"حق الكدّ والسعاية" للولد المساهم في نماء ثروة العائلة

2021.04.20 | 06:47 دمشق

dava-mahkeme-shutterstock-3_16_9_1524553815-880x495_16_9_1542548868.jpg
+A
حجم الخط
-A

في مقالنا السابق تحدثنا عن (حق الكدّ والسعاية) وبيّنا أسباب استحقاق الزوجة لنصف مال الزوج المتحصل بعد انعقاد الزوجية عند وقوع الطلاق أو الفراق وقبل قسمة التركة، فضلا عن حصتها الإرثية مما تبقى من مال لكونه تركة وهي منه وارثة، وذلك ضمن رؤية لقانون جديد مستقبلي للأحوال الشخصية أو لقانون شؤون العائلة.

في هذا المقال سنبين أن (حق الكدّ والسعاية) ليس حقا حصريا بالزوجة وإنما قد يكون في بعض الأحيان حقا لأحد الأولاد والمقصود هنا بكلمة الولد هو الذكر أو الأنثى لا فرق.

ففي مجتمعاتنا يحصل أحيانا أن أحد الأولاد – وهو في معظم الأحيان ذكرا – ينخرط مبكرا في العمل مع والده في مصنع يملكه أو في حرفة ما يعمل بها الأب ويشارك الولد أباه الجهد والعرق والكدّ بما يسهم في نماء ثروة الأب بينما يكون أشقاؤه يدرسون أو يعملون في مهن أو أعمال خاصة بهم ويعود ريعها عليهم وحدهم وبالتالي لا يشاركون بعملهم ومدخولهم في نماء وتضخم الثروة الكلية للعائلة، وعندما يتوفى الأب يرث هذا الابن من تركة والده مثل ما يرث أشقاؤه وفي ذلك ظلم وحيف لهذا الولد الذي سخّر جهده ووقته ومساحة كبيرة من حياته لنماء ثروة العائلة بينما كان يمكن له أن يفعل ذلك وأن يكون مردود عمله له وحده لكنه لم يفعل وبقي إلى جانب والده يطوران عملهما وينميان ثروة العائلة.

لذلك فإنه من العدل والإنصاف وقبل توزيع التركة أن يحصل هذا الابن على حقه لقاء ما بذله من جهد وما سعى إليه - خلال سنوات عمله مع مورثه - من رزق ساهم فيه في نمو الثروة الكلية للعائلة وهو ما يعرف بحق (الكدّ والسعاية) وهو ما يمكننا تعريفه في هذا المقام بــ (الحق في جزء من مال تركة الأب الذي ساهم في نمائه أحد أبنائه بعد انخراط هذا الابن في مضمار عمل الأب وسخّر له وقته وسنينا من حياته وكان لهذا العمل أثر ملموس وملحوظ في نماء ثروة الأب التي صارت الآن تركة لوارثيه).. وهذا الجزء يتعين أن يحصل عليه الابن المذكور بعدل وتوازن حال حياة الأب إن رغب الأخير بذلك فيخصص له جزءا من تلك الثروة ويسجلها باسمه، أو بعد وفاة الأب وقبل اقتسام التركة بين الورثة، ودون أن يؤثر ذلك على حق هذا الولد الإرثي من بقية التركة.. وهذا حقّ يجب أن يقر به ويمتثلوا له بقية الورثة تقديرا لجهد شقيقهم واحترامهم لكدّه الذي ساهم به في نماء تلك الثروة التي تؤول الآن إليهم.

ويمكن ببساطة - وبلا إفراط ولا تفريط وببعض من حس المسؤولية وروح الأخوة - احتساب المقابل المادي لهذا الحق بالنظر إلى معيارين أساسيين الأول هي عدد سنوات العمل التي اشتغل فيها هذا الولد مع والده والثاني هو مستوى تطور ونماء ثروة الأب بعد انضمام ابنه إليه في العمل والدور الذي اضطلع فيه وكان له الأثر في ذلك النماء، ثم في ضوء ذلك يمنح هذا الابن نسبة ما قد تكون ربعاً أو ثمناً أو سدساً أو أي نسبة أخرى من الثروة التي تحصلت بعد دخول الابن سوق العمل إلى جانب والده ، أما ما كان لدى الأب من مال سابق فللجميع حق متساو به كما للجميع حق متساو بما تبقى بعد تجنيب حصة شقيقهم المتفق عليها مقابل كدّه وسعايته لتنمية ثروة العائلة.

والأفضل بطبيعة الحال وتجنبا لأي خلاف أو شقاق أن يبادر الأب حال حياته – وهو الأقدر على تقدير جهد ابنه في عملهما المشترك وما عاد به عليه من مردود – أن يخصّ هذا الابن بجزء أو نسبة من ثروته يقدرها بعدل وهو القادر على ذلك دون أن يقيم وزنا لعادات وأعراف تخالف العقل والمنطق وشرع الله تحرم الإناث من الأولاد من مال والدهم.

وعلى الوجه الآخر ثمة من الآباء من يسجل أمواله كلها على اسم أكبر أولاده لمجرد أنه انخرط معه في سوق العمل دون أشقائه ورغبة في عدم تفتيت الثروة، ثم يطلب منه أن يتولى شؤون العائلة من أم وإخوة وأخوات (!) وهو تصرف فضلا عن كونه يخالف ناموس الشريعة ومقاصدها في انتقال الثروة بين الأجيال عبر نظام الإرث، فإنه ينم أيضا عن تهور الأب وسوء تقديره للأمور وعواقبها.. لأنه سيورث البغضاء والشقاق بين أفراد العائلة وربما يورد الجميع مسالك المحاكم والقضاء الذي قبل أن يقضي في مدعاة المظلومين منهم، سيقضي على وشائج الرابطة العائلية التي تقطعت وسفحت في ردهات المحاكم.

إن حفظ حق الولد الذي كدّ وسعى إلى جانب والده في العمل وساهم في نماء ثروة العائلة لا يكون بأن ينصّبه الأب قبل رحيله ولي أمر بقية أفراد تلك العائلة من خلال وضع الأموال تحت تصرفه وإدارته الحصرية، فولايته على المال تستتبع بالضرورة ولايته على الأنفس وطرائق عيشها يحبس عنها المال وقت ما شاء ويمنحها منه ما يشاء ضمن نظام أبوي مستنسخ تأباه طبيعة الحياة حيث ينزع الأفراد دائما للاستقلالية والانفراد بشؤونهم الشخصية وشؤون حياتهم بالعموم فتكون نتيجة هذا التصرف تفتيت العائلة بالصراعات والمشكلات البينية خلافا للمقصد الأصل.

وبالتالي أن يحصل الولد في تلك الحالة على ما يقابل سعيه وكدّه وأثره في تثمير المال ونمائه حال حياة والده أفضل ألف مرة من تأجيل ذلك، وأن يحصل ذاك الولد على هذا الحق بعد وفاة والده وقبل قسمة التركة - وبمنطق التراضي والتغاضي - على هذا الحق هو أيضا أفضل مئة مرة من التنازع وولوج أبواب المحاكم أو من منحه حقا حصريا بإدارة مال التركة لأن ذلك يخالف نزوع الأفراد نحو الاستقلالية ويؤجل المشكلات دون أن يفككها بالحل.. فالإقرار بالحق وأداؤه أفضل وأولى من إنكاره ومواراته.