السويداء: نصف عام من التحديات والآفاق

2024.03.03 | 05:33 دمشق

السويداء: نصف عام من التحديات والآفاق
+A
حجم الخط
-A

يحمل سؤال الآفاق والتحديات بين طياته سؤال السياق الموضوعي للإمكانيات والمعطيات، للإيجابيات والسلبيات، للفرص والتهديدات والمعيقات، والأهم من هذا يخرج من دوائر الرأي والرغبة والأحلام؛ وتبدو هذه الأخيرة قاسية على النفس البشرية الطموحة حين يكون الخذلان هو النتيجة. في حين أن تحليل المعطيات والإتيان بالخلاصة الموضوعية يخرج التحليل من الأماني إلى محطات الممكن وبالضرورة العمل. وهذا ما يمكن أن يعطي العمل السياسي فرصته على إثبات حضوره الفعال بين المعطيات الواقعية والأماني والرغبات ومحاولة الجمع بينها لحظيًا.

تبرز السويداء اليوم النقطة الأوضح في سياق المسألة السورية، وذلك على أثر انتفاضتها السلمية والشعبية الواسعة والتي تصرّ على الانتقال السياسي السوري وفقًا للقرارات الدولية وإحداث التغيير السياسي في سلطة النظام القائم واستعادة الشعب سيادته على أرضه وقراراته وحكومته وبرلمانه. واليوم تتباين السويداء في الإجابة على سؤال إلى أين؟ ما الحلول وما الممكن؟ ما الأحلام وكيف نصل؟ ما يستلزم إجراء تحليل موضوعي لسياق الفترة الماضية بتحدياتها وآفاقها.

إعادة إحياء الملف السوري للتداول عربيًا ودوليًا وضرورة استحقاق التغيير السياسي كحل جذري لمشكلات المنطقة عمومًا وسوريا خاصة

تبدو أبرز الإيجابيات التي أحدثتها انتفاضة السويداء هي:

  • الامتداد الشعبي الواسع لها في مواجهة استبداد النظام وتعرية ادعائه حماية الأقليات.
  • إعادة إحياء الملف السوري للتداول عربيًا ودوليًا وضرورة استحقاق التغيير السياسي كحل جذري لمشكلات المنطقة عمومًا وسوريا خاصة.
  • كشف وتعرية جميع الحلول الجزئية التي تناولت الملف السوري خاصة فيما يتعلق بإعادة تدويل النظام واستعادة شرعيته عربيًا ودوليًا أمام تشابك الملفات التي تهدد استقرار سوريا والمنطقة برمتها وأهمها تهريب المخدرات وتمدد الميليشيات الطائفية والإيرانية واستمرار تهديد التطرف وقواه النائمة.

 في مقابل هذا تبرز السلبيات التي تحيق بالحراك متعددة الجوانب، فإذا ما كان الإرهاق والتعب العام وحالة الطقس الباردة وانشغال المجموع الشعبي بأعمالهم اليومية والضائقة المادية العامة ظروف موضوعية سورية تؤثر على زخم الشارع وتراجعه النسبي الملحوظ بدايات 2024، لكن الإضاءة على السلبيات وفق المتغيرات السياسية ضرورة راهنة:

  • بصورة أولية عدم وجود استجابة سورية واضحة المعالم في التعامل مع انتفاضة السويداء كحامل شعبي يمكن البناء عليه في تعزيز الالتفاف السوري. وضرورة التخلي عن المكتسبات السياسية الراهنة التي تعيش بظلها مناطق كل من شمال غربي سوريا وشمال شرقها، وإدراكها اليقيني أنه لا توجد جهة وحيدة قادرة على حمل الملف السوري بمفردها ما لم تبحث عن الشراكة الفعلية فيه. الأمر الذي يتطلب بناء التفاهمات السورية هذه حول أولويات الحل السوري وطرق الوصول إليه تحت عنوان الشراكة الجماعية في الحل، وعدم التعامل مع السويداء بالجذب لإحدى الجهتين كالاكتفاء بالترويج لمشروع إدارة ذاتية أو حكم محلي بسلطة أمر واقع وكفى.
  • فيما تبدو السلبية الأوضح هو مراوحة المد الثوري والعمل على تخريبه من الداخل بالإشاعات الأمنية المغرضة وبث الفتنة والتخوين بين مجموعات الحراك السلمي نفسه.
  • إضافة للمحاولات المتكررة بإصابة الحراك في روحه من خلال بث شعور الخذلان العام بالحل السوري والتوجه لحل محلي في السويداء منفردة. الأمر الذي قاد فعليًا لظهور التباين الواضح في رؤية الحلول الممكنة والتي أدت لتأجيج التباين في الرؤى والمشاريع والأفكار، تجلت بوضوح بكثرة تشكيل الجهات والأحزاب والتيارات السياسية.
  • الترويج لمشروع إدارة ذاتية وخلطها باللامركزية الإدارية لا تحمل السويداء إمكانياتها المادية وتجهض مقومات مشروعها الوطني الذي كان وما زال عنوان انتفاضتها.

ثمة سلبية يتم تناولها دون تدقيق مفادها تعدد جهاته السياسية وعدم تمكنها من تشكيل جسم سياسي موحد في السويداء، وعدم التدقيق مرده الاختلاط القائم بين الرغبات والمعطيات والممكنات. فالتعددية السياسية هذه دليل صحة جسدية في الحراك أقلها للخروج من سياسة الحزب الواحد وجبهته الوطنية القائدة، أضف لكونه لا يمثل حالة عطالة في الحراك الشعبي السلمي المستمر بكافة تياراته وجهاته السياسية، والتي معظمها تتفق على استمرار التظاهرات السلمية كرافعة أساسية لأي عمل سياسي. إذا هذه التعددية ليست من سلبيات الحراك بل يمكن وضعها في سياق الفرص والتهديدات بذات الوقت في حال تدقيق معاييرها والعمل على تجنب التداخلات البينية السورية والملفات الإقليمية والدولية في الشأن السوري والتركيز على الحل السياسي الجذري في سوريا.

