا أجر قتلهم للسوريين وتدمير بلادهم. وعندما كان نظام الاستبداد يعجز عن الدفع، كانوا يضغطون، فيهبهم "سيّد الوطن" أرضاً أو موانئ أو مناجم فوسفات أو مشاريع ترهن سوريا لعشرات السنين.

غير مألوف أن يرغب "داعم الإرهاب" بوقف إطلاق النار أو بالحلول السلمية أو حتى بأي عملية سياسية تطفئ النار التي يُفتَرَض أن يعيش عليها؛ كما أنه يسعى للتفلت من العقاب أو أن يقدّم الحماية لمرتكب الجرائم، وخاصة جرائم الحرب. المفارقة في السياق السوري هي أن "الأصدقاء الروس والإيرانيين" سعوا لإجهاض القرارات الدولية الداعية لوقف إطلاق النار في سوريا عبر خلق مسار "أستانا"، وعبر تحويل هذا البند في القرارات إلى مناطق خفض تصعيد؛ عادوا ودمروها، وشردوا أهلها. كما أن "الصديق" الروسي خاصة أخذ من مجلس الأمن رهينة، وحمى نظام الاستبداد من أية إدانة لجرائم الحرب التي ارتكبها، بما فيها استخدام السلاح الكيماوي.

خرج الأميركيون على السوريين بقانون قيصر؛ الذي يعتبره النظام وحلفاؤه والمتحدثون باسمهم ظالماً؛ ولكن هذا القانون وُجد لحماية السوريين، وهو رد فعل على قتل النظام للآلاف منهم تحت التعذيب؛ قانون يدعو النظام للانخراط بعملية سياسية توقف المأساة السورية؛ ويدعوه إلى رفع الحصار والتجويع عن السوريين؛ ويحث على معاقبة مرتكبي جرائم الحرب بحق السوريين. قانون صُمِّمَ ليردع نظام الإجرام الاستبدادي، فإذا بالنظام يعلّق كل المآسي السورية من إهانة وعوز وتجويع على أهدابه، ويجعل منه- برفقة "الإخوة والأصدقاء"- أداةً للمزيد من الآلام السورية.

"الحلفاء والأصدقاء والإخوة" الروس والإيرانيون كانوا فعلاً حلفاء وشركاء للنظام بتدمير سوريا وقتل السوريين. كانوا إخوة وأصدقاء له، ولكن أعداءً ومحتلين لسوريا. أتوا بذريعة دعم النظام في محاربة الإرهاب، فكانوا ذاتهم الإرهاب، وحُماته.

لا يريد السوريون أي غريب على الأرض السورية؛ وأول من لا يريدونه هو منظومة الاستبداد، التي تسببت بكل هذه المأساة وهذا الخراب. فلترحل هذه الطغمة، كي يخرج كل الغرباء؛ فإن استمرارها، استمرار للمأساة السورية؛ وهو المبرر الأكبر لوجود الغريب، والجوع، والإهانة، والإرهاب. ولابد أن هذا هو أيضاً لسان حال - ليس فقط "المدعومين إرهابيا"- كما تصدح الأبواق- بل مَن اختاروا الصمت قهراً، أو نذالة، أو خوفا. وها قد بدأنا نسمع أصواتهم على الطوابير اليومية.

كلمات مفتاحية