بشار الأسد راعي الخاطفين والمخطوفين

2022.02.14 | 05:30 دمشق

image.jpg
+A
حجم الخط
-A

بادئ ذي بدء. أخذت اسم المقال من فكرة موالي النظام السوري التي تنسب أي فضل أو منجز في أي مجال للرئيس القائد، فهو راعي الرياضة والرياضيين والفن والفنانين والحدادة والحدادين. وهو في قضية الطفل المختطف "فواز القطيفان" صار راعي الخاطفين والمخطوفين!

النظام الذي يتفنن في تقطيع أوصال محافظة درعا ونشر الحواجز والثكنات والمنسوبين له في كل زاوية وتحت كل حجر، غاب تماماً عن حادثة اختطاف الطفل فواز وكأنّ الأمر لا يعنيه، رغم انتشار الخبر على الصعيد المحلي قرابة شهرين.

إلا أن قدر فواز أسعفه، حيث انتشر مقطع الفيديو الشهير له في أثناء تعرضه للضرب على يد العصابة الخاطفة، وتزامن ذلك مع الاهتمام الدولي بخبر الطفل المغربي ريان رحمه الله، ما سهّل من انتشار قضية فواز بعد أن ارتبطت بقضية ريان، وتحولت إلى ملف مهم جداً سوريّاً وعربياً.

سارع قائد شرطة درعا التابع للنظام العميد ضرار دندل لالتقاط الصور مع الطفل، وكأنه يريد القول "تفضلوا هي طالعنا الولد"

هنا، كما تعلمون، سارع عدد كبير من الناشطين ورواد مواقع التواصل لإطلاق حملة إعلامية للضغط على الخاطفين والتضامن مع فواز، كما أن الفنان عبد الحكيم قطيفان بدأ التنسيق مع العائلة لجمع المبلغ الذي طلبته العصابة حتى تفرج عن الطفل، وقدره 500 مليون ليرة سورية.

ما أريد الحديث عنه هو تحديداً ما حصل بعد عملية الإفراج عن فواز، حيث سارع قائد شرطة درعا التابع للنظام العميد ضرار دندل لالتقاط الصور مع الطفل، وكأنه يريد القول "تفضلوا هي طالعنا الولد"، وهي سياسة نظام الأسد المعتادة في تزييف الحقائق وقتل القتيل ثم المشي في جنازته. هكذا فعل مع الفلسطينيين واللبنانيين سابقاً، ثم ما فعله حينما تباكى على الطفل عمران، وآخرها هنا مع الطفل فواز.

سارعت أيضاً صحيفة الوطن الموالية للاستثمار في ملف فواز، واستنفر كادرها للذهاب إلى الطفل على عجل بغية سحب كلمات منه أو من أهله علّها تُهدي المناسبة للقائد الرمز كما يسمونه في "سوريا الأسد"، وهذا ما حصل بالضبط وورد على لسان عم الطفل حينما أطلق أمنية بأن يبقى الوطن "بخير وسلامة بقيادة سيد الوطن الرئيس بشار" على حد قوله. سيد الوطن هذا هو ذاته من يقود الجيش الذي يقصف درعا ويُحاول إخضاع أهلها، وينشر فيها الحواجز والباصات الخضر كلما دعت الحاجة لذلك، وفي قضية فواز تغاضى تماماً عن لعب أي دور -اللهم إلا التصوير- وألقى إعلامي لديه يدعى "شادي حلوة" المسؤولية على المعارضة في تحمّل تبعات كامل الملف!

قائد شرطة درعا، صاحب الصورة مع فواز، خرج على وسائل إعلام النظام ليروي عملية التحرير بالتفصيل، وكأن النظام انشغل بالقضية بلا كلل أو ملل، وكأن ذوي الطفل لم يجمعوا المبلغ ثم يدفعوه للعصابة حتى تترك ابنهم!

إنها عقلية نظام الأسد في استثمار كل مناسبة للترويج لأفكاره ورموزه، ولو كان ذلك في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تكشف زيفه بكل سهولة، ولو كانت القضية تهز سمعته من الأساس، لابد له من ركوب الترند والتباكي على جراح هو صنعها، أو أدى لصنعها.

اللافت في إعلان وزارة الداخلية التابعة للنظام خبر "تحرير الطفل فواز" وتبني النظام للموضوع جملة وتفصيلاً، هو تعليقات بعض الموالين الذين سارعوا إلى تصديق رواية الوزارة وشُكره على ما قدمه من "جهود مضنية"، وكأن قائد الشرطة وحفنة الموالين الذي يكتبون التعليقات، يريدون إرسال رسالة ضمنية إلى عامة الشعب، بأن هذا الولد لنا، والترند لنا، والصورة كلها في أيدينا وحدنا!

النظام مازال يستخدم التكتيك ذاته، والعقلية ذاتها، لا يمل من الترويج بأنه مركز الكون، وعقدة المؤامرات الدولية التي تحاك ضد الشعوب

النظام الذي يتصدر المشهد حتى وإن كان لا صلة له به، اعتاد على ركوب الموجة والتأقلم مع المرحلة حتى ولو جمع بها المتناقضات، فإن تحدثت عن العلمانية فيظهر لك على أنه راعي العلمانية في الشرق الأوسط، وإن تحدثت عن الإسلام، أخرج لك بعض الوجوه لتتحدث عن الإسلام حتى تكاد تشعر بأن النظام يريد إقامة الشريعة، وإن تحدثت عن القومية والعروبة انبرى أمامك رافعاً شعارها بل ويُظهر نفسه الحضن الوحيد لها، وهو نفسه من يجلب كل المشاريع المعادية للعروبة ويتولى مهمة أن يكون مركزها في المنطقة، كما هو الحال في مشروع الملالي الإيراني.

ختاماً، فإن النظام مازال يستخدم التكتيك ذاته، والعقلية ذاتها، لا يمل من الترويج بأنه مركز الكون، وعقدة المؤامرات الدولية التي تحاك ضد الشعوب، وبأنه من يتحدى كل العالم لأجل أن يبقى رئيسه بشار الأسد، ويستمر في رعاية كل القطاعات والإشراف على مختلف القضايا من قصره في المهاجرين، وهو في قضية فواز القطيفان - كما ظهر في تصريح مستشارة بشار "لونا الشبل"- يتابع القضية من بعيد ويصر على حلها! ولربما استطاع هذه المرة أن يجمع النقيضين، فيكون راعياً للخاطف.. والمخطوف!