أمام أبناء السويداء ومعهم السوريون جميعًا فرصة مفصلية في الملف السوري، مبنية على استعادة المسألة السورية إيجابياتها السياسية بوجود حوامل اجتماعية تتظاهر ضد النظام، متمسكة بالسلمية، تتجاوز بصبر وإصرار جميع تحدياتها. والأهم من هذا أن مظاهرات السويداء لا تطرح نفسها بديلًا عن السلطة القائمة كما درجت عليها مكونات السياسة التقليدية في تنافسها السلبي على مواقع القيادة المفردة للثورة والمرحلة الانتقالية، بل تطرح شراكة السوريين جميعًا في الثورة واستحقاق الانتقال السياسي للوصول لدولة لكل السوريين. ما يعني أن حراك السويداء اليوم يحيل لضرورة تغيير الصورة النمطية للمعارضة السورية من إيديولوجيات الصراع إلى إمكانية التوافق وتذليل الخلافات السياسية البينية بين الأطراف السورية التي تعمل على التغيير السياسي العام. كما وتزداد مؤشرات هذه الفرصة في إمكانية تحقيق التغيير السياسي بدءًا من البيئة المجتمعية صاحبة المصلحة في التغيير، والتي تعيد للفعل السياسي حوامله المجتمعية التي بدأها في الـ 2011 وتستند اليوم إلى أربعة مقومات:

  • فكر تنويري يصب في عنوانه العام بالحريات ودولة القانون والمواطنة، دولة علمانية لكل السوريين، وكما يليق بهم أن يكونوا، دون البحث عن الاستئثار بالسلطة البديلة لصالح جهة دون أخرى.
  • تنوع الحوامل الشعبية والمدنية المتسعة بحيث شملت محافظة السويداء بكاملها وإعادة إحياء الفعل السياسي من القعر المجتمعي والتحرك المدني الواسع المتمثل بالنقابات المهنية ودور النساء في ساحات التظاهر والعمل السياسي والمتآلفة شعبيًا مع كل مكونات المجتمع برجال دينه وعلمانييه وسياسيه من كل المكونات السياسية بمختلف أيديولوجياتها.
  • تفعيل التجاوب والتفاعل السوري مع أحداثها ومتابعته لحظيًا، وضرورة تفعيله للبحث في إمكانية تجاوز الخلافات السياسية الإيديولوجية وتجاوز المصالح السياسية الآنية والعمل الفعل على رفع مستويات ومقومات الفعل الوطني السوري لنقاط قوة عنوانها الحل الجذري، فرغم تكاثف التواصل السوري مع السويداء لدرجة أن مساحة الوقت لم تكن كافية لتناوله بكل تفصيل وتدقيق، ولكن يتوجب ترجمته بمواقف وتحركات فعالة سياسيًا.
  • تحريك المسألة السورية مجددًا واستحقاق تغيير مسارها من الاستنقاع والعطالة إلى الفاعلية والضغوط الدولية والعربية من جديد.

عدم التجاوب الفعلي معها سيؤدي لمزيد من انغلاق السويداء وسريان الخذلان بين أوساطها الشعبية والبحث عن حلول فردية مفروضة

في مقابل هذا تتجلى أبرز المعيقات والتهديدات في فقدان ذات النقاط التي يمكن تفعيلها في المسار السوري، فعدم التجاوب الفعلي معها سيؤدي لمزيد من انغلاق السويداء وسريان الخذلان بين أوساطها الشعبية والبحث عن حلول فردية مفروضة، وثمة من يروج لها، تهديد للمشروع الوطني. والأهم من هذا أي تراجع في الحراك الشعبي سيفقد العمل السياسي قوته المرجعية في الملف السوري، وحينذاك ستصبح التعددية السياسية عاملا فعليا للحراك الشعبي حتى وإن توحدت في مكون واحد يعبر عن السويداء بكل تطلعاتها.

السياق الممكن العمل عليه هو تعزيز الإيجابيات وتجنب السلبيات بحيث يكون استمرار التظاهر السلمي واستعادة زخمه وتجاوز معيقاته، وأهمها محاولة الاستفراد في قيادة الحالة الشعبية، هو هدف مرحلي أمام الجميع، وضرورة تفعيل التواصل السوري تحت عنوان وحيد هو الانتقال السياسي، حتى وإن طالته المعيقات الإقليمية والدولية. الأمر الذي يتطلب العمل الجاد على تشكيل توافق سياسي تمثيلي لفعاليات السويداء جميعًا يرتكز على بنية تنظيمية أفقية وسياسية إعلامية موازية، ترافقهما هيئة استشارية قادرة على الانفتاح والتواصل وتقدير المواقف، وتعمل جميعها بصورة منسجمة تعيد إنتاج السياسة من المجتمع وتعمل على التشارك الفعلي بين الحقوق المادية والمدنية كمصلحة عامة والفكر التنوير والقيم الحضارية كرافعة وطنية عامة. وهذا العمل الممكن مسؤولية وجدارة واستحقاق لا بد منه عنوانه الثبات على الموقع الوطني رغم كلفته الباهظة من حيث الإرهاق والتعب ومواجهة التحديات اليومية أقل كلفة من الانغلاق والتقوقع.