الشعوب بوصفها شماعة للأجندات السياسية

2021.11.17 | 04:37 دمشق

surya_2016_01_10_h10m29s29_ba.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي ما زالت فيه قوى العالم تتحرك من أجل حلّ النزاع في سورية ـ بحسب ادعاءاتهم ـ وما زالت قوى النظام والمعارضة تسعى إلى إجراء تسوية هنا ومصالحة هناك، ما زال السوري يحاول الهروب من جحيم العراك في بلاده، ويعيش أزماته يعيش أزماته من فقر ونزوح وخيبة وحيداً بعيداً كل البعد عن الأخبار السياسية وجحيم التحليل الذي لا يفضي إلى حل لمعاناته.

لا يمكن الحديث اليوم عن فروقات بين معارض وموال بما يخص الكارثة الاقتصادية التي تحيط بنا، ذلك أن كلا الطرفين وجد نفسه في مهب أزمة اقتصادية استخدمها كل من النظام والمعارضة بطريقته من دون أن يعيرا الإنسان اهتماماً.

أصبح السوري موصوماً بمختلف انتماءاته المذهبية والسياسية، ذلك أن رأسي الهرم ـ مثلما قد يقدّمان نفسيهما للعالم ـ لم يختلفا في أسلوب الإدارة السياسية أو الأهداف المرجوّة، لقد اختلفا ربما فقط على احتكار كرسي السلطة لا غير وربما اتبع كل منهما أساليب مخزية للوصول إليه واستبقائه.

العامل الأكثر أهمية الذي أغفله الطرفان لم يكن سوى الشعب السوري، بينما أداروا النزاع فيما بينهم من أجل تحصيل مكاسب سياسية وتسجيل نقاط دولية بمعزل عن العنصر البشري، الذي لا يمكن لدولة أن تتشكل إلا به أو أن تحصل على اعتراف أممي لتمثيل الشعب (المفترض) في المحافل الدولية.

إن لوحة الجغرافيا السورية باتت جاهزة إلى حد كبير لأي سيناريو من سيناريوهات التقسيم المحتملة "سياسياً وجغرافياً"، وهذا بحد ذاته كارثة وطنية لكنها لا تمثل سوى صورة سطحية تعبر عن شرخ أعمق بدأت البنية المجتمعية تعاني منه جراء حالة الاصطفافات التي أسسها النظام، واستفادت منها المعارضة وعملت على تعزيزها وترسيخها بتحشيد الجماهير من دون أن تسعى إلى تحقيق أي تقدم في الملف السوري.

ربما يحيلنا هذا إلى مشكلة أهم لدى الشعب الذي يعد هو الحامل الأساسي والقوة الحقيقية لأي سلطة سياسية، وهي مشكلة التشرذم والاصطفافات المبنية على انتماءات وأيديولوجيات لا يمكن أن تشكل حاملاً حقيقياً لهوية موحدة جامعة مانعة والتأسيس لدولة مواطنة.

لا يمكن من حيث المبدأ التفكير بإحداث انتقال سياسي سلمي مع تجاهل الشعب وغض النظر عن الشرخ الحاصل والمؤثر بشكل حقيقي على المجتمع، أو في حال سوريا ممزقة اجتماعياً وسياسياً وجغرافياً لأن ذلك سيؤثر عاجلاً أو آجلاً على السلم الأهلي

يتفق كثيرون من شرائح المجتمع السوري بأن كلاً من النظام والمعارضة بانتماءاتها المختلفة أيضاً، قد فشلا في تمثيل الشعب تمثيلاً حقيقياً وواقعياً، بل وامتنعا عن دراية عن التوجه لهم ومحاولة رتق ما يمكن رتقه من الخريطة السورية جغرافيّاً ومعنوياً.

لكننا في الوقت نفسه كسوريين لا نشارك في تعريتهم أمام الرأي العام وننساق إلى حالة الإقصاء التي يمارسونها وربما يعود السبب في ذلك إلى وجود حالة إحباط سياسية عامة، جعلت الشعب ينكفئ على نفسه للبحث عن فرص للبقاء.

لقد اخترنا الجلوس في الصفوف الخلفية والاكتفاء بالمشاهدة لأن الساحة السياسية أصبحت لا تعبر عن حقيقتنا وجوهرنا، حتى طاب الأمر للسياسيين فاختاروا أن يبقوا على مسافة من الناس وابتعدوا عن إشراكهم في العملية السياسية إلا في حال كان ذلك يصب في مصلحتهم ويجعل منهم شماعة ومبرراً شرعياً لما قد يمررونه من أجندات.

إن سوريا تمتلك ثقلاً شعبياً واضحاً وقوة بشرية هائلة من كفاءات ووطنيين لكنهم اختاروا العمل بصمت والابتعاد عن السباق السياسي للحفاظ على مبدأ معين وعدم تقديم تنازلات والهروب من الوصم بذلك، لكن ذلك وإن كان لا يشكل فرقاً على المدى القريب لكنه قد يحدث مأساة حقيقية فيما بعد، بعد أن تحتكر السياسة في سوريا فئة لا تمثل السوريين حقيقة ونقع في فخ الاستبداد مجدداً.

لا يمكن من حيث المبدأ التفكير بإحداث انتقال سياسي سلمي مع تجاهل الشعب وغض النظر عن الشرخ الحاصل والمؤثر بشكل حقيقي على المجتمع، أو في حال سوريا ممزقة اجتماعياً وسياسياً وجغرافياً لأن ذلك سيؤثر عاجلاً أو آجلاً على السلم الأهلي وبالتالي سيمنع حدوث استقرار اقتصادي.

ربما لهذا السبب وغيره من أسباب كثيرة تحدث الثورة السورية حتى الآن فرقاً حقيقياً متوازياً مع مطالبها على الأقل، ذلك أن ممثلي الشعب السوري ـ على اختلافهم ـ آثروا الارتهان لأجندات ومطالب مختلفة واعتبروا الشعب مجرد شماعة لتعليق المطالب التي يسعون لتنفيذها وبدأت الأمور بالتدهور شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى هذه النقطة.

إن أكثر ما مُنيت به الثورة السورية ليس عدم التعاطف الدولي والإقليمي فحسب، وإنما الانسياق وراء مكاسب صغيرة ومصالح آنية وانتماءات غير وطنية وأن تطفو هذه الانتماءات على السطح فتعزز حالة الاصطفافات التي لم توفر المعارضة سبيلاً إلا وعززتها مثلما فعل النظام كي يمكّن أركانه محاولين تخدير الشعب بمجموعة من الشعارات الواهية معتمدين أسلوب التجييش العاطفي.